اقتباس
أما الإسلام فقد قنن هذه العلاقات، وجعل لها بابًا حلالاً تستقر به النفس ويطمئن إليه القلب، فوضع حدًّا يقطع السبل على الفاحشة أن تنتشر في المجتمع؛ ليصير الإنسان هو سيدها والمتحكم فيها، وليست هي الآمرة الناهية له تسحبه إلى مستنقعها الآثم. فتنظيم الإسلام لهذه العلاقة لم ينتج مجتمعات مكبوتة جنسيًا كما يدعي الغرب والغربيون، وإنما أثمر مجتمعات نظيفة خالية من الأمراض المجتمعية والنفسية والصحية ..
اتفقت جميع الشرائع منذ خلق الله تعالى البشرية وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها على شناعة وفداحة جريمة الزنا؛ وذلك لما فيها من هتك للأعراض واختلاط للأنساب؛ ما يؤدي لمخاطر عظيمة على الفرد والمجتمع، فضلاً عما يتلبس بها من أمراض صحية ونفسية ومجتمعية خطيرة كفيلة بهدم المجتمع وتقويض أركانه وإشاعة الضعف والخور بين أبنائه.
من أجل ذلك كان اهتمام الشرع الحنيف ببقاء المجتمع نظيفًا في علاقاته، سليمًا في تعاملاته؛ بحيث تسيطر العلاقات السوية على ما بين أفراده من وشائج، وبذلك يصير قويًا في مواجهة تحدياته الداخلية ومعاركه الخارجية.
وقد أحاطت الشريعةُ الإنسانَ المسلم من الوقوع في فاحشة الزنا بعدة موانع وحجب، تحول بينه وبين قربان الفاحشة وانتهاك حرمات الله تعالى كما قال -عزَّ من قائل-: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء: 32]، وذلك حماية للمجتمع المسلم من الوقوع في براثن الغواية والولوج في لجة الفاحشة التي لا تزيد المجتمع إلا تفسخًا وانفلاتًا؛ فحرم الله تعالى -أول ما حرم- النظر إلى ما حرم الله من النساء الأجنبيات، فالنظرة سهم مسموم من سهام إبليس، يرشق إلى قلب ابن آدم فيصيب قلبه وتتحرك نوازعه الداخلية تجاه ما رأى، وهكذا يشرع قلبه في التعلق وعقله في التخيل، ثم تتحرك جوارحه، فتسعى قدمه إلى الحرام، من خلوة واختلاط، وتتطلع يده إلى اللمس الحرام بالمصافحة والملامسة، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه..
لقد أثبتت الوقائع والأحداث أن المجتمعات التي مارست التفلت في العلاقات بين الرجال والنساء، وفتحت الباب واسعًا أمام العلاقات غير المشروعة من الزنا واللواط وغيرهما، لم تزدد حريةً كما كانت تتطلع، وإنما أورثها ذلك استعبادًا للمعصية وذلاً للفاحشة، فعندما حاول المنظرون الغربيون الترويج للحرية الجنسية مع العشيقات والخليلات ظنّ المبطلون والمرجفون أن ذلك من شأنه أن ينهي المشكلة الجنسية في الغرب، وأن يضيق الخناق على ارتكابها، على افتراض أن السبل لممارسة الزنا صارت سهلة ويسيرة، ولكن اتضح أنهم يغوصون في بحر لا ساحل له، وفي لجة عميقة لا قعر لها، فحينما بدأت دعوات الحرية الجنسية تنتشر في الغرب بين الرجال والنساء أخذت في التطور، فبدلاً من أن تقتصر تلك العلاقات المحرمة على النساء، أو تُوصل أفراد هذه المجتمعات المنحلة لمرحلة الري والشبع الجنسي، بدلاً من ذلك توسعت تلك العلاقات ليمارس الرجال اللواط، وتمارس النساء السحاق، بل وظهر ما يسمى بزواج المثليين -وهو زواج مصطبغ بصبغة قانونية في دول غربية كثيرة، يتزوج من خلاله رجلٌ رجلاً آخر، أو تتزوج فيه امرأةٌ امرأة أخرى ويشتركان في السكن ويتبنيان من خلاله أطفالاً-، ثم ظهور زنا المحارم بأن يطأ الرجل أمه أو أخته -عياذًا بالله-.. وغير ذلك من أنواع العلاقات المحرمة التي تبعث على الغثيان.. ونتيجة لذلك يتقلب المجتمع الغربي الآن في دركات الانحطاط، فالفاحشة تجر إلى أختها، وتفتح الباب لمزيد من الفواحش.
أما الإسلام فقد قنن هذه العلاقات، وجعل لها بابًا حلالاً تستقر به النفس ويطمئن إليه القلب، فوضع حدًّا يقطع السبل على الفاحشة أن تنتشر في المجتمع؛ ليصير الإنسان هو سيدها والمتحكم فيها، وليست هي الآمرة الناهية له تسحبه إلى مستنقعها الآثم. فتنظيم الإسلام لهذه العلاقة لم ينتج مجتمعات مكبوتة جنسيًا كما يدعي الغرب والغربيون، وإنما أثمر مجتمعات نظيفة خالية من الأمراض المجتمعية والنفسية والصحية، وفي المقابل فإن تلك الحرية المزعومة في الغرب هي التي أنتجت واقعًا أليمًا وأمراضًا نفسية أصابت الأفراد بدءًا من المراهقين ومرورًا بالشباب وانتهاءً بكبار السن، هذا فضلاً عن الأمراض الجنسية كالهربز والسيلان والأيدز.. وما خفي كان أعظم.
وقد وضعنا بين يدي خطبائنا الكرام مجموعة من الخطب المختارة حول هذا الموضوع نظرًا لوجود فئة تحاول الترويج للنموذج الغربي للحرية، وإتاحة الفرصة للمرأة لممارسة الحرية المزعومة بالتفلت من حجابها حينًا واختلاطها بالرجال في التعليم والعمل حينًا آخر، وهي لا شك خطوات كما ذكرنا نحو فضول النظر وفضول الكلام واللمس والمصافحة وغيرها، الأمر الذي من شأنه أن يفتح الباب أمام الفواحش التي نخشى منها.
التعليقات