عناصر الخطبة
1/ سبب فضل أويس القرني 2/ فضل الأم ومعاناتها 3/ الأمر ببر الأم 4/ صور من بر السلف الصالح بأمهاتهم 5/ إحسان الأم لا يكافأ 6/ من قصص العقوق في العصر الحاضر 7/ حق الأم على ولدهااقتباس
البرّ بالأم علامةُ كمالِ الإيمان وحُسْنِ الإسْلام؛ لأنها صاحبةُ القلب الرحيم والصدر الحنون، التي سرت الرحمةُ في جسدها كسريان الدم بالعروق، ونفْسُها الطيبة وَسِعَتْ ما لم تسعه ملايينُ النفوس. تُحِبُّ وإنْ لم تُحَبّ، وتصفح وتسامح من يَجْهَلُ عليها، تَحْزَنُ ليفرح غيرُها، وتشقى ليرتاح غيرها، تقدِّم وتضحي، وتُعطي ولا تطلب.
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، فإنَّ تقوى الله هي العروةُ الوثقى والسعادة الكبرى والنجاةُ العظمى في الآخرة والأولى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70، 71].
عباد الله: وصف لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً بأدق وصف؛ بل ذكر علامةً تميزه عن غيره، وقبيلته التي يُنْسَبُ إليها، وأخبر عن علو منزلته عند الله وعند ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، حتى إنه -صلى الله عليه وسلم- أمر البررةَ الأخيار من آله وصحابته بالتماس دعوته وابتغاء القربى إلى الله بها؛ لأنه إذا أقسم على الله أبره.
وأما عملُ هذا الرجل وآيَتُه العظيمةُ التي أهّلته لهذه المنزلة ما حدث به رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه بقوله: "يأتي عليكُم أُوَيْسُ بْنُ عامِرٍ معَ أمْدادِ أهلِ اليمن مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كان به بَرَصٌ فَبَرِئ مِنْهُ إلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، له والدةٌ هو بها بارٌ، لو أقسم على الله لأبَرَّهُ، فإِنِ اسْتَطَعْتَ -أي: يا عمر- أنْ يَسْتَغْفِرَ لك فافْعَلْ". رواه مسلم. فكان عمر إذا أتى عليه أمدادُ أهلِ اليمن يسألهم عنه: أفيكم أويس بن عامر؟! حتى أتى على أويس بن عامر فقال: أنت أويس بن عامر؟! قال: نعم، قال: مِن مُرَادٍ ثُمَّ من قَرَنٍ؟! قال: نعم، قال: فكان بك برصٌ فَبَرئتَ مِنْهُ إلا موضِعَ دِرْهَمٍ؟! قال: نعم، قال: لك والدة؟! قال: نعم، قال: سمعت رسول الله يقول... وذكر الحديثَ السابقَ، وطلب منه أن يستغفر لهُ، فاسْتَغْفَرَ لَهُ.
إنه أويس بن عامر القَرَنِي الذي منعه بِرُّه بأمِّه قدومَهُ على النبي ليراه ويسمعَ منه.
عباد الله: البرّ بالأم علامةُ كمالِ الإيمان وحُسْنِ الإسْلام؛ لأنها صاحبةُ القلب الرحيم والصدر الحنون، التي سرت الرحمةُ في جسدها كسريان الدم بالعروق، ونفْسُها الطيبة وَسِعَتْ ما لم تسعه ملايينُ النفوس. تُحِبُّ وإنْ لم تُحَبّ، وتصفح وتسامح من يَجْهَلُ عليها، تَحْزَنُ ليفرح غيرُها، وتشقى ليرتاح غيرها، تقدِّم وتضحي، وتُعطي ولا تطلب.
جاء رجلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟! قال: "أمك"، قال: ثم من؟! قال: "أمك"، قال: ثم من؟! قال: "أمك"، قال: ثم من؟! قال: "أبوك". متفق عليه من حديث أبي هريرة.
أُمُّكَ -يا عبد الله- التي حملتك في بطنها تسعةَ أشهر وهنًا على وهن، حملتك كُرهًا ووضعتك كرهًا، تزيدها بنموّك ضعفًا، وتحملها فوق طاقتها عناءً، وهي ضعيفة الجسم واهنة القوى. وعند الوضع رأت الموتَ بعينيها، زفرات وأنين، غصص وآلام، ولكنها تتصبّر وَتتصبّر، وعندما أبصرتك بجانبها وضمّتك إلى صدرها واستنشقت ريحَك نسيت آلامَها وتناست أوجاعها، رأتك فعلّقت فيك آمالها، ورأت فيك تحقيق أحلامها، ولسانُ حالِها يقول:
يا حبذا ريحُ الولد *** ريح الخزامى في البلد
أهكذا كل ولـد *** أم لم يلد مثلـي أحد
ولا ينتهي العناء والتعب عند ولادتك، بل حتى بعد الولادة؛ حيث تنشغِلُ في خدمتك ليلها ونهارها، تغذيك بصحتها، وتقوّيك بضعفها، طعامك درّها، وبيتك حجرها، ومركبك يداها، تحيطك وترعاك، وتجوع لتشبع، وتسهر لتنام، تخاف عليك رقّةَ النسيم وطنين الذباب، وتؤثرك على نفسها بالغذاء والراحَة.
على الأكتـاف تحمل والأيـادي *** وحبك في الضلوع وفي الفؤاد
فـأي بشـائـر حلـت علينـا *** كما حل الربيع على البوادي
لـك البسمـات سـاحرة تغنِّي *** وتنسيـنِي مرارات البعـاد
فنم ولـدي بِمهـدك فِي هنـاء *** وداعب طيف أحلام الرقـاد
وإن حـل الظـلام بِجـانحيـه *** وأرخى ظلـه فِي كـل واد
ونـام الـخلق في أمـنٍ جميعـًا *** فقلبي سـاهر عنـد المهـاد
ويا ليتَ العناء ينتهي عند هذا، بل يستمرّ ويستمر عند بدايتِك بالمشي، فتُحِيطك بعنايتها، وتُتَابِعُك نظراتُها، وتسعى وراءك خوفًا عليك، حتَّى إذا أخذت منك السنين أخذ منها الشوق والحنين، فصورتك أبهى عندها من البدر إذا استتمّ، وصوتك أنْدى على مسمعها من صوت البلابل وتغريد الأطيار، وريحُك أروع عندها من الأطياب والأزهار، وسعادتك أغلى من الدنيا لو سيقت إليها بحذافيرها، وحياتُك عندها أغلى من نفسها التي بين جنبيها، فتؤثر الموت لتعيش أنت سالمًا معافى.
روى أحمد والنسائي وابن ماجه عن معاوية بنِ جاهمة السّلَمِي -رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال: "وَيْحَكَ، أحَيَّةٌ أُمُّكَ؟!"، قلت: نعم، قال: "ارْجِعْ فَبرَّهَا"، ثم أتيته من الجانب الآخر فقلت: يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال: "ويحك، أحية أمك؟!"، قلت: نعم يا رسول الله، قال: "فارجع إليها فَبَرَّهَا"، ثم أتيته من أمامه، فقلت: يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه اللهَ والدار الآخرة، قال: "ويحك، أحية أمك؟!"، قلت: نعم يا رسول الله، قال: "ويحك، الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ".
إنها الجنة وربّ الكعبة، "الزم رجلها فثمّ الجنة". والحديث صححه الألباني -رحمه الله-.
ولما علم سلفنا الصالح بعظم حق الوالدين قاموا به حق قيام، فهذا محمد بن سيرين إذا كلّم أمه كأنه يتضرّع. وقال ابن عوف: دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه، فقال: ما شأن محمد؟! أيشتكي شيئًا؟! قالوا: لا، ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه.
وهذا أبو الحسن علي بن الحسين زين العابدين -رضي الله عنهم- كان من سادات التابعين، وكان كثير البر بأمه حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، فقال: "أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها".
وهذا ابن مسعود -رضي الله عنه- طلبت أمه أن يسقيها ماءً في بعض الليالي، فجاءها بالماء فوجدها قد ذهب بها النوم، فثبت عند رأسها حتى أصبح.
وهذا حَيوَةُ بنُ شريح -وهو أحد أئمة المسلمين- يقعد في حلقته يعلّم الناس ويأتيه الطلاب من كل مكان ليسمعوا عنه، فتقول له أمه وهو بين طلابه: قم -يا حَيوَةَ- فأطعمِ الدجاج، فيقوم ويترك التعليم.
ويقول محمد بن سيرين: بلغت النخلة على عهد عثمان -رضي الله عنه- ألف درهم، فعمد أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- إلى نخلة فاشتراها، فنقرها وأخرج جمّارها، فأطعمها أمّه، فقالوا له: ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلةَ قد بلغت ألف درهم؟! قال: "إن أمي سألتني، ولا تسألني شيئًا أقدر عليه إلا أعطيتها".
وعبد الله بن عون نادته أمه فعلا صوته صوتها، فأعتق رقبتين.
وكان طلق بن حبيب لا يمشي فوق ظهر بيت وأمّه تحته إجلالاً لها وتوقيرًا.
وبكى إياس بن معاوية حين ماتت أمّه بكاءً شديدًا، فقيل له في ذلك فقال: "كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة فأغلق أحدهما، وحُقّ لعين بُكاها".
فأين هذا النماذج -عباد الله- من شابّ عاق أودع أمّه دار العجزة ولم يزرها حتى تردّت حالتها، فطلبت من مسؤول الدار أن يتّصل بوَلدها لتراه وتقبِّله قبل موتها، فسبقتها دموعها قبل أن تسمع جواب ولدها بالرّفض والاعتذار بضيق الوقت وكثرة الأعمال والأشغال، فلما توفّيت الأم اتصلوا بذلك الابن لإخباره فقال: أكملوا إجراءاتكم الرسمية وادفنوها في قبرها. نعوذ بالله من الحرمان ومن سخط الملك الديان.
قال أبو موسى الأشعري: شهد ابن عمر –رضي الله عنه- رجلاً يطوف بالبيت قد حمل أمه وراء ظهره يقول:
إنِّي لَهـا بعيـرها المذلَّل *** إن أذعرت ركابها لم أذعر
فقال: يا ابن عمر: أتراني جزيتها؟! قال: "لا، ولا بزفرة واحدة من زفراتِها؛ ولكنك أحسنتَ، والله يثيبك على الإحسان".
وجاء رجلٌ إلى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- فقال: يا أمير المؤمنين: إن لي أمًا بلغت الكبر ولا تقضي حاجتها إلا وظهري مطيّة لها، وأنا أقوم بتوضئتها وأصرف وجهي عنها، فهل أديت حقها وشكرها؟! فبكى عمر ثم قال: "إنها صنعت بك ذلك وهي ترجو بقاءَك، وأنت تفعله متمنّيًا فراقها بعد حين".
عباد الله: شابّ تخلّص من أمّه المعاقة برميها عند باب أحد المستشفيات، وآخرُ أودعها دارَ العجزة بحجة ترميم شقته، وآخر يُسمِعُها كلماتِ السبّ والشتائم إذا تكلمت في زوجته وعصت أمرها.
وذكر أحد بائعي الجواهر قصة غريبة وصورة من صور العقوق، يقول: دخل عليّ رجل ومعه زوجته ومعهم عجوز تحمل ابنهم الصغير، أخذ الزوج يضاحك زوجته ويعرض عليها أفخر أنواع المجوهرات تشتري ما تشتهي، فلما راق لها نوع من المجوهرات دفع الزوج المبلغ، فقال له البائع: بقي ثمانون ريالاً، وكانت الأم الرحيمة التي تحمل طفلهما قد رأت خاتمًا فأعجبها لكي تلبسه في هذا العيد، فقال: ولماذا ثمانون ريالاً؟! قال: هذه المرأة قد أخذَت خاتمًا، فصرخ بأعلى صوته وقال: العجوز لا تحتاج إلى الذهب. فألقت الأم الخاتم وانطلَقت إلى السيارة تبكي من عقوقِ ولدها، فعاتبته الزوجة قائلة: لماذا أغضبت أمك؟! فمن يحمِل ولدنا بعد اليوم؟! ذهب الابن إلى أمه وعرض عليها الخاتم فقالت: والله لا ألبس الذهب حتى أموت.
فـآهًا لـذي عقل ويتّبـع الهوى *** وآهًا لأعمى القلب وهو بصير
فدونك فارغب في عميـم دعائها *** فأنت لما تدعـو إليـه فقـير
نعم -عباد الله-، يدخل الزوج وهو يعيش مع أمه أو هي تعيش عنده، يدخل البيت عبوسَ الوجه مُكْفَهِرّ الجبين، فإذا دخل غرفة نومه سمعت الأمّ الضحكات تتعالى من وراء باب الحجرة، وربما دخل ومعه هديّة لزوجته، فيعطي زوجته ويدَع أمه.
فلا تطـع زوجةً فِي قطـع والدة *** عليك يا ابن أخي قد أفنت العمرَ
فكيف تنكر أمًّا ثقلَك احتملـت *** وقد تَمرغت فِي أحشائهـا عسرًا
وعالَجت بك أوجاع النفاس وكم *** سُرَّتْ لَمّا ولدت مولودها ذكـرًا
وأرضعتـك إلى الحولين مُكْمَلَـةً *** في حجرها تستقي من ثديها الدررَ
ومنـك ينجسها ما أنـت راضعه *** منهـا ولا تشتكي نتنـًا ولا قذرًا
و(قل هو الله) بالآلاف تقرؤهــا *** خوفًا عليك وترخي دونك السُتُرَ
وعـاملتك بإحسـان وتربية حتى *** استويت وحتى صرت كيف ترى
فلا تفضّـل عليهـا زوجة أبـدًا *** ولا تدع قلبها بالقهر منكسـرًا
وهذه قصة حصلت في إحدى دول الخليج، وقد تناقلتها الأخبار، قال راوي القصة: خرجت لنزهةٍ مع أهلي على شاطئ البحر، ومنذ أن جئنا هناك وامرأة عجوز جالسة على بساط صغير كأنها تنتظر أحدًا، قال: فمكثنا طويلاً حتى إذا أردنا الرجوع إلى دارنا وفي ساعة متأخِّرة من الليل سألتُ العجوز فقلت لها: ما أجلسك هنا يا خالَة؟! فقالت: إنَّ ولدي تركني هنا وسوف ينهي عملاً له وسوف يأتي، فقلت لها: لكن -يا خالة- الساعة متأخِّرة، ولن يأتي ولدك بعد هذه الساعة، قالت: دعني وشأني، وسأنتظر ولدي إلى أن يأتي، وبينما هي ترفض الذهاب إذا بها تحرّك ورقة في يدها، قال: فقلت لها: يا خالَة: هل تسمحين لي بهذه الورقَة؟! يقول في نفسه: علِّي أجد رقم الهاتف أو عنوان المنزل، اسمعوا -يا إخوان- ما وجد فيها! وجد فيها ما تدمع لأجله العيون وتتفطّر لهوله القلوب، عبارة يا لها من عبارة!! كُتِبت بأنامل ابنها العاق: "إلى مَن يعثر على هذه العجوز، نرجو تسليمَها لدار العجزة عاجلاً".
نعم -أيها الإخوة-، هكذا فليكن العقوق، الأم التي سهرت وتعِبت وتألَّمت وأرضعت هذا جزاؤها!! مَن يعثر على هذه العجوز فليسلّمها إلى دار العجزة عاجلاً. هذا جزاء الأم التي تحمل في جنباتها قلبًا يشع بالرحمة والشفقة على أبنائها، وقد صدق الشاعر حين وصف حنان قلب الأم بمقطوعة شعرية فقال:
أغرى امرؤ يومًـا غلامًـا جاهلاً *** بنقوده كيمـا يَحيـق به الضرر
قـال ائتني بفؤاد أمـك يـا فتى *** ولـك الجواهر والدراهم والدرر
فأتـى فأغرز خنجـرًا في قلبهـا *** والقلب أخرجـه وعاد على الأثر
ولـكنه من فرط سرعتـه هوَى *** فتدحرج القلـب المعفّـر بالأثـر
نـاداه قلب الأم وهـو معفّـر: *** ولدي حبيبي هل أصابك من ضرَر
إني أدعوكم جميعًا -أيها الإخوان- أن لا تخرجوا من هذا المسجد المبارك إلا وقد عاهدتم الله أنه من كان بينه وبين والديه خِصام أو خلاف أن يصلحَ ما بينه وبينهم، ومن كان مقصّرًا في بر والديه فعاهدوا الله من هذا المكان أن تبذلوا وسعكم في برّ والديكم، ومن كان برًا بهما فليحافظ على ذلك، وإذا كانا ميِّتَين فيتصدّق لهما ويبرهما بدعوة صالحة أو عمل صالح يهدي ثوابه لهما.
وأما أنت -أيها العاق- فاعلم أنك مجزيّ بعملك في الدنيا والآخرة، يقول العلماء: كل معصية تؤخَّر عقوبتها بمشيئة الله إلى يوم القيامة إلا العقوق؛ فإنه يعجل له في الدنيا، وكما تدين تدان.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعْدُ:
أخي الحبيبُ: إن حق الأم عليك عظيم، وشأنها كبير، فمن حقوقها أن لا تدعوَها باسمها، بل نادِها بما تحبّ من اسمٍ أو كنية، ولا تجلس قبلها، ولا تمش أمامها.
قابلها بوجه طَلْقٍ، وقبّل رأسها، والثم يدها، وإذا نصحتها فبالمعروف من دون إساءة، وأجِب دعوتها إذا دعتك من دون ضجَر أو كراهية، تكلّم معها باللين، أطعمها واكسُها وأهدها قبل أن تسأل شيئًا، تحسَّس ما تحبّ فاجلبه لها، كن خادمًا مطيعًا لها، أطعها في غير معصية، لا تسبقها بأكل أو شرب، الهج بالدعاء لها آناء الليل وأطرافَ النهار، وغضَّ الطرفَ عن أخطائها وزلاتها، وقِّرها واحترمها، ولا تتكبّر عليها، فقد كنت في أحشائها وبين يديها.
أدخل السرور عليها، وصاحبها بالمعروف، واطلب السماح والصفحَ والدعاءَ منها فإنها جنتك.
هذا؛ وصلوا وسلموا على من أمركم ربُّكم بالصلاة والسلام عليه؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك وأنعم على عبدك ونبيك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة...
اللهمّ أعنا على برّ والدينا، اللهم وفق الأحياء منهما وعمِّر قلوبهما بطاعتك، ولسانهما بذكرك، واجعلهم راضين عنا، اللهم من أفضى منهم إلى ما قدم فنور قبره، واغفر خطأه ومعصيته، اللهم اجزهما عنا خيرًا، واجمعنا بهم في دار كرامتك يا رب العالمين...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم