خطبة عيد الأضحى 1443هـ جمال الإسلام

عبدالله محمد الطوالة

2022-07-02 - 1443/12/03 2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الأضحى
عناصر الخطبة
1/فضائل يوم عيد الأضحى 2/من محاسن الإسلام العظيم 3/إيجابيات الإسلام وسر جماله وروعته 4/الإسلام هو الدين الحق.

اقتباس

ثم إنَّ الإسلامَ يتَحلَّى بإيجابيَّاتٍ ومحاسِنَ كثيرةٍ، تدلُ على جمالِه وروعَتهِ، منها: أنَّهُ سَهلُ الفَهمِ، واضِحُ التَّصورِ، مُعتدِلُ المنهَجِ، ميسُورُ التكاليفِ، يتلاءَمُ مع الفِطرةِ السَّليمةِ، ويتوافَقُ مع العَقلِ والمنطِقِ، ويَدعو إلى كُلِّ فضِيلةٍ، ويَنهى عن كُلِّ رذِيلةٍ، ويُوازِنُ بين المثالِيةِ والواقِعِيةِ، وبين مُتطلبَاتِ الرّوحِ والجسدِ، وبين العَملِ للدُّنيا والعَملِ للآخِرةِ.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ العزيزِ الغفَّارِ، الجليلِ الجبَّارِ، (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)[القصص: 68]، سبحانهُ وبحمده، (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ)[ص: 66]، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ، (خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)[الرعد : 16].

 

وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولهُ، المصطفى المختارِ، أزكى الأنامِ، ومِسكُ الختامِ، وبدرُ التمامِ، وخيرُ من صلى وصامَ، وطافَ بالبيت الحرامِ؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلهِ الأعلامِ، وصحابتهِ الكرامِ، والتابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم التمامِ.

 

أمَّا بعد: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ وأطِيعوهُ، واذكروه كثيراً وسبّحوه، واحمدوهُ على ما هداكم واشكُروه، وعَظِّموهُ في هذا اليوم المباركِ وكبروهُ..

 

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، ولله الحمد.

اللهُ أَكبرُ، لبَّى لهُ الملبُّونَ وكبَّروا، اللهُ أَكبرُ، صلَّى له المصلونَ وسبّحوا.

اللهُ أَكبرُ، طافَ له الطائفونَ وعظَّموا، اللهُ أَكبرُ، ضحَّى له المضحّونَ ونحروا.

اللهُ أَكبرُ كبيرا، والحمدُ لله كثيرًا، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلاً.

 

معاشرَ المؤمنينَ الكرام: يَومُكُمْ هذا يَومٌ عَظيمٌ مُبارَكٌ، رَفعَ اللهُ قدرَهُ، وأعلى شأنه وذِكرَهُ، وسمَّاهُ يَومَ الحجِّ الأكبر, يَوْمَ الْعَجِّ وَالثَّجِّ, يَوْمَ النَّحْرِ والشُّكر، يومَ التكبيرِ والذِّكر، يومَ العِيدِ السَّعيدِ, أَفضَلُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ وَأَعظَمُهَا، وأجلُّها وأشرفُها.

 

 فاعرِفوا لهذا اليومِ قدْرَهُ وعَظمَته، واستشعِروا برَكتَهُ وأهميتَهُ، وتعرَضوا لنفحاتِ رَبِكُم ورحمتِه، وامْلَؤُوا قُلُوبَكُمْ من تَعْظِيمَ اللهِ -تَعَالَى- وَإجْلَالهِ وهيبتِه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الحديد: 28].

 

ثم اعلموا يا عباد الله: أنَّ العَيدَ شَعِيرةٌ مِنْ شَعائِرِ اللهِ المجيدَةِ، ومُناسبةٌ غَاليةٌ مِن المناسَباتِ السَّعِيدةِ، فأسْعدَ اللهُ أيامَكُم، وبَاركَ اللهُ أعيادَكُم، وأدَامُ اللهُ أفراحَكُم، وتَقبلَ اللهُ منَّا ومِنكُم، وبُشراكُم -بإذنِ اللهِ- أجراً عظيماً, وفضلاً كبيراً. ولِمَ لا، فربُكُم -جَلَّ وعَلا- مُحسنٌ كَريمٌ، لا يُضيعُ أجرَ من أحسَنَ عَملاً.

 

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ.

 

معاشر المؤمنين الكرام: كم في هذه الحياةِ من أُمورٍ جميلةٍ، ذاتُ فوائدَ عظيمةٍ جليلة، إلا إنه قد يفوتنا -لسببٍ ما- أنْ نتَعرَّفَ عليهَا، وأنْ نستفِيدَ مِنها كما ينبغي، ولذا فأدعوكم اليوم أيها الكرام: أدعوكم إلى رِحلَةٍ شيِّقةٍ ماتعة, نتعرفُ خِلالها على شيءٍ من جمالِ الإسلامِ وروعَتهِ؛ لعلّنا بعدها أن نفعل كما فعل شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إذ يقول: "والله إني إلى الآن أجدّد إسلامي في كل وقت، وما أسلمتُ بعدُ إسلاماً جيداً".

 

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ.

 

أيها الكرام: نحن نوقنُ أنَّ اللهَ -جلَّ وعلا- قد أتقنَ خلْقَه أيَّما إتقانٍ، وأنه خلقَ الإنسانَ في أحسن تقويم، ومن ثَمَّ فلا يُعقلُ أن يُتركَ الانسانُ سُدًى، بل لا بد أن يضعَ له منهجاً مُتكامِلاً، يُحقِّقُ مُرادَ الخالق -جلَّ وعلا-، وحكمتَهُ من خلقه، وذاكَ هو شريعةُ الإسلامُ، فالإسلامُ هو مِنهاجُ اللهِ للبشرِ، منهجٌ يقتضي الاستِسلام التَّامّ للهِ -تعالى-، والانقِياد لهُ بالطَّاعةِ، وتجنُب كلّ أشكالِ الشركِ والمعاصي.

 

وابتداءً، لك أن تتصورَ الإسلامَ كبِناءٍ عظيمٍ مُتكامِلٍ جميل، لهُ أساسٌ، وله حُجُراتٌ، وله سِياجٌ، فأسَاسُهُ أركانُ الإيمانِ الستة، وهي العقائِدُ والأعمالُ الباطِنةُ، وحُجُراتُه أركانُ الإسلامِ الخمسة، وهي العِباداتُ والأعمالُ الظَّاهِرةُ، وسِياجُهُ القِيمُ والأحكام والشَّرائِعُ التي تضبِطُ السُّلوكَ, وتحمِي الحقوقَ، وتمنعُ الظُّلمَ، وتُنظِّمُ كُلَّ أمورِ الحياةِ.

 

إنَّهُ منهجٌ رَبَّانِيٌّ شامِلٌ، يُعرِّفُ النَّاسَ بخالِقهم، ويُبيِّنُ حقَّهُ عليهِم، ويُغذِي أرْواحَهم وعُقُولَهم، ويرتقي بأخلاقِهم، ويضبِطُ علاقاتهِم، ويحكُمُ كلَّ شؤونِ حياتهِم، ويضمنُ تساوي الفُرَصِ بينهم، ويُحقِّقُ المصالحَ بأعلى قدرٍ، ويدرأُ المفاسِدَ لأدنى حدٍ، ويَكفلُ لمن استقامَ عليهِ الحياةَ الآمِنةَ المستَقِرةَ، والسَّعادةَ في الدًّنيا والآخرةِ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الأنعام: 82].

 

ولا شكَّ أنَّ البَشرَ مهما بلغَ عِلمُهُم فلن يستطيعوا إدرَاكَ ذلكَ بأنفُسِهم، لقُصُورِ عُقُولِهم، ولتعارُضِ أهوائِهم ومَصَالحِهم، فلا يَقدِرُ على ذلك إلّا خَالِقُهم, والعالمُ بما يُصلِحهم، قالَ -تعالى-: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)[النساء: 82].

 

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ.

 

ثم إنَّ الإسلامَ يتَحلَّى بإيجابيَّاتٍ ومحاسِنَ كثيرةٍ، تدلُ على جمالِه وروعَتهِ، منها:

أنَّهُ سَهلُ الفَهمِ، واضِحُ التَّصورِ، مُعتدِلُ المنهَجِ، ميسُورُ التكاليفِ، يتلاءَمُ مع الفِطرةِ السَّليمةِ، ويتوافَقُ مع العَقلِ والمنطِقِ، ويَدعو إلى كُلِّ فضِيلةٍ، ويَنهى عن كُلِّ رذِيلةٍ، ويُوازِنُ بين المثالِيةِ والواقِعِيةِ، وبين مُتطلبَاتِ الرّوحِ والجسدِ، وبين العَملِ للدُّنيا والعَملِ للآخِرةِ. قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "بُعثتُ بالحنيفيةِ السَّمحةِ".

 

وثانِياً: أنَّهُ دِينُ الرّحمةِ والتَّيسيرِ، فالضَّروراتُ تُبيحُ المحظوراتِ، والحرجُ مرفوعٌ عن النَّائِمِ وعن النَّاسِي والمُكرهِ، و(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)[البقرة: 286].

 

وثالثاً: أنَّهُ دِينُ السَّعادةِ وطُمأنِينةُ القلبِ، وسَكِينةُ النَّفسِ، وانْشِراحُ الصَّدرِ، وهذا ما يقولُهُ كُلُّ من دَخلَ في الإسلامِ وذاقَ حَلاوةَ الإيمانِ، (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28].

 

ورابِعاً: أنَّهُ دِينُ النِّظامِ والانضِباطِ، يضْبِطُ حياةَ المُسلِمِ وعمَلَهُ, ويضبِطُ كُلَّ مناشِطِ الحياةِ، قال -تعالى-: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[الجاثية: 18].

 

وخامِساً: أنَّهُ دِينُ المحبَّةِ والإخَاءِ، والتَّعاونِ والبِناء، يَبني العَلاقاتِ، ويَمدّ جُسُورَ التَّواصُلِ، ويأمرُ بِبرِّ الوالدِينِ، وصِلةِ الأرحَامِ، واحتِرامِ الكبِيرِ، وتَوقِيرِ ذَوي الفَضْلِ والسّلطانِ، والسَّلامِ على من عرَفتَ ومن لم تعرِف، والإحسَانِ إلى الجيرانِ، ومُساعَدةِ المحتاجِينَ، والتَّعاونِ على البِرِّ وَالتَّقوَى، وأن يكونَ الجميعُ إخوةً مُتحابِينَ، قال -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آل عمران: 103].

 

وسادِساً: أنَّهُ دِينُ العدلِ والمساواةِ، ألْغَى كُلَّ أسبابِ الفُرقَةِ والاختِلافِ، فلا عُنصُرِيَّةَ, ولا طَائِفيَّةَ, ولا طَبقِيَّةَ ولا قومِيَّةَ في الإسلامِ، الكُلُّ سَواسِيةٌ، وأكَّدَ ذلكَ وأصَّلَهُ بشَعائِرَ جماعيَّةٍ مُتنوِّعةٍ كالصَّلاةِ والحجِّ. قال -تعالى-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[الحجرات: 13].

 

وسابِعاً: أنَّهُ دِينُ الذَّوقِ والجمالِ، ودِينُ الأخلاقِ الرَّاقيةِ، والآدابِ الرَّفيعةِ، كالبَشَاشةِ والتّبسُّمِ والقولِ الطَّيبِ، وإدخالِ السُّرورِ على الآخَرينَ، وإماطةِ الأذى عن الطَّريقِ، وكالنّظافَةِ والطّهارةِ والاغتِسَالِ، والتَّطَيُبِ والتّجَمُّلِ، والوضُوءِ لكُلِّ صَلاةٍ.

 

وثامِناً: أنَّ الإسلامَ يُعظِّمُ حُقُوقَ الإنسانِ ويُراعِيها، ويحمي الضُّعفاءِ، ويكفَلُ لكُلِّ إنسانٍ حُقوقَهُ العامَّة، وحُرِّيتَهُ المنضَبِطَةِ، والعيشَ بكرامةٍ وخُصوصِيةٍ، كما خصَّ المرأةَ بتشريعاتٍ خاصةٍ, تصُونُها وتُحافِظُ عليها، بِنْتاً وأُخْتاً وزَوجَةً وأُمًّا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا".

 

وتاسِعاً: أنَّ الإسلامَ يُبِيحُ الطَّيباتِ, وكُلَّ ما كانَ نفعُهُ أكبرَ من ضرَرهِ؛ تحقِيقاً للمصلَحةِ، ويحرِّمُ الخبائِثَ, وكُلَّ ما كانَ ضرَرُهُ أكبرَ من نفعِهِ، حِفظاً للدِّينِ والنَّفسِ والعقلِ والعِرضِ والمالِ.

 

وعاشِراً: أنَّ الإسلامَ يَمحو ما قَبلهُ من الذُّنوبِ والأخطاءِ، قالَ -تعالى-: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)[هود: 114]، وفي الحديث الصحيح: "الإسلامُ يهدمُ ما كان قبلَه، والتوبةُ تَجبُّ ما كان قبلَها".

 

وحاديَ عشر: أنَّ الإسلامَ يُجيبُ إجاباتٍ مُقنعةٍ عن كُلِّ ما يتعلَّقُ بالخَالقِ وحِكمَتهِ، أو نشأةِ الكونِ ونهايتهِ، أو عالَمِ الغيبِ وحقيقتهِ, أو الموتِ وما بعدَهُ،.. إلخ.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)[ص: 86 - 88].

 

اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله، الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد،

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ حمدًا لاَ مُنْتَهَى لِحَدِّهِ، وَلا حِسَابَ لِعَدَدِهِ، وَلا انْقِطَاعَ لأمَدِهِ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك، سبحانه وبحمده، ملكوتُ كلِّ شيءٍ بيده، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسولهُ ومصطفاه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته ومن والاه، وسلَّم تسليماً كثيراً لا حدَّ لمنتهاه.

 

اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله، الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.

اللهُ أكبر كبيرًا، والحمدُ للهِ كثيرًا، وسبحان اللهِ بُكرةً وأصيلاً.

 

معاشرَ المؤمنينَ الكرام: ومن جوانب جمالِ الإسلامِ وروعته، أن له مزاياً وخصائِصَ عجيبةٍ ينفرِدُ بها عن غيرهِ:

 

أولُها: أنَّهُ منهجٌ شامِلٌ مُتكامِلٌ، فهو عقِيدةٌ وشريعةٌ، وفكرٌ وسُلوكٌ، وعِلمٌ وتربيةٌ، ودِينٌ ودَولةٌ، ودُنيا وآخِرةٌ، قالَ -تعالى-: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)[الأنعام: 38].

 

وثانِياً: أنَّهُ منهجٌ معصومٌ من التناقُضِ والنَّقصِ والخطأِ والهوى، قائمٌ على أساسِ العدلِ المطلَقِ، والحقِّ الخالِصِ، والرَّحمةِ التَّامَّةِ، قالَ -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء: 107]، وقالَ -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ)[الشورى: 17].

 

وثالِثاً: أنَّهُ منهجٌ ثابتٌ محفوظٌ، لا يتغيَّرُ ولا يتبدَّلُ، صالحٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ وفِئةٍ، قال -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر: 9].

 

ونختم الحديث عن جمال الإسلام، وروعته أنَّ هناك أدِلةً كثيرةً تُبرهن أنَّ الإسلامَ هو الدين الحقّ، وأنَّهُ من عندِ اللهِ -تعالى-, منها: أنَّ جميعَ الدساتير الوضعية, والتشريعات البَشرِية لا تبدأ بالظهور إلا بَعدَ نهوض الأمةِ واكتِمالِ حضَارتها, ونضوج تجربتها، فإذا ظهر دستورٌ ما فلا يزالُ في تَغيُّرٍ وتَطورٍ مُستمرٍ، أمَّا شريعةُ الإسلامِ فقد ظهرت واكتَملَت قبلَ أن تبدَأَ حَضارَة المسلمين، ومنذُ ظهوره لا يَزالُ ثابتاً مَحفُوظاً بحفظِ اللهِ، لم يتغيَّرْ فيهِ شَيءٌ البتة.

 

وثانِيها: الإقبالُ الكبيرُ والمستمرُّ على الدُّخُول في الإسلامِ أَفواجاً، وعن طَواعِيةٍ واقتنِاعٍ، ثمَّ ثَباتُهم عليهِ، حتى أصبَحَ الإسلامُ اليومَ هو الأسرعُ انتِشَاراً، والأكثرُ قَبولاً.

 

وثالِثُها: عَجْزُ الأوَّلِينَ والآخِرينَ أنْ يَأتوا بمثلِ القُرآنِ الكريمِ، بل ولا حتى بسورةٍ مِن مِثلهِ، قالَ -تعالى-: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[يونس: 38]، يقول الدكتور شارل، عميد كلية الحقوق في جامعة فيينا: "إن البشرية لتفتخرُ بانتساب رجلٍ كمحمدٍ إليها، فإنه على الرغم من أُمّيته استطاعَ قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريعٍ سنكونُ نحن الأوروبيين أسعدَ ما نكون لو استطعنا أن نصلَ إلى قمته بعد ألفي سنة".

 

ورابِعُ الأدلة: أن الرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم- أخبرَ بأمورٍ غيبيةٍ كثيرةٍ ستحدُثُ في المستقبلِ، وحدَثَت كما أخبرَ تماماً، وغيرها من الأدلة الكثيرة.

 

فيا أيها المسلم: كفاك فخرًا أنك تدين بهذا الدين الرائع، وأنك من خير أمَّةٍ أخرجت للناس، أكرمك الله أيما كرم، اختار لك أفضلَ رُسلهِ، وأنزلَ إليك خيرَ كُتبه، وشرعَ لك أحسنَ شرائعه، وأكمل لك الدين، وأتمَّ عليك النعمة، فمن يدانيك فخراً وشرفاً، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58].

 

اللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ لا إله إلا الله، الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد، الحمد لله الذي اختصنا بفضله العظيم، وأكرمنا بشرعه القويم، وهدانا صراطه المستقيم، (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)[النحل: 18].

 

أيها الكرام المباركون رجالاً ونساءً: إذا عُدتمْ -بتوفيقِ اللهِ- لبيوتِكُم وأهلِيكُم، فعُودوا بقلوبٍ صَافيةٍ نَقيةٍ، ونفوسٍ مُتسامحةٍ سخية، صِلوا مَن قَطعكُم، وأعطوا مَن حَرمكُم، وأحسِنوا لمن أساءَ إليكم، فالعيد مُناسَبةٌ عَظيمةٌ, يظهرُ فيهِ جمالُ اجتماعِ الأمّةُ وأُلفتِها، وروعَةَ تواصُلِها وترابُطها، وقوةَ تلاحُمها وتراحُمها.

 

العيدُ -يا رعاكم الله- دَرسٌ عَظيمٌ من دُروسِ التَّسامُحِ والتَّصافي، تَتناسَى فيهِ النفوسُ الكبيرةُ خِلافاتِها، وتعودُ القلوبُ النقيةُ فيه إلى سابق مودتها، (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)[الشورى: 40].

 

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ.

 

ألا فاتقوا الله ربكم، وأصلِحوا ذاتَ بينكم، واهنأوا بعيدكم، ولا تنسوا الدُّعاء لإخوانِكم المستضعفِينَ في كل مكان، فرَّج الله همَّهم، وأصلح أحوالهم، ويسَّر أُمورهم، وأعَادَ اللهُ علينا وعليهم الأعيادَ باليُمنِ والرحمةِ والبركات، وتَقبلَ اللهُ منَّا ومنهم الطاعاتِ والقربات، وتجاوزَ عن الزلاتِ والسيئات.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح....

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180-182].

المرفقات

خطبة عيد الأضحى (1443) جمال الإسلام.pdf

خطبة عيد الأضحى (1443) جمال الإسلام.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات