كبيرة الزنا (2) مراتب الزنا

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ ابتلاء العباد بالمكاره والشهوات 2/ التحذير من كبيرة الزنا 3/ مخاطر انتشار الزنا في المجتمع 4/ مراتب الزنا ودرجاته 5/ أعظم الزنا وأشد حالاته خطرًا وجرمًا 6/ تطور الاتصالات فتح طوفان الشهوات 7/ واجبنا لمواجهة طوفان التعري والإغراءات الشهوانية 8/ وجوب المسارعة إلى التوبة قبل الممات.

اقتباس

كُلَّمَا بَعُدَ الزَّمَنُ عَنْ زَمَنِ النُّبُوَّةِ قَلَّ الْعِلْمُ، وَفَشَا الْجَهْلُ، وَكَثُرَتِ الْفَوَاحِشُ وَالزِّنَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي أَحَادِيثِ السَّاعَةِ أَنَّ مِنْ عَلَامَاتِ قُرْبِهَا: انْتِشَارَ الزِّنَا.. وَفِي زَمَنِنَا هَذَا انْفَتَحَتْ أَبْوَابٌ مِنَ الْفِتَنِ عَلَى النَّاسِ مَا كَانُوا يَعْرِفُونَهَا مِنْ قَبْلُ؛ عَبَّدَتْ لَهُمْ طُرُقَ الْفَسَادِ، وَدَلَّتْهُمْ عَلَى أَمَاكِنِهَا، وَيَسَّرَتْ لَهُمْ فِعْلَ الْفَوَاحِشِ، وَهَوَّنَتْهَا فِي نُفُوسِهِمْ.. إن الزِّنَا كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَمُوبِقَةٌ مِنَ الْمُوبِقَاتِ، وَأَنَّ بَعْضَهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ بِحَسَبِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَحَالِ الزَّانِيَيْنِ.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ، الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ؛ خَافَهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، فَاجْتَنَبُوا مَعْصِيَتَهُ، وَحَاذَرُوا غَضَبَهُ وَنِقْمَتَهُ، سَرِيعُ الْعِقَابِ، شَدِيدُ الْمِحَالِ، عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ، نَحْمَدُهُ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى الْعَافِيَةِ وَالْبَلَاءِ، فَهُوَ الْمَحْمُودُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، مَعْبُودُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.

 

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ قَيُّومٌ لَا يَنَامُ، وَعَزِيزٌ لَا يُضَامُ، يُحْصِي عَلَى عِبَادِهِ كُلَّ شَارِدَةٍ، وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 29].

 

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ عَظَّمَ اللهَ تَعَالَى أَشَدَّ التَّعْظِيمِ، وَرَجَاهُ أَكْثَرَ الرَّجَاءِ، وَخَافَهُ أَشَدَّ الْخَوْفِ، فَكَانَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوهُ فَلَا تَعْصُوهُ، وَاحْذَرُوا مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ؛ فَإِنَّهَا إِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى صَاحِبِهَا أَهْلَكَتْهُ وَأَوْبَقَتْهُ، وَاحْذَرُوا الْكَبَائِرَ؛ فَإِنَّ شَأْنَهَا عَظِيمٌ، وَأَمْرَهَا خَطِيرٌ، وَعَذَابَهَا شَدِيدٌ، وَإِنَّ اجْتِنَابَهَا سَبَبٌ لِتَكْفِيرِ مَا سِوَاهَا (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء: 31].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: ابْتَلَى اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالْمَكَارِهِ وَالشَّهَوَاتِ، فَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَحْفُوفَةً بِالْمَكَارِهِ وَهِيَ مَشَقَّةُ الطَّاعَاتِ، وَالكَفُّ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الِابْتِلَاءَاتِ، وَجَعَلَ النَّارَ مَحْفُوفَةً بِالشَّهَوَاتِ الَّتِي تُحِبُّهَا النُّفُوسُ بِمَا غُرِسَ فِيهَا مِنْ مَحَبَّةِ اللَّذَائِذِ وَالتَّزَوُّدِ مِنْهَا، فَحَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ مَا يَضُرُّهُمْ مِنْهَا، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ نُفُوسُهُمْ وَأَهْوَاؤُهُمْ بِهَا، فَمَنِ انْسَاقَ لِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ سَارَ فِي طَرِيقِ النَّارِ، وَمَنْ رَدَّ نَفْسَهُ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ نُجِّيَ مِنْهَا.

 

وَالزِّنَا طَرِيقٌ مِنَ الشَّهَوَاتِ إِلَى النَّارِ، وَهُوَ أَشَدُّ شَيْءٍ مِنَ الشَّهَوَاتِ عَلَى الْإِنْسَانِ، لِتَعَلُّقِ قُلُوبِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، فَيَكْثُرُ الْوَاقِعُونَ فِي الزِّنَا مِنَ الْبَشَرِ، حَتَّى يُجَاهَرَ بِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَيَكُونَ فِي الْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ وَالطُّرُقَاتِ، وَيَكُونَ خِيَارُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ مَنْ يَنْهَى عَنِ الْمُجَاهَرَةِ بِالزِّنَا، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَفْنَى هَذِهِ الْأُمَّةُ حَتَّى يَقُومَ الرَّجُلُ إِلَى الْمَرْأَةِ فَيَفْتَرِشَهَا فِي الطَّرِيقِ، فَيَكُونَ خِيَارُهُمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ يَقُولُ: لَوْ وَارَيْتَهَا وَرَاءَ هَذَا الْحَائِطِ» (رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى).

 

وَالزِّنَا وَإِنْ كَانَ كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ، وَمُوبِقَةً مِنَ الْمُوبِقَاتِ؛ فَإِنَّهُ مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ، بِحَسَبِ زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ وَحَالِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ؛ فَالزِّنَا فِي زَمَانٍ مُعَظَّمٍ كَرَمَضَانَ وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لَيْسَ كَالزِّنَا فِي غَيْرِهَا مِنَ الْأَزْمَانِ؛ لِأَنَّ فِيهِ انْتِهَاكًا لِحُرْمَةِ الْأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ.

 

وَالزِّنَا فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْسَ كَالزِّنَا فِي غَيْرِهَا مِنَ الْبُلْدَانِ؛ لِفَضِيلَةِ هَذِهِ الْبِلَادِ بِمَسَاجِدِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا. وَارْتِكَابُ الْكَبِيرَةِ فِيهَا انْتِهَاكٌ لِحُرْمَتِهَا، وَاسْتِخْفَافٌ بِفَضِيلَتِهَا.

 

وَأَمَّا حَالُ الزَّانِي فَالْوُقُوعُ فِي الزِّنَا حَالَ التَّلَبُّسِ بِالطَّاعَةِ كَصِيَامٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَعْظَمُ مِنَ الزِّنَا فِي غَيْرِهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الِانْتِقَالِ السَّرِيعِ مِمَّا يُوجِبُ رَحْمَةَ اللهِ تَعَالَى وَرِضْوَانَهُ إَلَى مَا يُوجِبُ غَضَبَهُ وَعَذَابَهُ؛ وَلِمَا فِيهِ مِنْ هَوَانِ قَدْرِ الطَّاعَةِ فِي نَفْسِ الْعَاصِي؛ إِذْ يُفْسِدُهَا بِهَذِهِ الْكَبِيرَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الْخَوْفِ مِنَ اللهِ تَعَالَى فِي قَلْبِهِ أَوْ خُلُوِّهِ مِنْهُ، مِمَّا يَسْتَوْجِبُ غَضَبَ اللهِ تَعَالَى وَعَذَابَهُ.

 

وَإِذَا كَانَ الْوَطْءُ الْمُبَاحُ يَحْرُمُ حَالَ التَّلَبُّسِ بِالصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ، وَإِثْمُهُ كَبِيرٌ، وَكَفَّارَتُهُ مُغَلَّظَةٌ، فَكَيْفَ إِذَنْ بِانْتِهَاكِهِمَا بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ؟!

 

وَزِنَا الْمُحْصَنِ أَعْظَمُ مِنْ زِنَا غَيْرِ الْمُحْصَنِ؛ وَلِذَا كَانَ فِيهِ الرَّجْمُ حَتَّى الْمَوْتِ. وَزِنَا الشَّيْخِ الْكَبِيرِ لَيْسَ كِزِنَا الشَّابِّ الْقَوِيِّ؛ فَإِنَّ الشَّبَابَ وَالْقُوَّةَ مَدْعَاةٌ لِلشَّهْوَةِ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ فَشَهْوَتُهُ ضَعِيفَةٌ، فَزِنَاهُ مَعَ ضَعْفِ شَهْوَتِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُبَّ الْمَعْصِيَةِ مُتَأَصِّلٌ فِي نَفْسِهِ، مُتَمَكِّنٌ مِنْ قَلْبِهِ؛ وَلِذَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَالزِّنَا بِحَلِيلَةِ الْجَارِ أَشَدُّ جُرْمًا مِنَ الزِّنَا بِغَيْرِهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ أَذَى الْجَارِ، وَعَدَمِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَخِيَانَتِهِ فِي أَهْلِهِ، وَانْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ، وَخَفْرِ وَصِيَّةِ اللهِ -تَعَالَى- بِهِ؛ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ». قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» . قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَقَوْلُهُ: «تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» دَلِيلٌ عَلَى التَّرَاضِي بَيْنَهُمَا؛ فَإِنَّ الْجَارَ مُطَّلِعٌ عَلَى أَسْرَارِ جَارِهِ، وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ زَوْجَتِهِ، وَيَقْدِرُ عَلَى مُخَاطَبَتِهَا، فَمَعَ طُولِ الْوَقْتِ وَالْتِصَاقِ الْبُيُوتِ قَدْ تَسْتَمِيلُهُ أَوْ يَسْتَمِيلُهَا، فَيَقَعَانِ فِي الْإِثْمِ الْعَظِيمِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ، خَاصَّةً وَقْتَ غِيَابِ الزَّوْجِ وَسَفَرِهِ، فَبَدَلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ حَارِسًا لِبَيْتِهِ، صَائِنًا لِعِرْضِهِ؛ يَخُونُهُ فِي أَهْلِهِ وَفِرَاشِهِ، وَيُسِيءُ جِوَارَهُ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَلَا بَائِقَةَ أَعْظَمُ مِنَ الزِّنَا بِامْرَأَةِ الْجَارِ، وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 

وَالزِّنَا بِذَاتِ زَوْجٍ أَعْظَمُ مِنَ الزِّنَا بِمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا؛ إِذْ فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الزَّوْجِ، وَإِفْسَادُ فِرَاشِهِ، وَتَعْلِيقُ نَسَبٍ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ أَذَاهُ.

 

وَالزِّنَا بِالْقَرِيبَةِ أَوِ النَّسِيبَةِ كَبَنَاتِ الْعَمِّ وَالْخَالِ وَأُخْتِ الزَّوْجَةِ وَنَحْوِهَا أَعْظَمُ مِنَ الزِّنَا بِالْبَعِيدَةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَسُوءِ الْمُصَاهَرَةِ؛ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ "الْحَمْوَ الْمَوْتُ".

 

وَأَعْظَمُ مِنْهُ الزِّنَا بِذَاتِ مَحْرَمٍ، وَهُوَ مُسْتَقْبَحٌ شَرْعًا وَفِطْرَةً، وَلَا يَفْعَلُهُ إِلَّا الْمَجُوسُ وَأَصْحَابُ الْمَذَاهِبِ الْبَاطِنِيَّةِ الْمُنْحَرِفَةِ، وَهُوَ مِنْ أَشَدِّ أَنْوَاعِ الْبَهِيمِيَّةِ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ السَّوِيَّةَ لَا تَشْتَهِي الْمَحَارِمَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "وَأَعْظَمُ الزِّنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ الزِّنَا بِالْمَحَارِمِ". وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "لَقِيتُ عَمِّي وَمَعَهُ رَايَةٌ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَآخُذَ مَالَهُ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "كُلُّ مَنْ أَتَى ذَاتَ مَحْرَمٍ يُقْتَلُ عَلَى حَدِيثِ الَّذِي تَزَوَّجَ امْرَأَة أَبِيهِ". وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "مَنْ لَا يُبَاحُ وَطْؤُهُ بِحَالٍ فَحَدُّ وَطْئِهِ الْقَتْلُ".

 

وَمِنْ أَعْظَمِ الزِّنَا: الزِّنَا بِامْرَأَةٍ نَفَرَ زَوْجُهَا لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ -تَعَالَى-، وَيُلْحَقُ بِهِ زَوْجَاتُ الْمُرَابِطِينَ الَّذِينَ يُرَابِطُونَ فِي الثُّغُورِ، أَوْ يَحْرُسُونَ الْحُدُودَ؛ فَإِنَّهُمْ سَبَبٌ لِحِفْظِ أَمْنِ النَّاسِ، فَوَجَبَ حِفْظُهُمْ فِي حَرِيمِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ، وَأَلْحَقَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ كُلَّ مَنْ سَافَرَ لِأَجْلِ طَاعَةٍ كَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَدَعْوَةٍ وَطَلَبِ عِلْمٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا ضَعُفَتْ، فَإِذَا كَانَ غِيَابُ زَوْجِهَا لِطَاعَةِ اللهِ -تَعَالَى- كَانَتْ خِيَانَتُهُ فِي أَهْلِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْخِيَانَاتِ، جَاءَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلًا مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ، إِلَّا وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ، فَمَا ظَنُّكُمْ؟» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

فَجَعَلَ زَوْجَةَ الْمُجَاهِدِ فِي الْحُرْمَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَاعِدِ كَأُمِّهِ، فَمَنْ خَانَهُ فِيهَا فَكَأَنَّمَا نَكَحَ أُمَّهُ؛ وَلِذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ «مَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ، فَقَدْ غَزَا».

 

وَلَمَّا وَقَعَ اعْتِدَاءٌ بِالزِّنَا عَلَى بَعْضِ زَوْجَاتِ الْمُجَاهِدِينَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى الزَّانِي، وَخَطَبَ النَّاسَ قَائِلاً: «كُلَّمَا نَفَرْنَا غَازِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، تَخَلَّفَ أَحَدُكُمْ يَنِبُّ نَبِيبَ التَّيْسِ، يَمْنَحُ إِحْدَاهُنَّ الْكُثْبَةَ، إِنَّ اللهَ لَا يُمْكِنِّي مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إِلَّا جَعَلْتُهُ نَكَالًا» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّهُ يَعْمِدُ إِلَى امْرَأَةِ الَّتِي غَابَ زَوْجُهَا فِي الْجِهَادِ أَوِ الرِّبَاطِ فَيَخْدَعُهَا بِعَطِيَّةٍ حَتَّى تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا.

 

وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الزِّنَا كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَمُوبِقَةٌ مِنَ الْمُوبِقَاتِ، وَأَنَّ بَعْضَهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ بِحَسَبِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَحَالِ الزَّانِيَيْنِ، فَحَذَارِ -عِبَادَ اللهِ- مِنَ الزِّنَا وَمُقَدِّمَاتِهِ؛ فَمَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ.

 

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء: 32]، بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ...

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

 

الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ..

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كُلَّمَا بَعُدَ الزَّمَنُ عَنْ زَمَنِ النُّبُوَّةِ قَلَّ الْعِلْمُ، وَفَشَا الْجَهْلُ، وَكَثُرَتِ الْفَوَاحِشُ وَالزِّنَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي أَحَادِيثِ السَّاعَةِ أَنَّ مِنْ عَلَامَاتِ قُرْبِهَا: انْتِشَارَ الزِّنَا.

 

وَفِي زَمَنِنَا هَذَا انْفَتَحَتْ أَبْوَابٌ مِنَ الْفِتَنِ عَلَى النَّاسِ مَا كَانُوا يَعْرِفُونَهَا مِنْ قَبْلُ؛ عَبَّدَتْ لَهُمْ طُرُقَ الْفَسَادِ، وَدَلَّتْهُمْ عَلَى أَمَاكِنِهَا، وَيَسَّرَتْ لَهُمْ فِعْلَ الْفَوَاحِشِ، وَهَوَّنَتْهَا فِي نُفُوسِهِمْ.

 

لَقَدْ كَانَ أَجْمَلَ وَصْفٍ وُصِفَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ: وَصْفُ الْغَفْلَةِ (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ الغَافِلَاتِ المُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور: 23]  غَافِلَاتٌ عَنْ طُرُقِ الْفَوَاحِشِ وَالزِّنَا، فَأَزَالَتْ وَسَائِلُ الْإِعْلَامِ هَذِهِ الْغَفَلَةَ، حَتَّى صَارَ يُعْرَضُ فِي الْمُسَلْسَلَاتِ وَالْأَفْلَامِ وَالْأَغَانِي الْمُصَوَّرَةِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْغَرَامِ وَمُقَدِّمَاتِ الزِّنَا، وَأَلِفَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ رِجَالًا وَنِسَاءً تِلْكَ الْمَشَاهِدَ، بَلْ وَأَلِفَهَا الْأَطْفَالُ.

 

ثُمَّ لَمَّا أَنْعَمَ اللهُ -تَعَالَى- عَلَى الْبَشَرِ بِالِاتِّصَالَاتِ أَمْكَنَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْمَعَ صَوْتَ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ عَنْهُ وَيُحَادِثَهَا، فَسَهُلَ وُصُولُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ.

 

ثُمَّ لَمَّا جَاءَتِ الشَّبَكَةُ الْعَالَمِيَّةُ قَذَفَتْ بِآلَافٍ مِنَ الْأَفْلَامِ الْخَلِيعَةِ وَالْقَصَصِ الْمَاجِنَةِ فِي مَوَاقِعَ صُنِعَتْ لِبَثِّ الْفَوَاحِشِ، وَدَعْوَةِ النَّاسِ إِلَيْهَا، وَتَعْلِيمِهِمْ إِيَّاهَا، يَخْلُو بِهَا الْفَتَى أَوِ الْفَتَاةُ فِي غُرْفَتِهَا حَتَّى تُزِيلَ غَفْلَتَهَا، وَتَعْرِفَ طُرُقَ الْفَوَاحِشِ لِمُمَارَسَتِهَا.

 

ثُمَّ لَمَّا جَاءَتْ شَبَكَاتُ التَّوَاصُلِ الْجَمَاعِيِّ، وَصَارَ مَنْ يُشَارِكُ فِيهَا يَنْتَحِلُ اسْمًا غَيْرَ اسْمِهِ؛ عَظُمَتِ الْمُجَاهَرَةُ بِالْفَوَاحِشِ وَبَثِّهَا، وَتَوَاصَلَ بِهَا أَهْلُ الْفَوَاحِشِ وَالشُّذُوذِ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ لِأَمْنِهِمْ مِنَ الْفَضِيحَةِ، فَفُتِحَتْ طُرُقٌ مِنْ عَظَائِمِ الْفَوَاحِشِ كَانَ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلِينَ، فَصَارَ صِغَارُهُمْ يَعْلَمُهَا قَبْلَ كِبَارِهِمْ، وَتَجَرَّأَتْ عَلَى اقْتِحَامِهَا نِسَاؤُهُمْ قَبْلَ رِجَالِهِمْ، وَوُجِدَ فِيهِمْ مَنْ يُجَاهِرُ بِالْفَوَاحِشِ، وَيُفَاخِرُ بِهَا، وَيَدْعُو إِلَيْهَا.

 

وَوُجِدَ فِيهِمْ مَنْ يَقُصُّ عَلَى النَّاسِ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا مَاذَا فَعَلَ؟ وَكَيْفَ فَعَلَ؟ فَتَعَلَّمَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَاجْتَرَأَ مَنْ كَانَ هَيَّابًا، وَهِيَ فِتَنٌ يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَصَدَقَ فِي هَذَا الزَّمَنِ أَنَّ وَصْفَ الْغَفْلَةِ الْمَحْمُودَ انْتَقَلَ مِنَ الشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ إِلَى الشِّيبِ وَالْعَجَائِزِ؛ فَهُمْ فِي غَفْلَةٍ عَمَّا يَغْزُو بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَوَاحِشِ وَالْآثَامِ وَالشُّرُورِ.

 

وَصَاحَبَ هَذَا الطُّوفَانَ الْجَارِفَ مِنَ الْفَسَادِ وَالْإِفْسَادِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْفَوَاحِشِ تَهَتُّكٌ فِي اللِّبَاسِ فِي فِئَةِ الشَّبَابِ مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، وَصَارَتِ الْبِنْتُ تَلْبَسُ عِنْدَ مَحَارِمِهَا مِنَ اللِّبَاسِ الْخَلِيعِ أَوِ الضَّيِّقِ مَا يُغْرِيهِمْ فِيهَا، وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهَا، مَعَ مَا تَكْسِرُهُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ هَيْبَةِ النَّظَرِ إِلَى مَحَارِمِهِم نَظَرَ شَهْوَةٍ، وَالشَّابُّ صَارَ لَا يَتَحَفَّظُ فِي لُبْسِهِ عِنْدَ مَحَارِمِهِ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الشَّرِّ مَا فِيهِ.

 

لَقَدْ كَانَتِ الْعَجُوزُ تَلْبَسُ الثَّوْبَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ مُبَالَغَةً فِي السِّتْرِ، وَتُجَلِّلُ نَفْسَهَا بِالْأَغْطِيَةِ الْفَضْفَاضَةِ، فَلَا يَرَى مَحَارِمُهَا عِنْدَ زِيَارَتِهَا إِلَّا وَجْهَهَا وَأَطْرَافَ يَدَيْهَا، وَتُبَالِغُ فِي تَسَتُّرِهَا وَحِشْمَتِهَا وَهِيَ جَالِسَةٌ حَتَّى تَسْتُرَ عَنْهُمْ بَاطِنَ قَدَمَيْهَا.

 

أَمَّا الْآنَ فَالْبِنْتُ الْفَاتِنَةُ الْجَمِيلَةُ تُبْدِي مِنْ جَسَدِهَا عِنْدَ مَحَارِمِهَا أَكْثَرَ مِمَّا تُخْفِي، وَالْغَفْلَةُ قَدْ زَالَتْ، وَتَعَلَّمَ النَّاسُ طَرَائِقَ مِنَ الْفَوَاحِشِ مَا كَانَتْ تَخْطُرُ عَلَى بَالِهِمْ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يُقْلِقَ الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ.

 

إِنَّ التَّرْبِيَةَ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْخَوْفِ مِنَ اللهِ -تَعَالَى-، وَغَرْسَ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَتَعْظِيمَ أَمْرِ الْفَوَاحِشِ، وَمُخَاطَبَةَ الْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ بِذَلِكَ، وَمَعْرِفَةَ مَا فِي الْفَوَاحِشِ مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ بَاتَ أَمْرًا مُلِحًّا فِي هَذَا الزَّمَنِ، مَعَ مُرَاقَبَةِ أَلْبِسَتِهِمْ، وَمَنْعِهِمْ مِمَّا يَكُونُ خَادِشًا لِلْحَيَاءِ، سَوَاءً مِنَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ..

 

وَلَقَدِ اضْطَرَّ بَعْضُ الْأَجْدَادِ فِي بَعْضِ الْأُسَرِ أَنْ يَضَعَ كُلَّ أُسْبُوعٍ عِنْدَ زِيَارَةِ حَفِيدَاتِهِ وَسِبْطَاتِهِ جَائِزَةً لِأَكْثَرِهِنَّ احْتِشَامًا بِسَبَبِ انْتِشَارِ الْأَلْبِسَةِ الْفَاضِحَةِ لِيُرْجِعَهُنَّ إِلَى السَّتْرِ، وَفِي بَعْضِ الْأَعْرَاسِ وُضِعَتْ جَوَائِزُ لِأَكْثَرِ الْفَتَيَاتِ حِشْمَةً وَاسْتِتَارًا.

 

وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ طُوفَانَ التَّعَرِّي عِنْدَ النِّسَاءِ وَالْمَحَارِمِ يَجْتَاحُ الْمُجْتَمَعَ، وَالتَّخَفُّفُ مِنَ الْحِجَابِ صَارَ ظَاهِرَةً مَلْحُوظَةً، وَهَذَا يُنْذِرُ بِخَطَرٍ دَاهِمٍ يَفْتَحُ أَبْوَابَ الْفَوَاحِشِ عَلَى مَصَارِيعِهَا.

 

فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَمُقَدِّمَاتِهَا، وَمَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَلْيَتُبْ قَبْلَ الْمَمَاتِ؛ فَإِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان: 70].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ..

 

 

 

المرفقات

الزنا (2) مراتب الزنا

الزنا (2) مراتب الزنا - مشكولة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات