اقتباس
يوافق يوم الجمعة ما تُعورف على تسميته بـ"عيد الأم"، هذا اليوم الذي غزا مجتمعاتنا الإسلامية بعدما غزا العالمَ الغربيَّ كله إثر ضياع حقوق الأمهات، وانتشار حالات العقوق والإهمال التي لحقت بأبناء المجتمع الغربي، ذلك المجتمع الذي لم يعد يعرف للأم حقًّا ولا فضلاً، ولا يبذل لأجل إرضائها غاليًا ولا رخيصًا، بل...
يوافق يوم الجمعة المقبل ما تُعورف على تسميته بـ"عيد الأم"، هذا اليوم الذي غزا مجتمعاتنا الإسلامية بعدما غزا العالمَ الغربيَّ كله إثر ضياع حقوق الأمهات، وانتشار حالات العقوق والإهمال التي لحقت بأبناء المجتمع الغربي، ذلك المجتمع الذي لم يعد يعرف للأم حقًّا ولا فضلاً، ولا يبذل لأجل إرضائها غاليًا ولا رخيصًا، بل تصدرت أنباء العقوق صفحات صحافته، وأصبحت قصص الإساءة وإهمال الأمهات أكثر من أن تستوعبها الكتب والمؤلفات.
وكعادة المجتمعات الإسلامية في عقودها الأخيرة، فقد دخلت وراء الغرب في جحر الضب، وقلدته في الاحتفال بذلك العيد المبتدع، الذي كانت سلبياته أضعاف أضعاف ما كان يرتجى منه من إيجابيات، فازداد العقوق، وانتشر إهمال الأبناء للأمهات، وعجّت دور المسنين بالعجائز وكبيرات السن، ينهش في قلوبهن الإهمال، ويصوب لهن العقوق سهامه المسمومة.
وهذا العيد بدأ وللأسف يغزو مجتمعاتنا، وتعلقت به نفوس بعض ضعاف الإيمان من أبنائنا، انشغلوا به، وتهيؤوا له، واتخذ بعضهم مناسبته -في بعض البلدان- عطلةً وعيدًا؛ وما ذلك إلا بسبب الانبهار والإعجاب بحضارة الغرب المادية الزائفة، والانخداع ببريقها المخدر، وبسبب الغزو الفكري والثقافي والترويج الإعلامي المسموع والمرئي والمقروء الذي يحرض على هذه الضلالات، ويلفت إليها أنظارَ الناس وأسماعَهم، ويحرك قلوبهم لها. لقد كان رسولكم -صلى الله عليه وسلم- يحرصُ كلَّ الحرصِ على أن تخالف أمتُه اليهود والنصارى في كلِ شيء، حتى قال عنه اليهودُ أنفسهم كما يرويه أنسٌ -رضي الله عنه- عند مسلمٍ: "ما يريدُ هذا الرجلُ أن يدعَ من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه".
وإذا كان اليهود والنصارى يتجاهلون أعيادنا ولا يحتفلون بها، بل يستهزئون ويسخرون منا، فما بالُ البعضِ يحتفل بمناسباتهم ويحييها على سنتهم ابتغاءً وطلبًا لرضاهم؟! وتناسى أولئكَ قوله سبحانه: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120].
لقد أكثر أهل العلم في نقل التحذير من أعياد الكفار والمشاركة فيها، جاء عن مجاهد وغيره من السلف في قوله سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)[الفرقان: 72]. قال رحمه الله: "الزور هي أعياد المشركين".
وقد صرّح الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة باتفاق أهلِ العلمِ على عدم جوازِ حضور المسلمين أعيادَ المشركين، وجاءَ عن عمرَ -رضي الله عنه- أنه قال: "لا تدخلوا على المشركين في كنائسِهم يومَ عيدهمِ؛ فإن السخطة تنزل عليهم".
وإذا كان هذا الاحتفال -عيد الأم- يناسب الأوروبيين الذين لا يعرفون أمهاتهم إلا في هذا اليوم من السنة، فما لَنا ولهم، ونحن نتقرب إلى الله بصلة الرحم، وبر الوالدين عموماً، وببر الوالدة على وجه الخصوص، وفي كل وقت. قال الله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 23-24]. فقد أمر الله -عز وجل- بعبادته وتوحيده وجعل بر الوالدين مقروناً بذلك، كما قرن شكرهما بشكره، فقال عز وجل: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)[لقمان: 14]. وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: "الصلاة على وقتها" قلت: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين" قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله".
وفي مختاراتنا لهذا الأسبوع انتقينا لخطبائنا الكرام مجموعة من الخطب المختارة حول الأم وفضلها ومنزلتها عند الله تعالى ومنزلتها التي ينبغي على أبنائها أن ينزلوها إياها، معرجين على ما يسمى بعيد الأم، وكيف نشأ في المجتمعات الغربية، ولماذا غزا العالم الإسلامي بهذه الصورة المَرَضية، وبدعية الاحتفال به، والأدلة على ذلك من أقوال أهل العلم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم