الدعاء آدابه وأسباب استجابته

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/حاجة العبد إلى دعاء ربه 2/من آداب الدعاء 3/أوقات الإجابة 4/من مستجابي الدعاء 5/موانع إجابة الدعاء

اقتباس

إن للدعاء مستحبات -أمر بها القرآن والسنة- من أتى بها كان دعاؤه أقرب للإجابة، ومنها الوضوء: فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يرد السلام إلا على طهارة، ومنها: حمد الله والثناء عليه ثم الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:

 

إن الضعيف دائمًا وأبدًا ما يلجأ ويحتمي بالقوي، وإن الفقير المعوز دائمًا ما يلوذ بالغني الموسر، وإن الجاهل غالبًا ما يستعين بالعالم، وإن العاجز دائمًا ما يستقوي بالقادر، ولن تجد أبدًا أقوى ولا أغنى ولا أعلم ولا أقدر من الله -سبحانه وتعالى-، وأقصر طريق يستعين من خلاله العبد القليل بالله الكبير القدير هو الدعاء، فالعبد يدعو والكريم يجيب، وقد خاب وعجز من غفل عن دعاء ربه؛ فإنه -تعالى- القريب الكريم المجيب الذي لا يخيب من رجاه ولا يرد من دعاه ولا يخذل من قصده.

 

عباد الله: إن الله هو السميع القريب المجيب -سبحانه-، وإن للدعاء مستحبات -أمر بها القرآن والسنة- من أتى بها كان دعاؤه أقرب للإجابة، وهذه الآداب تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: آداب حسية، والقسم الثاني: آداب قلبية

 

أما الآداب الحسية فمنها: الوضوء؛ فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يرد السلام إلا على طهارة، ولقد سلَّم عليه رجل مرة، فلم يرد عليه السلام، فلما فرغ من وضوئه، قال: "إنه لم يمنعني من أن أرد عليك إلا أني كنت على غير وضوء"(ابن ماجه)، والدعاء أولى بهذا من رد السلام.

 

ومنها: التوجه إلى القبلة؛ فعن عبد الله بن زيد الأنصاري "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى المصلى يستسقي، وأنه لما أراد أن يدعو، استقبل القبلة"(متفق عليه).

 

ومنها: رفع اليدين؛ فعن سلمان الفارسي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين"(الترمذي).

 

ومنها: حمد الله والثناء عليه ثم الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن فضالة بن عبيد قال: سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا يدعو في صلاته فلم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "عجل هذا"، ثم قال: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم ليدع بعد بما شاء"(رواه الترمذي).

 

ومنها: تقديم عمل صالح؛ كما فعل الذين انطبقت عليهم صخرة في الكهف، فقد قدَّم كل واحد منهم قبل دعائه عملًا صالحًا.

 

ومنها: أن يبدأ بالدعاء لنفسه؛ فعن أبي بن كعب، قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر أحدًا فدعا له بدأ بنفسه"(رواه النسائي في الكبرى)، وهو ما فعله نبي الله موسى حين قال: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي)[الأعراف: 151].

 

ومنها: أن يعظم المسألة؛ فعن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تمنى أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه -عز وجل-"(المعجم الأوسط للطبراني)، وقد علمنا -صلى الله عليه وسلم- أن نسأل الله الفردوس الأعلى من الجنة فقال: "فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة"(البخاري)، فسل الله كل حاجاتك صغيرها وكبيرها.

 

ومنها: الاجتهاد والإلحاح في الدعاء وتكراره؛ فقد حكى ابن مسعود عن دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: "وكان إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا"(متفق عليه).

وعن عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاث مائة وتسعة عشر رجلًا، فاستقبل نبي الله -صلى الله عليه وسلم- القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض"، فما زال يهتف بربه، مادًا يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك"(مسلم).

 

ومنها: خفض الصوت بالدعاء؛ فعن أبي موسى قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس اربعوا على أنفسكم، إنكم ليس تدعون أصماً ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، وهو معكم"(متفق عليه).

 

ومنها: أن يعزم المسألة؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له"(متفق عليه).

 

وأما آداب الدعاء القلبية؛ فمنها:

الإخلاص لله -تعالى- الذي أمر قائلًا: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[غافر: 14].

 

ومنها: التذلل والخشوع، وهذا حال كل طالب لحاجة ولو من بشر، فما بالك برب البشر -سبحانه-! يقول مسلم بن يسار: "لو كنت بين ملك تطلب حاجة لسرك أن تخشع له"(مصنف ابن أبي شيبة)؛ فليكن حالك في دعائك كطائر مكسور الجناحين مبتل الريش مطأطئ الرأس خاشع الجنان... تلق الإجابة -إن شاء الله-.

 

ومنها: اليقين بالإجابة؛ فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة"(الترمذي)، فإن لم تكن أنت أهلًا لأن تجاب، فإن الله أهل لأن يجيب، يقول سفيان بن عيينة: "لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلمه من نفسه، فإن الله -تعالى- أجاب شر المخلوقين إبليس، إذ قال: (أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ)[الأعراف: 14-15].

 

أيها المسلم الموحد: وإذا أردت الدعاء فتحرى أوقات الإجابة، ومنها:

ساعة الإجابة يوم الجمعة، التي قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنها: "لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي، يسأل الله تعالى شيئًا، إلا أعطاه إياه"(متفق عليه).

 

ووقت السحر؛ فعن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "ينزل ربنا -تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له"(متفق عليه).

 

وعند الأذان والتقاء الصفوف في الحرب؛ فعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثنتان لا تردَّان، أو قلما تردَّان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضًا"(أبو داود)، وأثناء السجود: فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد، فأكثروا الدعاء"(رواه مسلم).

 

وجوف الليل ودبر الصلوات؛ لحديث أبي أمامة أنه قال: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات"(رواه النسائي في الكبرى).

 

وعند قراءة القرآن؛ فعن عمران بن حصين أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرءون القرآن يسألون به الناس"(رواه الترمذي).

 

وكذلك عند صياح الديك؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله؛ فإنها رأت ملكًا"(متفق عليه).

 

أيها المؤمنون: إن الله -تعالى- قد اختص أقوامًا بإجابة دعائهم لحال شريف تلبسوا به أو لضرورة تلجئهم إلى الإخلاص... ومن هؤلاء:

المظلوم؛ فعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"(متفق عليه).

 

ومنهم: المضطر، قال -تعالى-: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)[النمل: 62].

 

ومنهم: الوالد لولده والمسافر؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث دعوات يستجاب لهن، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده"(ابن ماجه).

 

ومنهم: الولد البار؛ ففي حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة، قال أحدهم: "اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت أخرج فأرعى، ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب، فآتي به أبوي فيشربان، ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي، فاحتبست ليلة، فجئت فإذا هما نائمان، قال: فكرهت أن أوقظهما، والصبية يتضاغون عند رجلي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما، حتى طلع الفجر، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا فرجة نرى منها السماء، قال: ففرج عنهم"(متفق عليه).

 

ومنهم: الصائم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث دعوات لا ترد، دعوة الوالد، ودعوة الصائم"(رواه البيهقي).

 

ومنهم: من يدعو بظهر الغيب؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من دعا لأخيه بظهر الغيب، قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل"(رواه مسلم).

 

جعلني الله وإياكم أهلا لإجابة الدعاء، وحقق الله لنا كل خير في الدنيا والآخرة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

 

أيها المسلمون: إذا علمنا أسباب الإجابة؛ فعلينا أيضًا أن نحذر موانع الإجابة، ومنها:

الدعاء بأمر قد فُرِغ منه أو بمستحيل: فأما المفروغ منه فكأعمار العباد؛ فقد سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- أم حبيبة وهي تدعو فتقول: "اللهم أمتعني بزوجي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال: "قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئًا قبل حلة، أو يؤخر شيئًا عن حلة"(رواه مسلم)، وأما المستحيل: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)[الأعراف: 55].

 

ومنها: الاعتداء في الدعاء؛ فعن عبد الله بن مغفل أنه سمع ابنه يقول: "اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني، سل الله الجنة، وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء"(رواه أبو داود).

 

ومنها: التحجر؛ أي التضييق، فلما قال الأعرابي: "اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا"، قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد حجرت واسعًا"(رواه البخاري)، فليدع المرء لنفسه ولوالديه وللمسلمين أجمعين.

 

ومنها: تعجل الإجابة؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي"(متفق عليه).

 

ومنها: الدعاء بشر أو قطيعة رحم؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم"(مسلم).

 

ومنها: الدعاء على النفس؛ فعن أم سلمة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون"(مسلم).

 

فاللهم ارزقنا أن ندعوك كما تحب وترضى، وجنبنا موانع الإجابة.

 

ألا صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى، فقد أمركم الله تعالى بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

 

المرفقات

الدعاء آدابه وأسباب استجابته

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات