"إنا كفيناك المستهزئين" - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

وعلى مرور الأزمنة وتلاحقها وتعاقبها قام ألف أبو لهب، وألف أم جميل، وألف أبو جهل، وألف عتبة... كلهم يريد أن ينتقص من ضوء الشمس أو من رفعة السماء أو من سمو النجوم! فلا يستطيعون؛...

ما سلم زمان من الأزمان من يوم أن بعث الله -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا من شانئ وحاقد وكاره يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويسبه ويعيبه افتراءً وبهتانًا وظلمًا، وما كان مصير جميع من فعل ذلك إلا اللعنة والشقاء في الدنيا والآخرة.

 

ففي زمانه وحياته قام أكابر المجرمين من قريش يعادونه -صلى الله عليه وسلم- ويسبونه ويؤذونه، بداية من أبي لهب الذي قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- من أول أيام جهره بالدعوة: "تبًا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟"(متفق عليه)، ومرورًا بزوجته أم جميل التي بالغت في إيذائها للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فحل عليهما الشقاء الأبدي إلى يوم القيامة: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)[المسد: 1-5].

 

ولقد كفى اللهُ -عز جل- نبيَه -صلى الله عليه وسلم- سب أم جميل هذه؛ إذ أقبلت "ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول: مذممًا أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- جالس في المسجد ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله، قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنها لن تراني"، وقرأ قرآنًا فاعتصم به.. فوقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"(رواه الحاكم)... وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذممًا، ويلعنون مذممًا وأنا محمد"(رواه البخاري).

 

وعايروه -صلى الله عليه وسلم- بأنه لا يعيش له ولد ذكر، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لما قدم كعب بن الأشرف مكة أتوه فقالوا: نحن أهل السقاية والسدانة، وأنت سيد أهل مكة، فنحن خير أم هذا الصنبور (أي: لا ولد له) المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا؟ فقال: أنتم خير منه، فنزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)[الكوثر: 3](رواه الهيثمي في موارد الظمآن).

 

وهذه المرة يجتمع على رسول الله صناديد الكفر من المستهزئين فيكفيه الله شرهم جميعًا؛ فعن ابن عباس، في قوله: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)[الحجر: 95]، قال: "المستهزئون: الوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب، وأبو زمعة من بني أسد بن عبد العزى، والحارث بن عيطل السهمي، والعاص بن وائل، فأتاه جبريل -عليه السلام- فشكاهم إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأهلكهم جبريل رجلًا رجلًا(تنظر: السنن الكبرى للبيهقي، وقد أورده الألباني في صحيح السيرة النبوية).

 

وعلى مرور الأزمنة وتلاحقها وتعاقبها قام ألف أبو لهب، وألف أم جميل، وألف أبو جهل، وألف عتبة... كلهم يريد أن ينتقص من ضوء الشمس أو من رفعة السماء أو من سمو النجوم! فلا يستطيعون؛ فكيف لذبابة تافهة أن تسامي الأفلاك السائرات! وما زال الله -تعالى- يكبت خصوم نبيه -صلى الله عليه وسلم- ويخزيهم وينصره عليهم، مع ما ينتظرهم في الآخرة من العذاب والنكال: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[التوبة: 61]، وقال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا)[الأحزاب: 57].

 

***

 

ولعل آخر هؤلاء الشانئين الحاقدين هم أولئك الجهلاء المفترون من الحزب الحاكم في الهند؛ إذ خرج علينا في هذا الشهر الحرام؛ شهر ذي القعدة لعام 1443هـ، اثنان من متحدثي الحزب رجل وامرأة يتطاولون على عرض نبينا -صلى الله عليه وسلم-، كلاهما يعرِّض برسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-؛ كيف يتزوج بـ"طفلة" أصغر من بناته!

 

وما هم إلا جهلة يهرفون بما لا يعلمون؛ فما اختارها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه، بل اختارها له ربه -سبحانه-، ففي الصحيحين أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لأم المؤمنين عائشة: "أريتك في المنام ثلاث ليال، جاءني بك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي، فأقول: إن يك هذا من عند الله، يمضه".

 

وإن كان -صلى الله عليه وسلم- قد تزوجها وهي في التاسعة من عمرها، فلم تكن أبدًا طفلة، بل كان هذا هو السن الطبيعي للزواج ساعتها؛ بدليل أن أهل قريش -مع حرصهم على عيب النبي صلى الله عليه وسلم بما استطاعوا- لم يعيروه بتلك الزيجة...

وبدليل أن أم المؤمنين عائشة كانت مسماة لرجل آخر قبل خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم لها؛ ففي "صفة الصفوة" لابن الجوزي قال: "كانت مسماة لجبير بن مطعم فخطبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: دعني حتى اسلها من جبير سلا رفيقاً...".

 

أيضًا فقد كان من المألوف ساعتها زواج الكبير من صغيرة؛ فقد عرض عمر الفاروق حفصة ابنته حين ترملت على أبي بكر الصديق وهو أسن منه، وكذا عرضها على عثمان وهو أكبر من ابنته بكثير... والرد على هذه الشبهة طويل، وليست هذه المقدمة المختصرة بمقام للتفصيل.

 

ولقد ثارت ثائرة المخلصين من المسلمين لنبيهم -صلى الله عليه وسلم-، فقامت دول إسلامية باستدعاء سفير الهند وتسليمه احتجاجًا رسميًا على ذلك التعدي، وقامت هيئات ومنظمات ورموز إسلامية بإصدار البيانات الشاجبة والمنددة بكلامهم الخبيث، وثارت ثائرة الشعوب دفاعًا عن جناب نبيها -صلى الله عليه وسلم-... فهنيئًا لمن منَّ الله عليهم فاستعملهم في الذود عن أطهر الخلق عن خاتم رسله محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

ومع أن هذا منهم ممدوح محمود يثابون عليه إن شاء الله، إلا أنه لا يكفي، بل يجب على الأمة وعلى علماء الأمة وقادتها أن يتخذوا مزيدًا من الإجراءات العقابية للمعتدين حتى يرتدع كل سفيه عن التطاول على قممنا وثوابتنا الإسلامية.

فأولًا: يجب على أمتنا مقاطعة البضائع الهندية بجميع أشكالها وأنواعها، بل ومنعها من الدخول إلى بلادنا من الأصل، كما يجب على التجار فسخ عقودهم التجارية مع أي جهة أو منظمة هندية.

 

ثانيًا: يجب على باقي الدول الإسلامية أن تحذوا حذو أخواتها؛ فتستدعي السفير الهندي وتوصل إليه الرفض القاطع لما صدر من الحزب الحاكم في بلاده، وطلب الاعتذار الرسمي العلني عما بدر منهم.

 

ثالثًا -وهو الأهم- يجب على الأمة العودة إلى دينها وأخذه من منبعيه الصافيين؛ من القرآن السنة، فما تجرأ علينا أعداؤنا إلا حين ابتعدنا عن هديهما.

 

رابعًا: نشر سيرة نبينا -صلى الله عليه وسلم- وشمائله وأخلاقه، وإعلام العالم كله بها، وبصحيح ديننا وإسلامنا، فلو عرف الناس نبينا -صلى الله عليه وسلم- لأحبوه وما سبوه، ولو عرفوا ديننا لاتبعوه ودخلوا في أفواجًا.

***

 

والآن وقد تكررت الإساءات للإسلام ولنبيه -صلى الله عليه وسلم- ولأمتنا الإسلامية كلها، نتساءل: ما السبب؟ ما المسوغ؟ وماذا أغراهم بنا؟!

ونجيب في غير مواربة ولا مداهنة: إنه حال أمتنا؛ نعم أحوالنا اليوم هي السبب المباشر الأول في تطاولهم على عرض نبينا -صلى الله عليه وسلم-؛ تهاوننا في أمر ديننا وغفلتنا بدنيانا، وتراخينا في الذود والدفاع عن مقدساتنا، وتشرذمنا وتفرقنا وهزيمتنا النفسية أمام أعدائنا.. كل ذلك جرَّأ أعداءنا على سب رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، وعلى اضطهاد المسلمين وازدرائهم في شتى بقاع الأرض...

 

وهؤلاء الذين يُقدِّمون العقل على النقل ويحكِّمون أفهامهم في السنة النبوية المشرفة هم سبب من أسباب البلاء... وهؤلاء الذين ينكرون السنة بالكلية ويقولون نكتفي بالقرآن وحده ويسمون أنفسهم: "القرآنيون" هم سبب من أسباب البلاء... وهؤلاء العبيد للفكر الغربي والشرقي المروجون للشيوعية والرأسمالية والوجودية وغيرها هم سبب من أسباب البلاء... وهؤلاء الذين يتبعون ما تشابه من الدين ابتغاء الفتنة هم سبب من أسباب البلاء... وهؤلاء الذين يسعون إلى الشهرة والنجومية والغنى عن طريق الطعن في ثوابت الدين هم سبب من أسباب البلاء... وهؤلاء الملحدون الناكصون عن الهدى والحق هم سبب من أسباب البلاء... وهؤلاء المتفلتون من حدود الدين المتشبهون بغير المسلمين الغارقون في الشهوات والنزوات والفجرات هم سبب من أسباب البلاء... وكذلك كل عالم لا يعمل بعلمه وكل مسئول يتخاذل في الانتصار لنبيه -صلى الله عليه وسلم- هو سبب من أسباب البلاء...

 

ثم هي مصالح انتخابية وحزبية عفنة في بلاد الشرق والغرب تقود أصحابها إلى إثارة النعرات الطائفية والفتنة الدينية ضد الأقليات المسلمة بمحاولة النبيل من نبيهم -صلى الله عليه وسلم-؛ ليحصدوا أصوات الأكثرية غير المسلمة في انتخاباتهم!

 

جميع هؤلاء معتدون على جناب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومشاركون في الجريمة الشنعاء ومتسببون في الكيد والاضطهاد لأهل الإسلام، ووالغون في دم كل مسلم يُقتل في فتنة دينية يُستضعف فيها المسلمون... ثم جميعهم موقوفون ومسئولون أمام الجليل -سبحانه وتعالى- يوم القيامة عن تخاذلهم أو تواطئهم.

 

وفيما يلي أصوات حق انتصرت لنبيها -صلى الله عليه وسلم- ولدينها ولقرآنها ولسنتها، فلتنصتوا إلى كلماتهم.

 

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
الخطبة العاشرة:
الخطبة الحادية عشر:
الخطبة الثانية عشر:
الخطبة الثالثة عشر:
الخطبة الرابعة عشر:
الخطبة الخامسة عشر:
العنوان
جريمة الاستهزاء بالله والقرآن والرسول 2021/01/27 2257 664 3
جريمة الاستهزاء بالله والقرآن والرسول

أيها المؤمنون: إنَّ ديننا الإسلام دينٌ عظيم مبني على التعظيم؛ التعظيم لله -عزَّ وجل-، والتعظيم لشرعه، ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج: 32]، وكلما قويَ التعظيم في القلب أذعن وانقاد واستسلم وأطاع، وإذا انحلَّ القلب من التعظيم تمرَّد على هذا الدين، بل وتحوَّل عبداً ساخراً مستهزئاً متهكما. إننا لا نتصور وجود شخص في ديار الإسلام يكتب كلاماً فيه...

المرفقات

جريمة الاستهزاء بالله والقرآن والرسول.doc

التعليقات
زائر
09-06-2022

الهندوس أعداء الإسلام  يجب علينا نقاطعهم  كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمح لابي أبو لولو المجوسي للشغل في المدينة هو الذي قتل عمر بن الخطاب رضي الله أطردوا كفار الهند من المملكة العربية السعودية خاصة والدول العربية  الإسلامية عامة 

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life