المحافظة على القيم – خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

وإن الناظر في حال المجتمعات الإسلامية اليوم يجد الصراع مشتعلًا بين فئات عدة من الناس، ومحور صراعها هي القيم والأصول والمبادئ؛ فطائفة متمسكة بما عندها من الرقي والسمو والمبادئ الإسلامية والأخلاقيات الفاضلة، ترى في الحفاظ عليها صيانة للمجتمع... وطوائف أخرى كثيرة لا تكاد تنحصر، وكلها طوائف زائغة ضالة تائهة...

 

لقد صدق أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 

ونقصد بالقيم التي نحن بصدد الحديث عليها: "منظومة الأخلاق والمبادئ الإسلامية السامية ومجموعة الأعراف والتقاليد التي تؤازر مبادئ الشريعة الإسلامية ولا تعارضها، وكل فضيلة أخلاقية أو إنسانية تسعى إلى السمو والرقي والأوصاف التي يتفق عليها عقلاء البشر وحكماؤهم"، فإن دين الإسلام قد جاء بعد التوحيد ليقيم تلك المنظومة ويرمم من انهدم منها.

 

ولهذه القيم الأخلاقية والمجتمعية أهمية بالغة في حياطة وحماية وصيانة حياة البشر، وأيضًا تنظيمها وتحسينها وجعلها أسعد وأيسر وأجمل، فإن تلك القيم تحكم كل مجالات الحياة التي نحيها؛ فتدخل المجال العقدي الإيماني فترسخ معنى التوحيد ومبدأ إفراد الله بالعبادة، ثم ترقي القلوب وتطمئنها بالإيمانيات وتحييها على الروحانيات قبل الماديات...

 

وتنظم المجال الاقتصادي فتحرِّم الربا واستغلال حاجة الفقير والغش والتدليس والنجش... وتغرس مكان ذلك الأمانة والشفافية والحرص على الحلال والتطهر من الحرام...

 

وتدخل المجال الاجتماعي فتنقيه من كل ما يفسده من اختلاط مستهتر وخلوة محرمة وعقوق والدين وقطيعة أرحام وإيذاء جار والخيانة... ثم تنشر فيه المحبة والود والشفقة والإخاء والنقاء والفضيلة ورد الجميل... ثم لا تدع مجالًا إلا دخلته فتزرع فيه الفضيلة وتنزع منه الرذيلة.

 

***

 

والمجتمعات اليوم من حيث التمسك بالمبادئ والتفريط فيها أصناف وأنواع، فمجتمع محافظ على قيمه ومبادئه، ومجتمع مفرط فيها مضيع لها، ثم المجتمعات بين هذا درجات وطبقات...

 

وإن الناظر في حال المجتمعات الإسلامية اليوم يجد الصراع مشتعلًا بين فئات عدة من الناس، ومحور صراعها هي القيم والأصول والمبادئ؛ فطائفة متمسكة بما عندها من الرقي والسمو والمبادئ الإسلامية والأخلاقيات الفاضلة، ترى في الحفاظ عليها صيانة للمجتمع من الانحراف والزيغ والضلال، فهي الطائفة التي تحافظ على سلامة سفينة المجتمع المبحرة في بحر الأهواء والنزوات والمغريات والشهوات والشبهات وحمايتها ممن يريد خرقها، وأهلها هم قاطنوا أعلى السفينة.

 

وما أبدع وأروع ذلك التصوير النبوي الذي نقله إلينا النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا"(البخاري)، فطالما تلك الطائفة قادرة على قيادة من تحتها والأخذ على أيديهم، طالما واصلت السفينة إبحارها في سلام.

 

ولعل تلك الطائفة هي الطائفة المنصورة التي تصان بها الأرض، وهي -أيضًا- الطائفة التي يخذلها جل الناس ويتآمرون عليها، وهي كذلك الطائفة التي لا يضرها هؤلاء الخاذلون في نهاية المطاف، فعن معاوية -رضي الله عنـه- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس"(متفق عليه)، فالناس -كذلك- بخير ما دامت تلك الطائفة هي الغالبة.

 

ودون هذه الطائفة المتمسكة بالقيم والمبادئ والأصول والثوابت، طوائف أخرى كثيرة لا تكاد تنحصر، وكلها طوائف زائغة ضالة تائهة، وإن كانت تتفاوت في درجة ميلها وزيغها وضلالها، فمنهم من قصد الصراط المستقيم فأخطأه، ومنهم من عرفه لكنه كرهه وعافاه، ومنهم من لم يكرهه ولكن صعُب عليه التمسك به فتنازل عنه قطعة بعد قطعه، ومنهم من جهل به ووقع في الفتن حتى غرق فيها، ومنهم طرائق وشعب وفرق ونحل... وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "... وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة"، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي"(الترمذي، وحسنه الألباني)، فكل الطوائف هالكة؛ الكارة والجاهلة والمتنازلة والمفتونة... إلا المتمسكة بالقيم والمبادئ والأصول والثوابت فتلك هي الناجية.

 

وما أدق التمثيل القرآني: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الملك: 22].

 

***

 

والحرب في هذه الأيام التي نحياها قائمة على أشدها بين المتمسكين بالقيم وبين الناكصين المضيعين لها، ولعل سائلًا يسأل: وإن كانت القيم تعني الفضيلة والسمو والرقي والأمان والسعادة... فلما -إذن- يحاربها بعض الناس بل أكثر الناس؟! ونجيب: إن لذلك أسبابًا كثيرة، منها ما يلي:

أولًا: تزيين الشيطان: فإن بغية الشيطان وهدفه الأول أن يصطحب معه جميع البشر -إن استطاع- إلى نار جهنم: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[فاطر: 6]، وهو في سبيل تحقيق هذا الهدف يزين لهم كل قبيح ومحرم وزيغ وميل وفتنة، فزين للناس الشرك كما اكتشف ذلك هدهد سليمان: (وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ)[النمل: 24]، وهو كذلك يزين لأعداء الفضائل والقيم مقاتلة أنصارها: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ)[الأنفال: 48]، وهو في الجملة يزين لكل طغاة عتاة طغيانهم وعتوهم: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ)[العنكبوت: 38]...

 

ثانيًا: التقليد الأعمى للغرب، وطاعتهم: فمنهم من يقلد الغرب لأنه منبهر بهم يتخذهم -لجهله- مثلًا أعلى ونموذجًا يحتذى، ومنهم من يخافهم ويرهبهم ويمشي تحت طوعهم خشية من بطشهم! وعلى كلٍ فالنتيجة واحدة؛ هي التقليد الأعمى لهم من قِبل المنبهرين أو المرتعدين، وهو -بغض النظر عن سببه- أمر تنبأ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه"، قلنا يا رسول الله: اليهود، والنصارى قال: "فمن"(متفق عليه)، ومن ضمن ما قلدوهم فيه التحلل من القيم والتنكر لها وتحطيم الفضيلة وإحلال الرذيلة مكانها!

 

ثالثًا: اتباع الهوى والشهوات: فإن اتباع الهوى ضلال، أوما قال الله -عز وجل- لنبيه داود -عليه السلام-: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)[ص: 26]، وما تنكر قوم لقيمهم وأهملوا صلاتهم إلا حين اتبعوا شهواتهم ونزواتهم، وتأمل قول الجليل -سبحانه وتعالى-: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مريم: 59]، فهو الهوى يعمي ويضل ويغري بالتفريط في قيم الإنسان وبيع مبادئه بثمن بخس.

ثم الأسباب بعد ذلك كثيرة.

 

***

 

ومساهمة منا في ملتقى الخطباء في إعلاء مكانة القيم، والتنبيه على أهميتها وضرورتها، والتحذير من تضييعها أو إهمالها... قد عقدنا هذه المختارة وجمعنا فيها من الخطب ما هو كفيل -إن شاء الله- في تنبه غافل وإيقاظ نائم وإفاقة مخدَّر... فإليك:

 

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
العنوان
غياب القيم في ظل الفتن 2012/02/19 6465 1161 28
غياب القيم في ظل الفتن

وفي هذا الأوانِ العَصيب استناخَ الظلمُ ليلاً حالِكًا في طُغاةٍ سامُوا شُعوبَهم الظلمَ والاستِبداد، والطُّغيانَ والاستِعباد، وصمُّوا عن صوتِ الحقِّ والرشاد، ولجُّوا في الجُحودِ والعِناد. فيا للهِ! كيف ضاعَت القِيَم وغابَت الشِّيَم؟! أين النُّهَى والرأيُ الأسَدُّ؟! حَتامَ الارتِكاسُ في مُستنقَع الطُّغيان والبطشِ الأشَدِّ! حتى غدَت تلك الرُّبَى الشَّهباء والخمائِلُ الفَيحاء بين الأنقاضِ والأشلاءِ، وأهوالِ الدموعِ والدماءِ ..

المرفقات

القيم في ظل الفتن

المرفقات
بوست074-المحافظة-على-القيم-01.jpg
بوست074-المحافظة-على-القيم-02.jpg
التعليقات
زائر
18-02-2021

السلام عليكم

خطبة طيبة جزى الله الخطيب خير الجزاء 

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life