فضل الصحابة

فهد بن عبدالله الصالح

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: شخصيات مؤثرة
عناصر الخطبة
1/ فضل الصحابة رضي الله عنهم 2/ من إنفاقهم وبذلهم 3/ الحاجة لبيان فضلهم ومكانتهم 4/ وجوب حبهم وحرمة النيل منهم

اقتباس


ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- اختار له صحابة أخيارًا صالحين، آمنوا به واتبعوه وآزروه ونصروه، وفدوه بالنفس والأموال والأوقات، فكانوا خير صحبة لخير نبي. إنهم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا الجيل العظيم الذي رباه النبي وأحسن تربيته، فأصبحوا صدارة هذه البشرية بعد الأنبياء والرسل، لقد اجتمع فيهم من عوامل الخير مالم يتجمع في جيل قبلهم

 

 

 إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ من يهدهِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلاً الله الملك القهار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، -صلى الله عليه وسلم- وعلى وصحبه، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا.

أمًا بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ فإن تقوى الله جماع الخير كله.

عباد الله: اقتضت حكمة الله أن يرسل رسله للبشرية مبشرين ومنذرين، وينزل معهم الكتاب، وكل نبي يدعو قومه، ويختار منهم المؤمنين الصادقين أعواناً ووزراءَ وأصحاباً وحواريين، يحملون هم الدعوة معه، ويجاهدون وإياه، ويقومون بما تقتضيه مصلحة الدين.

فنوح -عليه السلام-؛ ركب في السفينة هو ومن آمن معه، وموسى -عليه السلام- كان معه الخلص من بني إسرائيل، وعيسى -عليه السلام- قال: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ) [آل عمران:52]

ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- اختار له صحابة أخيارًا صالحين، آمنوا به واتبعوه وآزروه ونصروه، وفدوه بالنفس والأموال والأوقات، فكانوا خير صحبة لخير نبي.

إنهم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا الجيل العظيم الذي رباه النبي وأحسن تربيته، فأصبحوا صدارة هذه البشرية بعد الأنبياء والرسل. لقد اجتمع فيهم من عوامل الخير مالم يتجمع في جيل قبلهم، ولن يتجمع في جيل بعدهم.

إقرؤا -إن شئتم- قول الله: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100] فصرح جل وعلا في هذه الآية بأنه قد رضي على المهاجرين والأنصار، وأنه أعد لهم الجنة.

وقوله -عز وجل-: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [الفتح 18: 19]

وهذه البيعة هي بيعة الرضوان، وكانت بالحديبية، وعدد المبايعين فيها من الصحابة ألف وخمسمائة، ومن -رضي الله عنه- لا يمكن موته على الكفر؛ لأن العبرة بالوفاة على الإسلام.

وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة" رواه مسلم في صحيحه. وقد جاءت آيات غيرها تثني على صحابة نبيه وتزكيهم وتترضى عنهم.

وأما الأحاديث في فضلهم فكثيرة ومتعددة: من ذلك: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".

وهذه الخيرية -أيها الأخوة- تجعل من جيل الصحابة مثلاً عاليًا للمسلمين في كل زمان ومكان، فهم يتطلعون إليهم، ويعتزون بهم، ويسترشدون بسيرهم، تلك السير المتنوعة في السلم والحرب، والعبادة والمجاهدة، والمعاملة والبذل، مما يكفل للمسلمين في مختلف العصور نماذج متنوعة صالحة للاقتداء.

وفي حديث آخر يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبوا أحداً من أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه" متفق عليه.

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبتْ النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون" رواه مسلم.

أجل -أيها المسلمون-: إن فضل الصحابة كبير وعظيم؛ لعظم منزلتهم وفضلهم وقدرهم؛ فهم من رأى رسول الله وصحبه، وأول من آمن به وصدقه، وأكثر الناس حباً له، ولكثرة الابتلاءات والمعارك التي خاضوها في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعده.

لقد خاض النبي -صلى الله عليه وسلم- خمساً وعشرين معركة في عشر سنين، وهو ما يعني أن كل عام كان فيه معركتان، هذا خلاف السرايا التي كان يرسلها -صلى الله عليه وسلم- والتي تزيد على مائة سرية.

فلك أن تتصور حجم التعب والألم الذي حصل لهم بسبب هذه المعارك، وحجم القتل الذي وقع فيهم، هذا بالإضافة إلى أنهم كانوا يقاتلون آباءهم وإخوانهم وعشيرتهم.

وتحملوا الشديد للعذاب في سبيل هذا الدين، وما قصة آل ياسر وبلالٍ وصهيبٍ وخبابٍ عنا ببعيد، وحبهم الشديد للجهاد في سبيل الله، والإنفاق بلا حدود في سبيل الله -عز وجل-.

فقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى عثمان -رضي الله عنه- يستعينه في جيش العسرة، فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار، فصبت بين يديه؛ فجعل النبي يقلبها بين يديه ويقول: "غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، ما يبالي عثمان ما عمل بعد هذا".

وبينما عائشة -رضي الله عنها- في بيتها إذ سمعت صوتاً في المدينة، قالت: "ما هذا؟ قالوا: عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل كل شيء، قال: "وكانت سبعمائة بعير، فارتجت المدينة من الصوت".

فقالت عائشة -رضي الله عنها-: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا"، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال: "لئن استطعت لأدخلنها قائماً، فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله".

وهناك من الصفات الشيء الكثير، تركناها خشية الإطالة، كالرحمة فيما بينهم، والعلم بالكتاب والسنة، والزهد في الدنيا، وكثرة العبادة، وسمو الأخلاق، والطاعة المطلقة لرسول الله.

أيها المؤمنون: الحديث والتذكير بصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو ما يستوجب في كل وقت وحين، وتكون الحاجة أكثر ما تكون: في زمن الحاجة للقدوات الفاضلة للشباب والناشئة وللرجال والكهول على حد سواء.

وتكون الحاجة لبيان فضلهم ومكانتهم واجبة أيضاً: رداً على الطوائف الضالة، وعلى رأسهم الرافضة الذين يتخذون من سب الصحابة -رضي الله عنهم-؛ بل يكفرون طائفة منهم ديناً لهم.

كم نسمع بين كل فينة وأخرى في وسيلة إعلام، من يشتم ويلعن أبا بكر الصديق أو عمر الفاروق أو عثمان بن عفان أو غيرهم -رضي الله عنهم أجمعين-، وانتقاص الأصحاب وذمهم هو ذم لمن اختارهم. وهل يختار أفضل البشر -صلى الله عليه وسلم- إلا أفضل الناس وأحسن وأخير الناس؟

إن سب الصحابة أو أحداً منهم أو انتقاصهم، هو منكر عظيم وكبيرة من كبائر الذنوب، وقدح في الدين، وتكذيب للقرآن الكريم وللرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-.

روى الترمذي عن عبد الله بن مغفل قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه".

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إن الله -عز وجل- نظر في قلوب العباد؛ فوجد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه".

وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله -عز وجل- لصحبة نبيه ونقل دينه".

وفي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنهما- قال: "قيل لعائشة -رضي الله عنها-: "إن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى أبا بكر وعمر! فقالت: "وما تعجبون من هذا؟! انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر".

وعن ابن عباس أنه قال: "لا تسبوا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فلمقام أحدهم ساعة -يعني مع النبي -صلى الله عليه وسلم- خير من عمل أحدكم أربعين سنة".

قال العلماء: "ولولم يرد شيء من الآيات والأحاديث في فضل الصحابة -رضي الله عنهم-؛ لأوجبت الحالة التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام وبذل المهج والأموال والصبر والورع واليقين".

قال الإمام الطحاوي -رحمه الله- مبيناً عقيدة أهل السنة والجماعة-: "ونحب أصحاب رسول الله، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان".

ألا فاتقوا الله -أيها المسلمون-: واعرفوا قدر نبيكم وأصحابه الكرام البررة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الفتح:29]

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلاً الله تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ -صلى الله عليه وسلم- وعلى صحبه، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا.

أما بعد: فاعلموا -أيها الأحبة- أنه يجب أن نحب الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحبهم وأمر بحبهم، وإذا كانت المحبة مشروعة بين المؤمنين عامة؛ فمع هذا الجيل الطيب الطاهر أوجب وأهم.

ويشرع الدعاء لهم والترضي عنهم،كما ترضى الله عنهم في آيات تتلى إلى يوم القيامة: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر:10]

كما يجب الإغضاء عما وقع فيه بعضهم من اجتهادات كان المقصد من ذلك نصرة الدين، وحماية الملة، وأخطاءهم يغمرها بحر حسناتهم.

وسيرهم العطرة هي درس للأمة. عليهم التأسي بها، ونشرها، وتعليمها للأبناء والأجيال،

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم.
 

 

 

 

المرفقات

الصحابة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات