اقتباس
لا شك أن مرحلة الطفولة من أهم المراحل في عمر الإنسان؛ لأن آثارها تمتد معه حتى وفاته.. الطفل عجينة لينة في يد الآباء والمربين يشكلوه فيتشكل بلا معاندة ولا معارضة؛ فتراه يصدّق كل ما يسمع، ويقبل...
لا شك أن مرحلة الطفولة من أهم المراحل في عمر الإنسان؛ لأن آثارها تمتد معه حتى وفاته، فالمرء على ما عُوِّد صغيرًا، فينشأ كريمًا أو بخيلاً، هادئًا أم عصبيًّا، محترمًا أو سليط اللسان، وكل ما يمر به الإنسان إنما هو تأثير الانطباعات التربوية الأولى، ولذا أجمع الخبراء والتربويون على أن تأثيرات التربية الأولية عميقة على الطفل، تطبع حياته، وتعوده على الخيرات أو الرذائل، بحسب التنشئة.
الطفل عجينة لينة في يد الآباء والمربين يشكلوه فيتشكل بلا معاندة ولا معارضة؛ فتراه يصدّق كل ما يسمع، ويقبل العقائد والأفكار والعادات المختلفة دون جدال؛ يثق بوالديه ثقة مطلقة، فهما من وجهة نظره يتمثل فيهما معالم الصدق والشجاعة والشهامة والأمانة.. فلا يخطر على باله أنهما قد يلقنانه الضلال، أو يعلمانه الخطأ، أو يكذبان عليه ويغشّانه، فلذلك فهو يأخذ عنهما ويقلدهما من دون تردد، وبلا تحفّظ. وليس أصدق وصفًا لهذه الأثر التربوي الأولي على الأطفال من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟!" ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)"(متفق عليه).
حقوق الأطفال: للطفل على والديه حقوق كثيرة، ومن أهم واجبات الأولياء والمربين تجاه الأطفال في هذه المرحلة السنية المبكرة:
1- حسن اختيار الأم؛ إذ هي الحاضنة والمربية وحسن اختيارها يساهم في تربية أطفال أسوياء، وكذا حسن النية في تكوين الأسرة، واختيار اسم حسن له، لا يُعير به بين أقرانه، والاعتناء بمطعمه ومشربه وملبسه من حلال ووقايته من كل ما يؤذيه، ويضر بصحته النفسية والبدنية.
2- الحرص على تعليمهم العلم النافع، من القرآن الكريم والسنة المطهرة، إذ من المعلوم أن مرحلة الطفولة وزمن الصبا يعتبر أقوى وأفضل الأوقات للحفظ.
3- غرس معالم الرجولة والأخلاق الحميدة، فلا مانع من تكنية الصغير ومناداته بأبي فلان أو الصغيرة بأمّ فلان فهذا ينمي الإحساس بالمسئولية، ويُشعر الطفل بأنه أكبر من سنه فيزداد نضجه، ويرتقي بشعوره عن مستوى الطفولة المعتاد، ويحس بمشابهته للكبار.
4- تعويده على مجالسة الكبار للاستفادة من عقلهم وتجاربهم، وأخذه للمجامع العامة، وإجلاسه مع الكبار، وتعليمه الأدب في التعامل مع الكبار أيضًا، فهذا مما يزيد في عقله، ويحمله على تقليد الكبار، ويرفعه عن الاستغراق في اللهو واللعب، وكذا كان الصحابة يصحبون أولادهم إلى مجلس النبي –صلى الله عليه وسلم- إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ.. الحديث (رواه النسائي وصححه الألباني).
5- الأكل من الحلال الطيب، وإطعام الأبناء من حلال من أفضل الوسائل المعينة على حسن تربيتهم واستقامتهم ووقايتهم من الحرام، فالحلال بركة في الأسر والأبناء والحرام شؤم ينزع البركة ويحل السخط.
6- تربيتهم على البطولة وشغلهم بالمفيد النافع، ومن ذلك تحديثهم عن بطولات السابقين واللاحقين والمعارك الإسلامية وانتصارات المسلمين، لتعظم الشجاعة في نفوسهم، وهي من أهم صفات الرجولة، ولئلا ينشغلوا بالمباريات والمسابقات الفنية ومواقع الإنترنت السيئة وغيرها.
ومن ذلك أيضًا: تعليمهم الرياضات النافعة، كالرماية والسباحة وركوب الخيل، وتجنيبهم أسباب التخنث، والاهتمام بالحشمة في ملابسه، وإبعاده عن الميوعة في الأزياء وقصّات الشّعر والحركات والمشي. ومن ذلك أيضًا: إبعاده عن التّرف والكسل والرّاحة والبطالة، وتجنيبه مجالس اللهو والباطل والغناء والموسيقى؛ فإنها منافية للرّجولة ومناقضة لصفة الجد.
أحوال الطفولة حول العالم: إن الإسلام الحنيف قد سبق أمم الشرق والغرب في وضع قواعد وأطر تحمي الطفل، فمنع الاعتداء عليه أو قتله، أو إسقاطه وهو جنين، وألزم في الاعتداء عليه الدية والكفارة، وأباح للأم أن تفطر في نهار رمضان عندما يحتاج جنينها أو طفلها للغذاء والرضاع، فلا تصوم من أجل الاعتناء بصحة الطفل جنينًا ورضيعًا، واهتم الإسلام بتسمية الطفل وتربيته وتعليمه والصدق معه، واللطف به، ورعايته، واللعب معه، والابتسامة في وجهه وتقبيله واحتضانه، وجعل ذلك من صفات الرحماء من الخلق. واليوم والأمس شهد العالم الغربي المعاصر اهتمامًا متأخرًا بحقوق الطفل، وعقدوا اتفاقيات كثيرة تحث على التزام الدول برعاية حقوق الأطفال، والغريب أن بلادًا كثيرة في العالم الثالث وفي بورما والفلبين وبلاد الشام يموت الأطفال غرقى وتحت الهدم بسبب الصواريخ التي تدمر بيوتهم، ويموتون جوعًا وعطشًا وعريًّا، رغم مزاعم هذه الدول برعاية حقوق الأطفال!!
وإن المسلمين اليوم لهم في أشد الحاجة إلى رعاية الأطفال وحسن توجيههم والصبر عليهم، وإدراك عظمة هذا الدين وسبقه في رعاية الطفولة والأمومة، وألا يعيشوا انهزامًا نفسيًّا، وعليهم في المقابل أن يكونوا أكثر اعتناء بأطفالهم. إن الأبناء من عمر عامين إلى منتصف المرحلة المتوسطة بحاجة إلى ملاعبة ومداعبة واللهو المباح معهم، مع غرس مبادئ الإسلام وآدابه فيهم أثناء هذا اللعب وبعده، وهذا مما يسعد الأبناء ويزيدهم ثقة في نفوسهم، ويعلي من قيمتهم، وإذا حدث ذلك سعد الآباء بأبنائهم كبارًا وتجاوزا مرحلة المراهقة بأمان وسلام، فهل نعنى بهم لئلا نفقدهم؟! ومن أجل معالجة هذا الموضوع وضعنا بين يديك أخي الخطيب الكريم هذه الخطب المنتقاة، ونسأل الله لنا ولكم الإخلاص والقبول وحسن الخاتمة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم