عناصر الخطبة
1/فضائل الدعاء 2/ أهمية الدعاء 3/ أسباب إجابة الدعاء 4/موانع إجابة الدعاء 5/أفضل الدعاء أجمعه.اقتباس
فكم من إنسانٍ افتقر غاية الافتقار حتى كاد يهلك، أو ابتُلي فطال بلاؤه فأجاب الله دعاءه!، وكم من إنسان مرض حتى أيس من الحياة فدعا ربه فشفاه الله.. الدعاء سلاح المؤمن، يتقوّى به من ضعفٍ، ويغتني به من فقرٍ، ويُشفَى به من مرض، وهو عبادة لا تُصرَف إلا لله وحده..
الخطبة الأولى:
الدعاء سلاح المؤمن، يتقوّى به من ضعفٍ، ويغتني به من فقرٍ، ويُشفَى به من مرض، وهو عبادة لا تُصرَف إلا لله وحده، قال -سبحانه-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غَافر: 60]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء هو العبادة"(رواه أبو داود).
ومن أهمية الدعاء أن الرجل إذا أسلم، علّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة، ثم أمره أن يدعوَ بهذه الكلمات: "اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني"(رواه مسلم).
وورد في أهمية الدعاء قولُ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَرُد القدَر إلا الدعاء"(رواه ابن ماجه)، فيدفع الله بالدعاء ما قد قضاه على العبد.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل"، فكم من إنسانٍ افتقر غاية الافتقار حتى كاد يهلك، أو ابتُلي فطال بلاؤه فأجاب الله دعاءه!، وكم من إنسان مرض حتى أيس من الحياة فدعا ربه فشفاه الله، قال -تعالى- عن نبيه أيوب -عليه السلام-: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[الأنبيَاء: 83]، فذكَر حاله؛ طمعًا أن يكشف الله عنه ضره، قال الله: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ)[الأنبيَاء: 84].
وقد جاءت السنة المطهرة مبينةً أسباب إجابة الدعاء منها:
أولاً: الإلحاح في الدعاء، لأنه يدل على صدق الداعي، وشدةِ رغبته في تحقيق دعائه، وفي غزوة بدر قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "فما زال النبي -صلى الله عليه وسلم- يهتف بربه، مادًَّا يديه، مستقبَل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه"(رواه مسلم).
ثانيًا: العزم في الدعاء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دَعا أحَدُكُمْ فلا يَقُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إنْ شِئْتَ، ولَكِنْ لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ ولْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فإنَّ اللَّهَ لا يَتَعاظَمُهُ شيءٌ أعْطاهُ"(رواه مسلم).
ثالثًا: اليقين بإجابة الدعاء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة"(رواه الترمذي).
وقد كان عمر -رضي الله عنه- يقول: "أنا لا أحمل هَمَّ الإجابة، إنما أحمل هَمَّ الدعاء، فإذا أُلهمتُ الدعاءَ كانت الإجابة معه".
رابعًا: عدم الاستعجال في إجابة الدعاء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوتُ فلم يُستجب لي، فيدع الدعاء"(متفق عليه).
خامسًا: اجتهاد المصلي في الدعاء حال السجود، وقبل السلام، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء"(رواه مسلم).
وعنده أيضًا: "وأما الركوع فعَظِّموا فيه الربّ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم"، وأما قبل السلام فقيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوفَ الليل الآخر، ودبرَ الصلوات المكتوبات"(رواه الترمذي).
سادسًا: عدم الاعتداء في الدعاء، قال -سبحانه-: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً)[الأعرَاف: 55]، فلا يدعو برفع صوته، أو يتنطع في الألفاظ.
سابعًا: عدم الدعاء بإثم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يدعو دعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث"(رواه مسلم).
ثامنًا: بِرُّ الوالدين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "يأتي عليكم أُويس بن عامر مع أَمدادِ أهل اليمن من مُراد، ثم من قَرَن، كان به برص فبَرأ منه إلا موضعَ درهم، له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لأبَرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل"(رواه مسلم).
تاسعًا: التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة في الدعاء: كما في قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة "فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله، فادعوا الله -تعالى- بها لعل الله يفرجها عنكم"(رواه مسلم)، فاستجاب الله لهم ونجاهم من كربتهم.
ومن أسباب إجابة الدعاء أيضًا: دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم، ودعوة الصائم، ودعوة الوالد، وتحري الأوقاتَ الفاضلة -كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وآخر ساعة بعد العصر من يوم الجمعة-.
والحرصُ على الدعاء في الأماكن الفاضلة، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "كعرفةَ، ومزدلفةَ، ومنى، والملتزَم، والدعاءِ بالمساجد مطلقًا، وكلما فَضُل المسجد -كالمساجد الثلاثة- كانت الصلاة والدعاء أفضل".
وكذلك: الانكسار بين يدي الله، فالقلب إذا صادف خشوعًا وانكسارًا بين يدي الرب، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنَّى بالصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وقَدَّم بين يدي دعائه صدقة.
ودعا باسم الله الأعظم وهو كما ورد في الحديث: "اللهم إني أسالك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد"(رواه الحاكم وأصحاب السنن)، قال ابن القيم -رحمه الله-: "فإن هذا الدعاء لا يكاد يُرَدّ أبدًا".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الدعاء يُجاب، والقول يُسمع؛ لكن على المسلم أن يتحلى بالأسباب ويبتعد عن الموانع، ومن هذه الموانع:
أولها: ضعف القلب، وعدم إقباله على الله.
ثانيها: أكل الحرام -من أكل الربا، وأكل مال اليتيم، أو أكل أموال الناس بالباطل-؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ذكر الرجل يُطيل السفر، أشعث أغبر، يَمُدُّ يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومَطْعَمُه حرام، ومشربه حرام، وغُذِي بالحرام، فأَنّى يُسْتجَاب له"(رواه مسلم).
ثالثها: قد يكون ما دعا به دعاءً لا يحبّه الله، لما فيه من العدوان.
وإذا تحلى المسلم بآداب الدعاء، وابتعد عن الموانع، ولم يُستجب له، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يدعو -ليس بإثم، ولا بقطيعة رحم- إلا أعطاه إحدى ثلاث: إما أن يُعجّل له دعوته، وإما أن يدّخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها"، قلنا: إذًا نكثر؟، قال: "الله أكثر"(رواه البخاري في الأدب المفرد).
والله -سبحانه وتعالى- قد لا يجيب العبد من أول دعوة، أو ثانيها، أو ثالثها، حتى يعرفَ العبدُ شدةَ افتقاره إلى الله، فيزدادَ دعاء، والله أحكم الحاكمين؛ حكمته بالغة، لا نستطيع أن نصل إلى معرفتها، ولكن علينا أن نفعل ما أُمرنا به من كثرة الدعاء.
وأفضل الدعاء أجمعه، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو بدعوات منها:
قال أنس -رضي الله عنه- كان أكثرُ دعوة يدعو بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار"، وكان أنس -رضي الله عنه- إذا أراد أن يدعوَ بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه"(رواه مسلم).
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: "اللهم يا مقلّب القلوب، ثبّت قلوبنا على دينك"(رواه الحاكم)، وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم اغفر لي ما قدمتُ وما أخرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، وما أنت أعلم به مني، إنك أنت المقدم والمؤخر، لا إله إلا أنت"(متفق عليه).
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو: "اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف والغنى"(رواه مسلم).
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله بقوله: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّلِ عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك"(رواه مسلم).
وقالت عائشة -رضي الله عنها- "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو بهؤلاء الكلمات: "اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، وعذاب النار، ومن شر الغنى والفقر"(رواه أبو داود، والترمذي).
وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، وشر ما لم أعمل"(رواه مسلم).
وعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والبخل، والهرم، وعذاب القبر، اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكّها أنت خير مَن زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها"(رواه مسلم).
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون"(رواه مسلم).
ولأهمية الدعاء وصّى النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته به، قال أبو بكر الصديقُ -رضي الله عنه-: قلت يا رسول الله: علمني دعاء أدعو به في صلاتي. قال: "قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم"(متفق عليه).
وقال العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-: يا رسول الله! علمني شيئا أسأله الله -عز وجل- قال: "سل الله العافية"، فمكثتُ أيامًا، ثم جئت، فقلت: يا رسول الله! علمني شيئًا أسأله الله، فقال لي: "يا عباسُ -يا عمَّ رسول الله- سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة"(رواه الترمذي).
وقال علي -رضي الله عنه-: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قل: اللهم اهدني، وسددني، واذكر بالهدى هدايتك الطريق، والسداد سداد السهم"(رواه مسلم).
وأتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رجلٌ فقال: يا رسول الله ! كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: قل: "اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني -وجمع أصابعه الأربع إلا الإبهام-؛ فإن هؤلاء يجمعن لك دينك ودنياك"(رواه مسلم).
وعن سعدِ بنِ أبي وقاصٍ -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعلّمنا هؤلاء الكلمات، كما تُعلَّم الكِتَابة، اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن نرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وعذاب القبر"(رواه البخاري).
وفّقنا الله لطاعته، وجنبنا معاصيَه.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه؛ فصلوا عليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم