المؤمن الحق لا يعيش بلا قيم

أحمد شريف النعسان

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ مكانة الأخلاق الحسنة في الإسلام 2/ بعض ثمار الأخلاق الحسنة 3/ المؤمن صاحب أخلاق حسنة وقيم سامية 4/ رمضان فرصة للتحلي بالأخلاق الحسنة

اقتباس

إنَّ للأخلاقِ الفَاضِلَةِ في دِينِنَا العَظِيمِ مَكَانَةٌ سَامِيَةٌ وعَالِيَةٌ, وهيَ حَجَرُ الأَسَاسِ لِبِنَاءِ المُجتَمَعِ المُتَمَاسِكِ, وهيَ المَدَارُ العَظِيمُ لِتَزكِيَةِ النَّفسِ, وهيَ دَعوَةُ الأنبِيَاءِ والمُرسَلِينَ، وعِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ. لذلكَ دَعَا إسلامُنَا إلى كُلِّ خُلُقٍ كَرِيمٍ, ونَبَذَ كُلَّ خُلُقٍ ذَمِيمٍ, ورَبَّى أَتبَاعَهُ على ذلكَ, فَسَمَا بِهِم إلى ..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فيَا عِبَادَ اللهِ: إنَّ للأخلاقِ الفَاضِلَةِ في دِينِنَا العَظِيمِ مَكَانَةٌ سَامِيَةٌ وعَالِيَةٌ, وهيَ حَجَرُ الأَسَاسِ لِبِنَاءِ المُجتَمَعِ المُتَمَاسِكِ, وهيَ المَدَارُ العَظِيمُ لِتَزكِيَةِ النَّفسِ, وهيَ دَعوَةُ الأنبِيَاءِ والمُرسَلِينَ وعِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ.

 

لذلكَ دَعَا إسلامُنَا إلى كُلِّ خُلُقٍ كَرِيمٍ, ونَبَذَ كُلَّ خُلُقٍ ذَمِيمٍ, ورَبَّى أَتبَاعَهُ على ذلكَ, فَسَمَا بِهِم إلى الأقوَالِ والأفعَالِ الرَّشِيدَةِ والسَّدِيدَةِ, فَكَانَت هذهِ الأُمَّةُ أُمَّةَ الأخلاقِ والقِيَمِ, رَغْمَ أَنفِ كُلِّ مَن أَسَاءَ إلى دِينِنَا بأقوَالِهِ وأفعَالِهِ؛ لأنَّ الغَايَةَ التي بُعِثَ من أَجلِهَا سَيِّدُنا رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- هيَ إتمَامُ مَكَارِمِ الأخلاقِ, فقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ".

 

وفي رِوَايَةِ القضاعي: "لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأخلاقِ" [رواه الحاكم والإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-].

 

يَا عِبَادَ اللهِ: إنَّ للأخلاقِ الحَسَنَةِ ثِمَاراً يَنتَفِعُ بِها صَاحِبُهَا دُنيا وأُخرَى, من ثِمَارِ الأخلاقِ الحَسَنَةِ:

 

أولاً: دَلِيلُ كَمَالِ الإيمَانِ, ورُسُوخِ اليَقِينِ في الجَنَانِ, قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً, وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقاً" [رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-].

 

ثانياً: والمُتَحَلِّي بالأَخلاقِ الحَسَنَةِ والمُتَجَمِّلُ بِهَا جَلِيسُ سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- يَومَ القِيَامَةِ, قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقاً" [رواه الترمذي عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-].

 

ثالثاً: بالأخلاقِ الحَسَنَةِ الفَاضِلَةِ يَبلُغُ العَبدُ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الذي لا يُفطِرُ أبَداً, والقَائِمِ الذي لا يَفتُرُ أبَداً, قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ" [رواه الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عنها-].

 

رابعاً: بالأخلاقِ المَرضِيَّةِ يَثقُلُ مِيزَانُ العَبدِ يَومَ القِيَامَةِ, قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ, وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ" [رواه الترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-].

 

يَا عِبَادَ اللهِ: يَجِبُ على الإنسَانِ المُؤمِنِ الحَقِّ أن لا يَعِيشَ على هَامِشِ الحَيَاةِ الدُّنيا, ويَحيَا فِيهَا بلا قِيَمٍ ولا أخلاقٍ مَرضِيَّةٍ, بل يَجِبُ عَلَيهِ أن يَعلَمَ أنَّهُ صَاحِبُ رِسَالَةٍ يُتَرجِمُهَا عَمَلاً وسُلُوكاً يَرَاهُ النَّاسُ على أرضِ الوَاقِعِ صِدْقاً وعَدْلاً, قَولاً وعَمَلاً: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].

 

يَا عِبَادَ اللهِ: المؤمِنُ الحَقُّ يَتَمَثَّلُ الأخلاقَ المَرضِيَّةَ في أقوَالِهِ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة: 83].

 

ويَتَمَثَّلُ الأخلاقَ المَرضِيَّةَ في أفعَالِهِ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: 34].

 

يَا عِبَادَ اللهِ: شَهرُ رَمَضَانَ شَهرٌ لِتَقوِيَةِ النَّفسِ على الصَّبرِ والأنَاةِ وعلى التَّحَلِّي بالأخلاقِ المَرضِيَّةِ, ومن خِلالِ هذا جَاءَ هَدْيُ سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ, فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ, وَإِن امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ -مَرَّتَيْنِ- وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ -تَعَالَى- مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ, يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي" [رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-].

 

قَابِلِ العُنفَ بالرِّفْقِ, وقَابِلِ السَّبَّ بالحِلْمِ, وقَابِلِ الإسَاءَةَ بالإحسَانِ, وأَنتَ تَتَذَكَّرُ قَولَ اللهِ -تعالى-: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النور: 22].

 

 

يَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا على ثَغرٍ من ثُغُورِ الإسلامِ, اللهَ اللهَ أن يُؤتَى الإسلامُ من قِبَلِنَا, عَلَينَا بِضَبْطِ الأقوَالِ والأفعَالِ؛ لأنَّ من ضَبَطَ أقوَالَهُ وأفعَالَهُ لن يَندَمَ, ولن يَحتَاجَ إلى اعتِذَارٍ لا في الدُّنيا ولا في الآخِرَةِ, وعَلَيكُم بالأخلاقِ المَرضِيَّةِ لِنَفُوزَ بِسَعَادَةِ الدَّارَينِ، اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لذلكَ، آمين.

 

أقُولُ هَذا القَولَ, وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم, فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

المرفقات

الحق لا يعيش بلا قيم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات