اقتباس
والآن نقول لشبابنا: احترسوا ، تيقظوا، احذوا، انتبهوا لما يراد بكم من قِبَل أعدائكم، إنهم يريدون تضييعكم وهلاككم، فهل أنتم فاعلون لهم ما يريدون، هل أنتم مستسلمون لمكائدهم؟! شبابنا قوموا إلى تعلم دينكم وإلى بناء حضارة أمتكم، تساموا فوق التوافه واطلبوا كل عال وثمين وغال، وتذكروا قول نبيكم -صلى الله عليه وسلـم-: "إن الله -عز وجل- يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها"...
كنت ترى ذلك الشاب قويًا فتيًا مرحًا مقبلًا على حياته حريصًا على ما ينفعه، وإذا دخلت المسجد ربما وجدته قد سبقك إليه، يدعو له والداه في الصباح وفي المساء، يحبه معلموه ويحترمه زملاؤه، ويفرح به كل من التقاه وكلَّمه... كأن نضرة النعيم على وجهه، وكأن أخلاقه أخلاق الملائكة، وكأنه -من رقته ورهافة حسه- روح قد تخففت من أوضار الجسد... لكنْ، ما له قد تغيَّر حاله! ما للونه قد شحب ووجهه قد ذبل وبريق عينيه قد خبا! لماذا يبكي كل من رآه حسرة عليه وأسى؟! فلقد اعتزل المساجد فكأنه نسي طريقها، ولقد هجر الدراسة حتى تخلف في الفصول الدراسية، ولقد نفر منه زملاؤه بعد أن كانوا يتمنون مصاحبته، ولقد غضب عليه والداه بعد جم رضاهما عنه، ماذا حدث له؟ ما جرى له؟!... قالوا: عرف طريق المخدرات، وقد أدمن على المسكرات! وضاع ذاك الشاب، وكل يوم يضيع مثله شباب كثيرون من شباب المسلمين، حتى لقد أصبح جل شبابنا بل ورجالنا "غثاء كغثاء السيل" كما قالها رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-!
تلك كانت العاقبة والنتيجة والنهاية، فدعونا نبدأ من البداية... كانت الأمة الإسلامية أمة قوية متيقظة عاملة نشيطة، ليس لأعدائها عليها سلطان، قد غزوها بالسلاح وبالقوة في سِنة غفلة أصابتها فشقوا؛ فما هي إلا جولة وينتبه المسلمون ويثور إيمانهم وتشتعل نخوتهم وإباؤهم، فيطردون المعتدي ويذيقونه الويلات في صلابة وبسالة لم يروها في غيرهم، فحار العدو؛ أي شيء يُنبِت هذا العزم داخل قلوبهم ويرويه ويرعاه حتى يصير عزيمة عملاقة يستحيل سحقها أو قمعها؟! ولم يحاروا طويلًا؛ فإن الأمر واضح جلي؛ إنه تمسكهم بدينهم. ومن يومها وقد دأبوا على إبعاد المسلمين عن دينهم بكل طريقة، أما السلاح والقوة الغاشمة القاهرة، فإنها تُمسِّكهم بدينهم وتردهم إليه ولا تبعدهم عنه، إذن إنها الملهيات والمغريات والمسكرات والمخدرات التي تغيِّب العقل وتطمس القلب وتصد عن ذكر الله وتفصل المرء عن ربه وتعزل المسلم عن إسلامه! وبدأت المؤامرة الخبيثة الماكرة على الأمة الإسلامية؛ مؤامرة لها عدة أركان أساسية منها:
الركن الأول: الإلهاء بالتوافه: إلهاء الذكور بالإناث والإناث بالذكور وتسعير الشهوات بـ"النت" والفضائيات والإباحيات، إلهاء بالأزياء والموضات والعري ولفت الأنظار، إلهاء بالهواتف والشاشات وتقنيات الرفاهية ومواقع التواصل... إلهاء بكل تافه وحقير وبكل ما لا يفيد وبكل ما يضيع الأوقات والأعمار!
الركن الثاني: تشكيك في الثوابت: فإذا انشغل المسلمون بالتوافه ولهو بها عن القرآن والدين والشريعة والعلم وانتشرت بينهم الأمية الدينية، صار الطريق ممهدًا لضرب أصول الدين وثوابته، وللطعن في أئمة الدين ونقلته، بِدْءًا من الصحابة والخلفاء إلى التابعين إلى العلماء والمحدثين... فيطعنون في الرواة ولو من الصحابة كتلك الحملة ضد أبي هريرة وابن عمر -رضي الله عنهم- ويطعنون في المحدثين والمخرجين كذلك الغثاء الذي نسمعه كل يوم عن البخاري ومسلم وعن غيرهما ممن حفظ الله بهم السنة النبوية... هذا فريق من الخبثاء.
أما الفريق الآخر فيشكك في أحكام الشريعة، ويهرف بما لا يعلم وينعق بما لا يعقل من ترهات أسياده من الكفرة والملحدين، فيقولون: التمسك بالدين رجعية وتخلف -وهم المتخلفون-! ويقولون: صيام رمضان تعطيل للإنتاج وحرمان لا طائل من ورائه! ويقولون: الحجاب تشوية لصورة المجتمع وردة إلى الوراء وتعويق للاستفادة من طاقات المرأة! ويقولون: نظام الميراث الإسلامي ظالم للمرأة مهدر لحقوقها وكرامتها؛ إذ يعتبرها كائنًا أدنى من الرجل....
الركن الثالث: إيهان الأبدان، وتفريق الصفوف: فأبدان المسلمين وصحتهم وأجسامهم وعقولهم وطاقاتهم تُستهدَف اليوم بالمسكرات والمخدرات بمختلف أنواعها وصورها، إهدار للطاقات وتضييع للشباب وتدمير للأبدان وضمور للعقول، فإن قال نبينا -صلى الله عليه وسلـم-: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" (مسلم)، فبالمخدرات يصير ضعيفًا؛ ضعيف الدين وواهن العقل وهش الجسد... وأما تفريق الصفوف، فهي حيلة الأعداء القديمة: "فرِّق تسد"، يبثون عوامل الافتراق وسموم النزاع، يرسمون حدودًا وهمية بين بلاد المسلمين ويقطِّعون الشعوب المسلمة تقطيعًا، يثيرون العصبيات والنعرات الجاهلية والقوميات... فإنها -والله- مؤامرة:
مؤامرة تدور على الشباب *** ليعرض عن معانقة الحراب
مؤامرة تدور بكل بيت *** لتجعله ركامًا من تراب
مؤامرة تقول لهم تعالوا *** إلى الشهوات في ظل الشراب
مؤامرة مراميها عظام *** تدبرها شياطين الخراب
وإن تحدثنا عن جنودهم في هذه الحرب الخبيثة والمؤامرة الماكرة ضد المسلمين، فهم كثيرون؛ إعلاميون و"باحثون" و"مفكرون" من جلدتنا رضعوا منذ صغرهم سموم الغرب والشرق حتى انسلخوا من دينهم وارتدوا عباءة أعدائهم، ولعل هؤلاء هم الأخطر على الأمة الإسلامية اليوم. وتجار مخدرات -ولنا معهم وقفة- قد ملأ الجشع وحب المال الحرام قلوبهم، نفوسهم خبيثة ضمائرهم ميتة أفئدتهم سوداء أموالهم حرام، وهم وأزواجهم وأولادهم العالمين الراضين بأفعالهم في جهنم -والعياذ بالله-؛ أما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-: "إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به" (الترمذي)، وفي رواية: "إنه لن يدخل الجنة لحم نبت من سحت" (الدارمي).
ودعونا نقرر ونصدع في غير ما هياب ولا تردد فنقول: خائن لأمته ووطنه ودينه من علم بمن يتاجر في المخدرات ثم لم يبلغ عنه السلطات لردعه ومنعه وكف أذاهم عن المسلمين، أوما سمع أبا سعيد الخدري وهو يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- يقول: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (مسلم).
والآن نقول لشبابنا: احترسوا ، تيقظوا، احذوا، انتبهوا لما يراد بكم من قِبَل أعدائكم، إنهم يريدون تضييعكم وهلاككم، فهل أنتم فاعلون لهم ما يريدون، هل أنتم مستسلمون لمكائدهم؟! شبابنا قوموا إلى تعلم دينكم وإلى بناء حضارة أمتكم، تساموا فوق التوافه واطلبوا كل عال وثمين وغال، فإن النبي -صلى الله عليه وسلـم- قد قال: "إن الله -عز وجل- يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها" (الطبراني في الأوسط)، وكأن هذا الحديث كان بين يدي الشاعر الذي يناديكم -معشر الشباب- ويقول:
شــبــابنا هيا إلـــى المعالي *** هيا اصعدوا شوامخ الجبال
هيا اهتفوا يا معشر الرجال *** قولوا لكل الناس لا نبالي
شــبـابــنا قـد حان أن تعودوا *** لـواحـة الإيـمان كــي تسودوا
غـــدًا بـكم سيسعد الوجودُ *** ويـكـبـت الـمـسـتـعـبـد العنيد
شــبــابـنــا لا خوف يعترينا *** لا خــــوف والقرآن في أيدينا
قـــرآنــنــا درع لـنـــا يقينا *** فــإن تــمـسـكـنــا بـه هـــدينا
وإنك لن تجد آفة ولا مصيبة ولا فاقرة تصنع بالشباب مثلما تصنع المخدرات؛ فهي عن الدين تعزل، ومن بين الصالحين تطرد، توقع العداوة، وتنشر البغضاء، توهن الجسد وتضعف العقل، تضييع المستقبل وتدمر الحاضر... وصدق الله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة: 90-91]. لذا فقد جمعنا ها هنا عددًا من خطب الخطباء الذين انتبهوا لخطورة المخدرات بأنواعها، فلعلها تكون خطوة ناجحة على طريق النجاة من شرورها.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم