خطبة عيد الأضحى 1443هـ

عبدالله البرح - عضو الفريق العلمي

2022-07-02 - 1443/12/03 2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: الأضحى
عناصر الخطبة
1/يوم النحر خير يوم طلعت عليه الشمس 2/أعياد الإسلام ومقاصدها العظام 3/الأعمال المستحبة في يوم عيد الأضحى المبارك.

اقتباس

ومن حِكَمِ تشريع الأعياد في الإسلام ومقاصدها: أن شريعة الإسلام راعت الفطرة البشرية المكونة من الروح والعقل والجسد؛ وجاءت بكل ما يلبي.. لنفرح بما أكرمنا الله به من مواسم الفرح والابتهاج، ونشكر المنعم -جل وعلا- بالقيام بما...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي هدانا للإيمان وشرع لنا من الأعياد ما تجلو بها الأحزان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد الديان وعد من أطاعه بنعيم الجنان وتوعد من عصاه بجحيم النيران، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم ما صدح المنادي بالأذان وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى والاتقان وعلى التابعين لهم إلى يوم القيامة بإحسان.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]؛ أما بعد:

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

 الله أكبر ما لبى ملب وكبر، الله أكبر ما حج حاج واعتمر، الله أكبر ما ضحى مضح ونحر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

 

أيها المؤمنون: إنكم في خير أيام الدنيا وأعظمها عند الله؛ إنكم في يوم النحر يوم عيد الأضحى المبارك؛ صح عن النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- أنه قال: "أَعظمُ الأيَّامِ عِنْدَ اللَهِ يَوْمُ النَّحْرِ"(صححه الألباني).

وروى عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: "أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال أي يوم هذا قالوا يوم النحر قال هذا يوم الحج الأكبر".

 

وقد أجمع الأئمة الأعلام على أن يوم النحر خير الأيام قدرا وأعظمها منزلة؛ والسر في تفضيله على غيره من الأيام، وذلك لاجتماع جل أعمال شعيرة الحج فيه؛ فرمي الحجاج لجمرة العقبة، ونحر الهدي، والتحلل من الحج بالحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، وسعيهم بين الصفا والمروة، إضافة إلى ذبح الأضاحي لغير الحجاج، ولا شك أن هذه الأعمال لا تكون في غيره من الأيام؛ فبذلك حاز الأفضلية.

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد

 

أيها المسلمون: إن المتأمل في شريعة الإسلام وما جاء في تشريع هذه الأعياد؛ يدرك المقاصد النبيلة والحِكَم الجليلة؛ فمنها:

إظهار سماحة دين الإسلام وما يتصف به من التيسير على من اتبع سبيله وسلك طريقه؛ جاء في حديث أم المؤمنين عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ"(السلسلة الصحيحة).

 

وقد يدور سؤال في أذهان البعض ما مظاهر التيسير في هذا الدين العظيم؟

والإجابة على هذه السؤال: أن يسر الإسلام وسماحته تتجلى في أن الله -جل في عليائه- جعل لأوليائه أياما للابتهاج والفرح، ورخص لهم فيها من اللهو المنضبط بضوابط الشريعة بما لم يعتادوه في سائر أيامهم؛ فأكرمهم بعيد الفطر وعيد الأضحى؛ كما روى أبو داود  من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أنه قال: "كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الفطر، ويوم النحر".

 

ومن حِكَمِ تشريع الأعياد في الإسلام ومقاصدها: أن شريعة الإسلام راعت الفطرة البشرية المكونة من الروح والعقل والجسد؛ وجاءت بكل ما يلبي حاجاتها؛ فشرعت من الأعمال ما تسمو بها الأرواح، وأباحت من الأطعمة والأشربة والألبسة ما تحيا بها الأجساد وتحميها من الأخطار، ورخصت اللهو المباح -لا سيما- في المناسبات الشرعية والأعياد التي جاء بها الإسلام؛ ولا أدل على ذلك من تعامل النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- مع الجاريتين في بيت أم المؤمنين عائشة في أيام العيد؛ كما جاء روت عائشة -رضي الله عنهما- فقالت: "دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم: بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وذلك في يوم عيد"؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا"(أخرجه البخاري ومسلم).

 

ومن مقاصد الأعياد في شريعة رب العباد: إدخال السرور والفرح والسعاد على قلوب أهل الإيمان، وهذا لا ريب من فضل الله ورحمته بعباده؛ حيث قال -سبحانه-: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58]؛ يقول السعدي -رحمه الله-: "أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته، لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى، وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود".

 

ومن الأسرار والمقاصد: أن أعياد الإسلام من شعائر الله -تعالى- الزمانية التي ينبغي على المسلم تعظيمها؛ فإن تعظيمها دلالة على صلاح العبد وصدق إيمانه واكتمال تقواه؛ قال -تعالى-: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج: 32]؛ وتعظيم العبد لشعائر الله علامة على تعظيمه لخالقه ومولاه.

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

أيها الأخوة الكرام: لنفرح بما أكرمنا الله به من مواسم الفرح والابتهاج، ونشكر المنعم -جل وعلا- بالقيام بما أمرنا به الكريم اللطيف وديننا الحنيف، وما أرشدنا إليه نبينا الرؤوف -صلى الله عليه وسلم- من الأعمال المستحبة في هذا اليوم المبارك، ألا وإن مما يستحب للمسلم يوم عيد الأضحى:

الفرح والسرور بهذه المناسبة الكريمة: فالفرح بالعيد فرح بالدين الذي شرعه وحث على إظهار البشر والأنس فيه؛ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)[يونس: 58].

 

ومن الأعمال المستحبة في العيد: ذبح الأضاحي؛ وهي سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء، ووقتها بعد صلاة العيد؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من ذبح قبل أن يصلي؛ فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح"، ووقت الذبح: أربعة أيام، يوم النحر، وثلاثة أيام التشريق؛ لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كل أيام التشريق ذبح".

ويسن للمضحي أن يأكل من الأضحية ويطعم أهله بيته منها، وألا ينسى أصحاب الحاجة والفاقة والبؤساء من المساكين والفقراء، كما أرشدت إلى ذلك الآية الكريمة في قوله -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)[الحج:28]؛ ويستحب للمضحي أن يذبح أضحيته بيده إن استطاع على ذلك، وأن يسمي الله ويكبره عند ذبحها، وأن يستر السكين ويحدها بعيداً عنها، وألا يذبحها أمام أخواتها؛ وهذا من رحمة الإسلام ببهيمة الأنعام؛ فما أعظمه من دين.

 

ومما يستحب فعله في العيد: التوسعة على الأبناء والأهل والأرحام، وإظهار الفرح والسرور والسماح للصبيان والنساء باللهو المباح واللعب والمزاح؛ ويدل على ذلك نهيه -عليه الصلاة والسلام- للصديق -رضي الله عنه- عن نهر الجواري اللاتي كن يغنين في بيت عائشة -رضي الله عنها-.

 

ويستحب في العيد: صلة الأرحام وزيارتهم وتفقد أحوالهم امتثالا لأمر الحكيم العليم، وتأسيا بالنبي الكريم -عليه أزكى الصلاة وأطيب التسليم-؛ وحسب صلة الرحم أن من وصل رحمه وصله الله ومن قطع رحمه قطعه الله؛ كما جاء في الحديث الذي رواه عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وصححه الألباني -رحمه الله- أن الله -تعالى- قال: "أنا الرَّحمنُ، وهي الرَّحِمُ، شَقَقتُ لها اسمًا مِن اسمي، مَن وصَلَها وصَلتُه، ومَن قطَعَها بَتَتُّه"؛ وإكرام الأرحام وصلتهم سبب للبركة في الأرزاق والأعمار، وينبغي ألا يتوقف البذل والعطاء والبشاشة والزيارة على الأرحام فحسب؛ بل ينبغي أن تعم المسلمين من الجيران واليتامى والفقراء والمساكين عامة؛ وهذا حق أوجبه الإسلام على المسلمين نحو بعضهم.

 

هذا هو العيد فلتصفُ النفوس به***وبذلك الخير فيه خير ما صنعا

أيامه موسم للبر تزرعه***وعند ربي يخبي المرء ما زرعا

فتعهدوا الناس فيه من أضر به***ريب الزمان ومن كانوا لكم تبعا

وبددوا عن ذوي القربى شجونهم***دعــا الإله لهذا والرسول معا

واسوا البرايا وكونوا في دياجرهم***بــدراً رآه ظلام الليل فانقشعا

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

 

عباد الله: ومن الأعمال التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها: الإكثار من التكبير في أيام التشريق مطلقًا ومقيدًا في أدبار الصلوات وفي سائر الأوقات، إن شاء شفع وإن شاء ثلّث: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ويكثر من لا إله إلا الله، فيقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

ويستحب في العيد: أن يهنئ المسلم إخوانه المسلمين بهذه المناسبة؛ يقول جبير بن نفير -رحمه الله-: "كان أصحابُ رسولِ اللهِ -صلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- إذا التقوْا يومَ العيدِ يقولُ بعضُهم لبعضٍ: تقبل اللهُ منّا ومنكَ"(فتح الباري لابن حجر وإسناده حسن).

 

أيها المسلمون: اشكروا ربكم على نعمة الاهتداء إلى هذا الدين العظيم، وافعلوا ما أرشدكم إليه وأمركم به من توحيده والإيمان به وإقامة فرائض الإسلام من الصلاة والزكاة والصيام والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واحرسوا قيم الإسلام وأخلاقه الفاضلة بتمسككم بها، وقوموا بما يجب عليكم نحو رعيتكم وأبنائكم وأزواجكم، وانشروا التصالح والتسامح والمحبة بين عموم المسلمين، واحذروا من موجبات الفرقة والاختلاف والنعرات الجاهلية والعنصرية المقيتة، وأديموا روابط الدين والأخوة الإسلامية مع عامة المسلمين حتى تنعموا في دنياكم بالخير والصلاح وتفوز بآخرتكم بالربح والفلاح.

 

واحذروا -يا عباد الله- أن تقابلوا آلاء الله ونعمه عليكم بالمعاصي والآثام واللهو الحرام وقطيعة الأرحام؛ فيحل عليكم سخط من ربكم وعقاب لا ينزعه منكم حتى تعودوا إليه وتخضعوا بين يديه.

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد

 

اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا.

 

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين.

 

اللهم أصلح أحوال إخواننا المسلمين فوق كل أرض وتحت كل سماء اللهم وألف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم.

       

وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير؛ كما أمركم بذلك العليم الخبير فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:56].

 

المرفقات

خطبة عيد الأضحى 1443هـ.pdf

خطبة عيد الأضحى 1443هـ.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات