عناصر الخطبة
1/سمو أمة الإسلام وطهارتها 2/آفة المخدرات وتدميرها للحياة 3/بعض مخاطر المخدرات على المجتمع 4/حرص الأعداء على إماتة الوازع الديني لدي الشباب 5/بعض مخاطر المخدرات على المدمنين 6/واجبات الأفراد والحكومات تجاه المخدرات 7/وسائل الحد من المخدراتاقتباس
بينما الأمة تبني قاعدتها الراسخة، إذا بغزو جديد خبيث تديره عصائب دولية رهيبة، لا دين لها، ولا ضمير، هي سباع عادية، وكلاب عاوية، تتحرك صائلة للوصول إلى تدمير الشعوب والأمم، وإهدار طاقة الشباب، وتحطيم كيانه، وتقويض بنيانه، لتورثه الصغار والوهن، فتصبح كأنها...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وزينه بالعقل، وشرفه بالإيمان، وميزه بالعقل واللسان عن سائر الحيوان، أحمده تعالى أدبنا بالقرآن، وخاطبنا بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 90].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بالخير والإحسان، ونهانا عن الفسوق والعصيان، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، المبعوث بالحق وحسن البيان، والقائل: "وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطى"[رواه أحمد]. صلى الله عليه ما تعاقب الجديدان، وتتابع النيران.
أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
إن الأمة الإسلامية أمة ذات رسالة، جعلها الله قوامة على الأمم كلها، وعهد إليها بقيادة البشرية، وإنقاذها من الضلال إلى الهدى، فقامت على تقويم الفطرة، وتهذيب الأخلاق، ومحاربة العابثين الذين يخالفون أمر الله، ويتعدون حدوده، وتوجيههم إلى ما يصلح حالهم، ويقوم اعواجاجهم.
والبشرية جمعاء تعاني من ويلات وفتن، أنهكت قواها، وزلزلت بنيانها، وعصف بقيمها، ومنها: آفة المخدرات، التي أضحت هم شعوب وحكومات الأرض قاطبة، وغدى التصدي لها عبئاً تستقبله الضمائر الحية، بثبات وشجاعة، وصمود وتضحية.
إن هذه الأمة تنمو داخلها سراديب نفوس حقيرة، مصابة بدرن حب المال الفاحش الذي يلتمس الربح السريع، في مستنقع الرذيلة، بأي ثمن، وبأي وسيلة، متنكرة لحرمات الدين، والقيم الخلقية، ولذا اقترنت المخدرات بالعنف المسلح وبالرذيلة، وبكل وسائل السطو المادي والنفسي على الحرمات، ما ظهر منها وما بطن، مخضت النفوس، وهتكت الأعراض، ونكست رايات الفضيلة، وهدمت البيوت، وزرعت الخراب في كل مكان.
وباء المخدرات، يهدد الحضارة بالتفجير، والقيم بالزوال، والأخلاق بالتدمير، إنه داء مستتر لا تراه العين إلا باجتهاد، ولا يكتشفه البصر إلا بنصب، ولا يمكن احتواؤه إلا بجهد، وإيمان، يتسلل عبر الدروب المظلمة، والمسالك الوعرة، حتى إن أحشاء الإنسان والحيوان، اتخذت أوعية لإمراره بالمواني، ومنافذ الحدود.
بينما الأمة تبني قاعدتها الراسخة، إذا بغزو جديد خبيث تديره عصائب دولية رهيبة، لا دين لها، ولا ضمير، هي سباع عادية، وكلاب عاوية، تتحرك صائلة للوصول إلى تدمير الشعوب والأمم، وإهدار طاقة الشباب، وتحطيم كيانه، وتقويض بنيانه، لتورثه الصغار والوهن، فتصبح كأنها أعجاز نخل خاوية، لا قيمة لها.
عندما فشل الأعداء عن زعزعة إيمان الأمة، والنيل من قوتها، عمدوا إلى سلاح بشع أكثر خطراً، وإماتة وتعذيباً، من الدبابة والقنبلة، تأثيره سريع، ومفعوله مريع، فساموا الشعوب خطة خسف بالمخدرات، لتشعيب نظام المناعة في الأمة، وإسقاطها في أدواء لا تستطيع الانفكاك منها.
توخوا شباباً ضعف وازعه الديني، مع فراغ مهلك، وتفكك أسري، تيمموا شباباً فقد التوجيه والمناعة، فقل وعيه وإدراكه ونضجه، وهام على وجهه مع رفقاء السوء، في غفلة من أبيه وأمه، فوقع في شراك الدعاية السوداء، التي تثير الغرائز، وتخاطب العواطف، حين زعم أولئك أن المخدرات منسية للهموم، مسلية للنفوس، مقوية للأبدان، معوضة عن فقدان المسليات، فأضعفت هذه المخدرات أبدانهم، وأفسدت تلك السموم عقولهم، وأضاعت عليهم أموالهم، وجنوا على أولادهم بأذيتهم، وتدمير مستقبلهم، وتشويه سمعتهم، أوقعوا أنفسهم في الذلة والمهانة، وعار التسول، وجريمة السرقة، وبذلك كانوا وبالاً على أنفسهم، وشراً على ذويهم، وعالة على كاهل الأمة.
إن وراء ذلك كله أيدياً آثمة، تعمل جادة على قتل النخوة، وإماتة الغيرة، وتحطيم الشباب من أبناء الأمة، كي يستكين ويذل وينهار، فغدا هو لا يحمي بلداً، ولا يصون عرضاً، ولا يزرع أرضاً، ولا ينتج صناعة.
أبرح ما تكون الرزية، حين يفقد المدمن صلته بربه، يتجسد ذلك في عدم قدرته على أداء العبادات، إن كان مسلماً، فيغدو ضعيف البنيان، قوي الخسران، كالخرقة البالية في مهب الريح، يستجيب لكل نداء شر ورذيلة، رسالته في الحياة شهوات وملذات، وأمنيته لهو ومجون ومخدرات، وماذا يرجى ممن هذه أمنيته، وتلك رسالته؟!
إن هذا موت في الحياة قبل الممات.
إن مدمن الخمر والمخدرات، يزعزع أمن المجتمع واستقراره بما يصاحب الإدمان من مجون وفجور في نفسه، فيجلب عليه وبالاً، ويوجب به له قاصمة.
فقد أثبتت الإحصاءات العالمية: أن نسبة لا يستهان بها من جرائم الاعتداء على الغير، وعلى ممتلكات الآخرين وأعراضهم، إنما تتم بسبب مباشر وغير مباشر من تعاطي أنواعا من الخمور والمخدرات.
نعم، كم من الجرائم ارتكبت تحت تأثير الخمرة والمخدرات؟ وكم من الفواحش والآثام اقترفت في غياب عقل الإنسان وإرادته؟ وكم أعراض انتهكت؟ وكم أموال سرقت؟ وكم اعتداءات يد وقعت؟ وكم أبدان هدها المرض، وسمتها المسكرات؟ وكم أعصاب طرقت، وأتلفتها المخدرات؟ وكم عداوات تأججت نيرانها بين الأصدقاء والأقارب؟ وكم بيوت تهدمت؟
تلك حقائق روتها الأخبار المتواترة، وشهدت لها الوقائع المتناثرة.
لكن واجبنا الأساسي تجاه هذه القضية، هو: التصدي لاستئصال شأفة هذه الجرائم، ففداحة الجريمة، وبشاعة الحدث، تتطلب منا مؤازرة ومعاضدة إيمانية في بذل ما يمكن لكبح جماع فاعليه، آخذين حذرنا من المفسدين، ولنكن جميعاً رجال أمن، وحراس ثغور، لبتر الأيدي الآثمة التي تتسلل تحت جنح الظلام، وذلك بالتعاون مع الأجهزة المعنية لفضح أوكار المفسدين، وكشف أستارهم.
وقد كان العمل بهدي القرآن الكريم من قادة هذه البلاد -وفقهم الله لكل خير- مرشداً لهم إلى إنزال عقوبة الإعدام على كل مهرب.
رافق ذلك جهود العلماء العاملين، والقضاة المخلصين، ورجال الحسبة الغيورين الساهرين -وفق الله الجميع لكل خير-.
على رجال العلم وأهل الرأي، وحملة الأقلام: أن يطبقوا على التدبير لتحصين الناشئة من الفتن المتلاطمة.
يجب: أن نسعى إلى توفير مقومات التربية الصالحة، بدءاً من الأسرة، فالمدرسة والجامعة، وانتهاء بالمجتمع والشارع الذي يتحمل جزءا كبيراً من درء المفاسد والأخطار عن الشباب.
وعلى الآباء: إيجاد محاضن صالحة للأبناء، بيت يقيم شعائر الإسلام، وجليس صالح يدل على الخير، ويقظة دائمة، وإذا ظهرت بوادر مريبة، وعلاقات مشتبهة، وجب على ولي الأمر تقصي الحقائق، وتلافي الأمر، خوفاً من خطر داهم.
الوسائل الإعلامية، قلب الأمة ولسانها الناطق في الملمات، مطالبة بمشرع توعية متكامل يتجاوز المناسبات الحولية، وردود الأفعال الآنية إلى برنامج منظم مدروس، يبرز مهمة الأسرة والمدرسة والجامعة على ترسيخ الأخلاق الفاضلة.
إن مرحلة الشباب طاقة كامنة، تبحث عن ميادين تتنفس منها الهواء النقي، وهنا تتاح الفرصة المواتية للمؤسسات التربوية والتعليمية والاجتماعية والأندية، في اغتنام توفير المناخ المناسب.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن" [رواه البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله -عز وجل- قد لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومستقيها"[أخرجه أحمد].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.
ثبت من خلال قراءة سريعة لهذه الآفة في العالم: أن القوانين والعقوبات الرادعة لا تصلح بديلاً عن الزاجر الداخلي في الإنسان، المتمثل في الوازع الديني لدى المسلم، هذا الوازع الذي رأيناه يريق الخمر في شوارع المدينة أنهاراً بمجرد أن يطرق أسماع المسلمين نبأ تحريم الخمر، والأمر باجتنابها، سمعوا نداء الإيمان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:90].
سمعوا مناديا ينادي: "ألا إن الخمر قد حرمت" [رواه البخاري ومسلم].
فقال أحدهم: "فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج حتى أهرقنا الشراب، وكسرنا القلال، قال: وبعض القوم شربته في يده أراقها، قائلا: انتهينا ربنا".
ما سر هذه الاستجابة العميقة الفورية، بعد أن كانت الخمر محبوبتهم؟
إن السر يكمن في كلمة وجيزة، تفعل أكثر مما يفعل السحر، هذه كلمة الإيمان، وتلك هي ثمارها، التي تجعل من شبابنا قوي القواعد، متمكن الأركان، وثيق العرى، ثابت الأوتاد، ولن يجدينا إذا فقدنا الإيمان أن نوضح بالأرقام والعلوم والطب، وكل وسائل الإعلام أضرار الخمر والمخدرات، لن يجدي ذلك مع فقد الإيمان، ولا ينسى في هذا المجال اتخاذ الطرق الصحيحة لمعالجة المدمنين، وملء أوقات فراغهم بالنافع المفيد، فمن تاب تاب الله عليه، وغفر زلته، وحوبته، وأقال عثرته: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) [الفرقان: 70- 71].
عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال" قيل: يا أبا عبد الرحمن وما نهر الخبال؟ قال: "نهر من صديد أهل النار" [أخرجه الترمذي وأحمد].
ألا وصلوا -عباد الله- على رسول الهدى، ومعلم البشرية الخير.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم