اقتباس
وكيف لا يغضب الله -عز وجل- على من ترك دعاءه، والدعاء عبادة من أهم العبادات.. لكنك إذا توجهت إلى الله -تعالى- بالدعاء فينبغي أن تتأدب بآداب قلبية وحسية ليكون دعاؤك أقرب لأن يجاب، وأهم تلك...
قديمًا كانوا يتناقلون حكاية "المصباح السحري"؛ ذلك المصباح الذي إن امتلكته فأمسكته ودلكته بكفك وتمنيت أمنيتك تحققت لك كما هي في التو واللحظة مهما كانت كبيرة أو غريبة أو صعبة أو عسيرة!
ولقد زعموا أنه كان لنبي الله سليمان -عليه السلام- خاتم يلبسه في إصبعه، فلما مات وقع الخاتم في يد أحدهم فكلما نفخ فيه وتمنى أمنيته تحقق له ما أراد، وأخذ الناس يتقاتلون على هذا الخاتم الخطير ويسلبه بعضهم من بعض! حتى وقع في قاع جب عميق فلا يدري أحد مكانه! واصطلحوا على تسميته: بـ"خاتم سليمان"!
وحكوا ذات مرة أن جنيًا قد حُبِس في قارورة لمائة عام، وأن تلك القارورة أُلقيت في البحر، فألقاها البحر إلى الشاطئ، فالتقطها صبي ضعيف فقير وتملكه الفضول أن ينظر ما بداخلها، فما أن فتحها إلا وخرج منها دخان كثيف ثم تشكَّل ذلك الدخان جنيًّا، فحقق للصبي عدة أمنيات حتى صار ذلك الصبي ملكًا من أغنى الملوك وأشدها قوة وسطوة!
وما زال البشر يحلمون بقوة خارقة قادرة تحقق لهم أمانيهم وأحلامهم، قوة تستطيع فعل كل شيء ولا تعجز عن شيء... لكن كل ذلك كان أوهامًا وأكاذيب وأباطيل؛ فلا مصباح ولا خاتم ولا جنيًا في قارورة... فكلها أساطير!
***
ولكن ألا يوجد في عالم الحقيقة -لا الخيال- من له القوة الكاملة والقدرة المطلقة والإرادة الغالبة ليحقق لنا الأمنيات والحاجات؟ ألا يوجد من لا يعجزه شيء ومن يقدر على كل شيء؟..
ونجيب: بلي يوجد؛ إنه الله -عز وجل- الذي يقول للشيء: كن، فيكون: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[النحل: 40]، إنه الله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)[فاطر: 44]، إنه الله الذي يحي ميتًا، ويميت حيًا، ويشفي سقيمًا ويُمرِض صحيحًا، ويُغني فقيرًا ويُفقِر غنيًا، ويعز ذليلًا ويذل عزيزًا، وينصر مظلومًا ويخذل ظالمًا... إنه الله الذي يُنزل المطر ويسيِّر السحاب ويفجِّر الأنهار ويُقدِّر الأرزاق ويؤجل الآجال... فسبحانه سبحانه سبحانه.
وما يريد من البشر إلا أن يطلبوا منه ويتوجهوا إليه بالدعاء مطمئنًا إياهم: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة: 186]، بل ويغضب على العباد إذا لم يدعوه ويسألوه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنه من لم يسأل الله يغضب عليه"(رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، وفي لفظ للحاكم: "من لا يدعو الله يغضب عليه"، وصدق القائل:
لا تسألن بني آدم حاجة *** وسل الذي أبوابه لا تحجبُ
الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبني آدم حين يسأل يغضبُ
وكيف لا يغضب الله -عز وجل- على من ترك دعاءه، والدعاء عبادة من أهم العبادات؛ ألم يقل الله -تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غافر: 60]، يقول ابن كثير مفسرًا: "وقوله: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي) أي: عن دعائي وتوحيدي"، وهذا نبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الدعاء هو العبادة"(رواه أبو داود، وصححه الألباني).
***
لكنك إذا توجهت إلى الله -تعالى- بالدعاء فينبغي أن تتأدب بآداب قلبية وحسية ليكون دعاؤك أقرب لأن يجاب، وأهم تلك الآداب: الإخلاص لله -عز وجل-، فهو -سبحانه- الذي أمر قائلًا: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[غافر: 65].
ومن آداب الدعاء: أن توقن أن الله -عز وجل- على كل شيء قدير، وأنه يسمع -بلا شك- دعاءك ويرى مكانك ولا يخفى عليه حالك، وتوقن أنه إذا شاء أجابك، لذا يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه"(رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، لذا فلتعزم الدعاء ولتبالغ في الرجاء، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن: اللهم إن شئت فأعطني، فإنه لا مستكره له"(متفق عليه).
ومن آدابه: البدء بحمد الله ثم بالصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن فضالة بن عبيد قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلًا يدعو في صلاته لم يمجد الله -تعالى-، ولم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجل هذا"، ثم دعاه فقال له: -أو لغيره-: "إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتمجيد ربه -جل وعز-، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يدعو بعد بما شاء"(رواه أبو داود، وصححه الألباني).
ومن آداب الدعاء أيضًا: تخير أوقات الإجابة، والتوجه للقبلة، وتقديم عمل صالح، والإلحاح في الدعاء...
***
وليحذر الداعي أن يرتكب مانعًا من موانع الإجابة، ومنها: استعجال الإجابة، بمعنى أن يظن أن الله لن يجيب دعاءه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي"(متفق عليه).
ومنها: أكل الحرام: فقد "ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟"(رواه مسلم).
ومنها: الدعاء بأمور قد فُرغ منها: فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قالت أم حبيبة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: اللهم أمتعني بزوجي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية قال: فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئًا قبل حله، أو يؤخر شيئًا عن حله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر، كان خيرًا وأفضل"(رواه مسلم).
وها هنا قد جمعنا لآلئ من خطب الخطباء، كلها تحدثك عن أهمية الدعاء، وتزودك بنصائح ليكون دعاؤك أرجى للقبول، فإليك:
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم