مختارة عيد الأضحى المبارك لعام 1443هـ

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

اقتباس

وقد آن للمسلمين أن يتذكروا جذورهم الممتدة عبر التاريخ، فإن عيد الأضحى عيد الذكرى؛ نتذكر تلك الأسرة المباركة التي أخذنا عنها بعض شعائر ديننا وملتنا... ونتذكر الطاعة المطلقة لله -تعالى- بلا قيد ولا شرط؛ طاعة إبراهيم -عليه السلام- في ذبح ولده فلذة كبده...

قد آن للمحزون أن يفرح، وللمهموم أن يتسلى؛ فقد جاء موسم السعادة؛ قد جاء عيد الأضحى المبارك، فأعياد المسلمين بهجة وفرحة وسرر وحبور ومرح، فعن عائشة، قالت: دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا"(متفق عليه).

 

وفي لفظ للبخاري أنها قالت: "وكان يوم عيد، يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإما قال: "تشتهين تنظرين؟"، فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: "دونكم يا بني أرفدة" حتى إذا مللت، قال: "حسبك؟"، قلت: نعم، قال: "فاذهبي".

 

فهي أيام سعة وتوسعة، ليس فقط في اللهو البريء واللهو المباح، بل أيضًا توسعة في الطعام والشراب، فعن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيام التشريق أيام أكل وشرب"، وزاد في رواية: "وذكر لله"(رواه مسلم)، فليست بأيام صيام.

 

***

 

وقد آن للمتخاصمين والمتهاجرين أن يتصافوا ويتسامحوا؛ فإن العيد فرصة للتصالح والتصافي، ومن لم يتصالح مع إخوانه في هذا اليوم فمتى يصالحهم؟! ويا سعد من بدأ بالصلح، فعن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟"، قالوا: بلى، يا رسول الله قال: "إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة"(رواه أبو داود)، وزاد الترمذي: "لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين".

 

فإن كان الصلح بين المسلمين واجبًا فإنه في العيد أوجب، وليكن أمامنا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان: فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"(متفق عليه)، وكذا حديث: "من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه"(رواه أبو داود).

 

***

 

وقد آن للمسلمين أن يتذكروا جذورهم الممتدة عبر التاريخ، فإن عيد الأضحى عيد الذكرى؛ نتذكر تلك الأسرة المباركة التي أخذنا عنها بعض شعائر ديننا وملتنا... ونتذكر الطاعة المطلقة لله -تعالى- بلا قيد ولا شرط؛ طاعة إبراهيم -عليه السلام- في ذبح ولده فلذة كبده، وهمه بذلك وعزمه واقتياده لولده وإلقاؤه إياه على الأرض وحَدّه لسكينه ممتثلًا مسلِّما لرؤياه في منامه...

 

ونتذكر بر الأبناء بالآباء؛ بر إسماعيل إذ قال له أبوه: (يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى) ، فأجابه بلا تردد: (يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)[الصافات: 102].

 

أرأيتم قلبًا أبويًا *** يتقبل أمرًا يأباه؟!

أرأيتم ابنًا يتلقى *** أمرًا بالذبح ويرضاه؟!

 

وكذا نتذكر بالأضحية التي نذبحها كبش الفداء الذي أنزله الله -تعالى- من السماء ليذبحه إبراهيم فداء لولده إسماعيل -عليهما السلام-: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)[الصافات: 107]، ومتذكرين أيضًا ونحن نذبحها قول الله -عز جل-: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)[الحج: 37].

 

***

 

وبعد هذه الذكرى لكبش الفداء النازل من السماء، فإن الأضحية هي سنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: "ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما"(متفق عليه).

 

وهنا يبرز هدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فيبين أن أول ما نفعله في يوم عيد الأضحى أن نبكر إلى صلاة العيد، ولا نذبح الأضحية إلا بعد الصلاة، فعن البراء بن عازب قال: خطبنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر، قال: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل أن يصلي فإنما هو لحم عجله لأهله، ليس من النسك في شيء"(متفق عليه).

 

وقد اجتهد بعض الفقهاء في توزيعها فقالوا: "والأفضل أن يتصدق بالثلث، ويتخذ الثلث ضيافة لأقربائه وأصدقائه، ويدخر الثلث"، ويُحدِّث سلمة بن الأكوع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وبقي في بيته منه شيء"، فلما كان العام المقبل، قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا عام الماضي؟ قال: "كلوا وأطعموا وادخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد، فأردت أن تعينوا فيها"(متفق عليه).

 

ثم ينبهنا -صلى الله عليه وسلم- على التصدق بجلد الأضحية أو الانتفاع به وعدم بيعه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من باع جلد أضحيته فلا أضحية له"(رواه الحاكم في المستدرك).

 

***

 

هذا، ولعيد الأضحى سنن كثيرة غير الأضحية، فمنها الخروج إلى المصلى، وفي ذلك من الحكمة البالغة ما فيه، فالمصلى أو الخلاء أرحب بأعداد المسلمين الكثيرة، وأوسع من المسجد لتُرى فيه عزة الإسلام وكثرة المسلمين.

 

ومن الحِكم أن تستطيع النساء اللاتي وافق العيد فترة حيضهن أن يكن حول المصلى يشهدن فرحة المسلمين وبهجة عيدهم، ولا يحرمن من ذلك؛ فعن حفصة بنت سيرين قالت: كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن، فقدمت امرأة.. فحدثت أن أختها كانت تحت رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-... قالت: فسألتْ أختي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: هل على إحدانا بأس إن لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ قال: "لتلبسها صاحبتها من جلبابها، ولتشهد الخير ودعوة المؤمنين"، فلما قدمت أم عطية -رضي الله عنها- سألناها.. فقلنا: أسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: كذا وكذا، قالت: نعم بأبي، قال: "لتخرج العواتق ذوات الخدور -أو العواتق وذوات الخدور-، والحيض فيشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى"، فقلت: ألحائض؟ فقالت: أوليس تشهد عرفة، وتشهد كذا وتشهد كذا(متفق عليه).

 

ومن حكمة الخروج إلى المصلى أيضًا التذكير بيوم الحشر حين يُجمع البشر جميعًا على أرض واحدة... وكذا تذكيرهم بأصل خلقتهم؛ فهم مهما لبسوا الجديد ومهما بالغوا في التزيين والتجمل والتطيب ومهما علت مناصبهم وكثرت ثرواتهم فإن التراب هو أصلهم جميعًا، وإلى تلك الأرض التي يؤدون عليها صلاة العيد مرجعهم ومآبهم ومستقرهم إلى يوم القيامة، مصداق ذلك قوله -تعالى-: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)[طه: 55]، فلا يختالن أحد بما يلبس وبما يملك وبما يحوز؛ فكله لا محالة إلى تراب.

 

***

 

والعيد والتكبير والتضحية... من شعائر ديننا وهي طاعة لربنا واقتداء بنبينا -صلى الله عليه وسلم-، فسعيد من أظهر شعائر الله واعتز بها: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج: 32].  

 

والأعياد كذلك علامة تميز واستقلالية لأمتنا، لذا تجد رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يؤكد على ذلك؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان لأهل الجاهلية يومان من كل سنة يلعبون فيهما فلما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة قال: "كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الفطر، ويوم النحر"(رواه النسائي في الكبرى)، فلنا عيدان لا ثالث لهما.

 

وقد تسابق الخطباء ليقدموا للأمة التهنئة بالعيد ويهدوا إلى أبنائها النصح والإرشاد من خلال خطبهم التي جمعنا ها هنا طرفًا منها.

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
الخطبة العاشرة:
العنوان
خطبة عيد الأضحى المبارك 1443هـ أفعال الله تعالى 2022/07/03 2272 584 0
خطبة عيد الأضحى المبارك 1443هـ أفعال الله تعالى

وَقَدْ يُقْدِمُ الْعَبْدُ عَلَى مَا يَظُنُّهُ خَيْرًا مُعَجَّلًا فَيَكُونُ شَرًّا مُؤَجَّلًا، وَقَدْ يَفْعَلُ مَا يَظُنُّ فِيهِ نَفْعًا فَيَكُونُ عَلَيْهِ ضَرَرًا، وَالْخِيرَةُ خَفِيَّةٌ، وَلَوْ كُشِفَ الْقَدَرُ لِلْمُؤْمِنِ لَمَا حَادَ عَنِ اخْتِيَارِ اللَّهِ -تَعَالَى- لَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- يُحِبُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَخْتَارُ لَهُمْ إِلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ فِي الْعَاقِبَةِ، وَلَوْ بَدَا لَهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ...

المرفقات

مشكولة - خطبة عيد الأضحى المبارك 1443هـ أفعال الله تعالى.pdf

مشكولة - خطبة عيد الأضحى المبارك 1443هـ أفعال الله تعالى.doc

خطبة عيد الأضحى المبارك 1443هـ أفعال الله تعالى.doc

التعليقات
زائر
08-01-2023

جعله الله في ميزان حسناتكم جمييييل جدا وروعه

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life