ولو كانوا أولى قربي - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

إن الإسلام لا يجامل ولا يداهن على حساب العقيدة أبدًا، إن الإسلام دين الوضوح يقرر أن صيانة الدين من التحريف والتبديل والتضييع وأن ترسيخ الحدود الفاصلة بين المنهج الحق ومناهج الباطل أولى وأحرى وأجدر وأحق أن يراعى من الخواطر والمجاملات والمشاعر الواهمات، فلا مجاملة على حساب الدين...

إنها حكاية مؤلمة؛ آلمت قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فلقد كان أبو طالب يحميه من أذى قريش وبطشهم، ولطالما حاول النبي -صلى الله عليه وسلم- دلالته على الإسلام لكنه كان يأبى ويرفض، وما زال -صلى الله عليه وسلم- يحاول معه حتى آخر لحظات حياة أبي طالب؛ فعن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله"، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك"، فأنزل الله -عز وجل-: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)[التوبة: 113](متفق عليه).

 

هكذا في جلاء ومباشرة؛ فإن الإسلام لا يجامل ولا يداهن على حساب العقيدة أبدًا، إن الإسلام دين الوضوح يقرر أن صيانة الدين من التحريف والتبديل والتضييع وأن ترسيخ الحدود الفاصلة بين المنهج الحق ومناهج الباطل أولى وأحرى وأجدر وأحق أن يراعى من الخواطر والمجاملات والمشاعر الواهمات، فلا مجاملة على حساب الدين.

 

ولقد أعلن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- ذلك لقومه وأهله وعشيرته ولمن سواهم من باب الأولى؛ أن أحدًا لا يغني عن أحد، فها هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أنزل عليه: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)[الشعراء: 214] يقول: "يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئًا، يا فاطمة بنت رسول الله سليني بما شئت لا أغني عنك من الله شيئًا"(متفق عليه).

 

وهذا خليل الرحمن وأبو الأنبياء -عليه السلام- يرفض الله شفاعته في والده: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)[التوبة: 114].

 

وقد أمرنا ربنا -عز وجل- بالاقتداء بإبراهيم وقومه في البراءة من الكافرين فقال: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)[الممتحنة: 4].

 

ويسجل البخاري في صحيحه أن إبراهيم وآزر يلتقيان يوم القيامة، فعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني، فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله -تعالى-: إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم، ما تحت رجليك؟ فينظر، فإذا هو بذيخ ملتطخ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار"(رواه البخاري).

 

ويتفطر قلب نبي الله نوح -عليه السلام- على فلذة كبده؛ على ولده الذي أُغرق كافرًا فيقول: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ)[هود: 45]، فيجيبه ربه: (يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)[هود: 46].

***

وهنا يثور سؤال: هل يجوز للمسلم أن يطلب من الله المغفرة والرحمة لمن مات كافرًا؟

ويجيب القرآن الكريم: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى)[التوبة: 113]، خاصة أن الاستغفار لهم والدعاء لهم وقد ماتوا على الكفر لا يفيد: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)[التوبة: 80].

 

ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرفض أن يدعو لهم بالرحمة وهم أحياء؛ فعن أبي موسى قال: كان اليهود يتعاطسون عند النبي -صلى الله عليه وسلم- يرجون أن يقول لهم: يرحمكم الله، فيقول: "يهديكم الله ويصلح بالكم"(رواه أبو داود).

 

وكيف يسأل المسلمُ ربه أن يغفر لمن مات كافرًا، وقد قضى الله -تعالى- وقدر أنه لا يغفر لهم أبدًا: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)[النساء: 48]، أَوَيسأل أحدنا ربه خلاف ما قضاه وأبرمه؟! وكيف يدعو أحدنا بشيء يوقن أن الله لن يفعله؟!

***

 

ويترتب على هذا أمر مهم؛ وهو: هل نحكم لمعين مات على الكفر بالنار؟ الإجابة القاطعة: لا؛ لأننا لا ندري على أي شيء مات، وماذا كان في قلبه لحظة موته، وما الذي بينه وبين خالقه... ثم إن الجنة والنار ليست ملكًا لنا، فالأمر ليس من شأننا، فلا نحكم لأحد بجنة ولا بنار إلا من جاءنا بالنص أنه في الجنة أو في النار، أما من سواهم فأمرهم جميعًا موكول إلى خالقهم -سبحانه وتعالى-، وإنما لنا الظاهر الذي نعامل الناس على أساسه، فمن مات على الكفر فيما نرى ونعلم، لا نصلي عليه ولا ندعو له بالرحمة...

 

ومن كان رحيمًا بالكفار مشفقًا عليهم من سوء المصير فليدعهم في حياتهم -قبل مماتهم- إلى دين الإسلام، وليدعو لهم بالهداية وهم أحياء ليل نهار كما كان يفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم اهد دوسًا وأت بهم"(متفق عليه) ومرة أخرى: "اللهم اهد أم أبي هريرة"(رواه مسلم).

 

أما من مات على الكفر فإن الإسلام أخبرنا أنه مخلد في النار -والعياذ بالله-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[البقرة: 39]، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85].

 

وما قرره ربنا -عز وجل- قرره أيضًا نبينا -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار"(رواه مسلم)، وقائلًا: "إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة"(متفق عليه)، وقائلًا: "إذا كان يوم القيامة، دفع الله -عز وجل- إلى كل مسلم، يهوديًا أو نصرانيًا فيقول: هذا فكاكك من النار"(رواه مسلم)، وقائلًا: "إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة؛ يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكن له حسنة يجزى بها"(رواه مسلم).

 

وعلى هذا اتفقت كلمة المسلمين، ومنهم خطباؤنا الذين جمعنا ها هنا شيئًا من خطبهم تؤصل للأمر ثم تُفصِّل.

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
العنوان
البراءة من الكفار 2016/10/24 10281 577 11
البراءة من الكفار

عبادَ الله: أنه يَجِبُ على كل مسلم يَدينُ بدين الإِسلام، ويعتقدُ عقيدةَ التوحيد: أن يُواليَ أهلَ هذا الدين، أصحابَ هذه العقيدة، ويعاديَ أعداءها، فيُحِبَّ أهلَ الإِخلاص والتوحيد ويُواليَهم، ويُبْغِضَ أهلَ الشِّرْكِ والنفاق ويُعاديَهم. ومحبةُ الكفارِ، وإنْ كانت عملاً قلبيّاً خفيّاً إلا أنها يُعَبِّرُ عنها اللسانُ، وأعمالُ الجوارح، ولها علاماتٌ ومظاهر تُعْرَفُ بها، فمن...

المرفقات

من الكفار

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life