عناصر الخطبة
1/نعمة الهداية للإسلام 2/التعاملات مع الناس مقيدة بشرع الله 3/أحكام المؤمن مع المؤمن في الدنيا ومصير المؤمن في الآخرة 4/أحكام المؤمن مع الكافر ومصير الكافر في الآخرةاقتباس
لقد خلق الله الخليقة، وأرسل الرسل تدعوهم للتوحيد، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، فمن امتن الله عليه بالهداية فتلك نعمة عظيمة لا توازيها نعمة، ولا يمكن أن ينال رتبته إلا من كان على عقيدته، وأما من كفر فلا يقارن بالمؤمن في الدنيا ولا في الآخرة.
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا أيها الناس: لقد خلق الله الخليقة، وأرسل الرسل تدعوهم للتوحيد، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، فمن امتن الله عليه بالهداية فتلك نعمة عظيمة لا توازيها نعمة، ولا يمكن أن ينال رتبته إلا من كان على عقيدته، وأما من كفر فلا يقارن بالمؤمن في الدنيا ولا في الآخرة، فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[الكهف: 49].
عباد الله: إن التعاملات مع الناس مقيدة بشرع الله، فليس للإنسان أن يتعامل مع الخلق إلا بما يمليه عليه دينه، وذلك من مبدأ الولاء والبراء، فالمؤمنون إخوة، وهم أولياء لبعض من دون الناس؛ كما قال سبحانه: (وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[التوبة: 71]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)[المائدة: 51]، وقال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات: 10] يعنى أن الكافر ليس بأخ للمؤمن.
سنتطرق -بإذن الله- لأحكام المؤمن مع المؤمن في الدنيا، ومصيره في الآخرة، وأحكام المؤمن مع الكافر، ومصيره في الآخرة.
أما المؤمن، فإنه بإسلامه يعصم دمه وماله، وإذا مات على الإسلام دخل الجنة، ابتداء أو بعد التطهير، والعزة له، وهو مقدم على الكافر في كل شيء حتى في ذكر الاسم، وهو أمر يسير عند البعض، فلا يذكر اسم الكافر قبل المسلم، وفي صحيح البخاري تعليقا: جاء عائذ بن عمرو الصحابي ومعه أبو سفيان قبل أن يسلم، فقال الصحابة: هذا أبو سفيان وعائذ بن عمرو، فقال صلى الله عليه وسلم: "هذا عائذ بن عمرو وأبو سفيان".
الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، والمؤمنون بعضهم أولياء بعض، فمن شهد الشهادتين دخل في جماعة المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، وله حقوق على أخيه المسلم كما لأخيه حقوق عليه؛ كما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس"(متفق عليه)، وفي رواية لمسلم: "حق المسلم على المسلم ست" قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: "إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه".
فمنذ ولادته حتى وفاته ودفنه له حقوق عليك يجب أن تؤديها، كل هذا لأجل الإسلام، لنعلم فضل هذا الدين وتشريفه لأهله، فلم يفضل هذا الدين بعضهم على بعض ولم يوال بينهم إلا بالدين، لم ينظر للعرق ولا للنسب ولا للون، فأخوك في النسب الكافر ليس له شيء من حقوق الإسلام كما لأخيك في الإسلام فله تلك الحقوق ولو فارقك في البلد واللون والنسب.
ومن فضل الإسلام على المسلمين: أن الله لا يقبل يوم القيامة من الناس دينا غير الإسلام، فالإسلام ناسخ لكل دين قبله، حيث أن تلك الأديان نزلت لأمة معينة وانتهى بزوال تلك الأمة وتحريف كتبها، فمن الخطأ أن نقول: إن الأديان الثلاثة النصرانية واليهودية والإسلام بهذا الترتيب ثم يسكتون ويقولون: هي أديان سماوية ندعو لاحترامها والتعايش بين أتباعها، وإن الجسم ليقشعر عندما نسمع من يترحم على رأس من رؤوس الكفر في هذه الأيام، مظهرا جهله بالدين، ضاربا بنصوص الشرع عرض الحائط.
هذه اللغة المتراخية التي نسمعها هذه الأيام امتد بها أصحابها إلى ديننا حيث لم يكتفوا بكم التنازلات الهائل الذي تقدمه هذه الأمة في ظل ما يُصبُّ عليها من كوارث حتى أصبحت معتقداتنا مجالاً للبيع والشراء والتفاوض والمساومة وهو الأمر الذي يأباه من في قلبه مثقال ذرة من إيمان حيث نرضى أن يُتاجر بالمال والأرض والأملاك ولكن لا نرضى بأن تتم المتاجرة بعقيدتنا وديننا وسر عزنا وسعادتنا.
إن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه" مستند قرآني كريم، ونص نبوي شريف، وقاعدة شرعية ماضية، وحقيقة فطرية، وبرهان عقلي.
فأما من حيث المستند القرآني، فيقول الله -تعالى-: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 139]، ويقول: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى)[طه: 67-68]، ويقول: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ)[الانفطار: 13].
وأما من حيث كونه حقيقة فطرية: فإن النفس الإنسانية لا تساوي بين العالي والسافل، والشريف والوضيع، والخير والشر، فإن من طبعها التفريق بينهما، وتفضيل العالي والشريف والخير على السافل والوضيع والشر، وتنفر غاية النفور من ترفع الأراذل وخفض الأفاضل، وترى العدل كل العدل أن ينـزل كل شيء منـزلته، وبما أنها خلقت مفطورة على عبادة ربها: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)[الروم: 30]، فهي لا تساوي قطعا بين عبادته، المتمثلة في الإسلام، وعبادة غيره، المتمثلة في سائر الديانات سوى الإسلام.
اللهم ارفعنا بالإسلام واجعلنا من أهله المتمسكين به.
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا أيها الناس: مررنا سريعا في الخطبة الأولى عن أحكام المؤمن في الدينا والآخرة، وسنعرج القول على أحكام الكافر في الدنيا والآخرة -بإذن الله- بعد أن عرفنا: أن الكافر ليس له أي حق من حقوق المسلمين فيما بينهم، بل هو منبوذ حتى يسلم، يعامل في الحياة بالعدل فلا يظلم، ويعطى حقوقه كمعاهد أو ذمي، ولكنه لا يكرم ولا يرفع شأنه، فكيف نرفعهم وقد أذلهم الله؟ أخرج البيهقي بسند صحيح: "أَنَّ أَبَا مُوسَى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَمَعَهُ كَاتِبٌ نَصْرَانِيٌّ، فَأَحْضَرَ أَبُو مُوسَى شَيْئًا مِنْ مَكْتُوبَاتِهِ عِنْدَ عُمَرَ، فَاسْتَحْسَنَهُ، وَقَالَ: قُلْ لِكَاتِبِك يَجِيءُ، فَيَقْرَأُ كِتَابَهُ، قَالَ: إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: إنَّهُ نَصْرَانِيٌّ، فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ، وَقَالَ: لَا تَأْتَمِنُوهُمْ، وَقَدْ خَوَّنَهُمْ اللَّهُ -تَعَالَى-، وَلَا تُقَرِّبُوهُمْ، وَقَدْ أَبْعَدَهُمْ اللَّهُ –تَعَالَى-، وَلَا تُعِزُّوهُمْ، وَقَدْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ -تَعَالَى-".
فكيف بمن يدنيهم ويحضر أعيادهم ويقربهم في المجلس، ويقول: هم إخواننا، ويترحم عليهم إذا ماتوا، ويعزي فيهم، فكم فقدنا من العزة بتلك التنازلات؟
والكافر في الدنيا له أحكام يتعامل بها المسلم، من ذلك: منع أن يتولى الكافر على المسلم، أو يتزوج كافر مسلمة.
ومنها: منع استرقاق الكافر المسلم.
ومنها: منع مهادنة الكافرين على ما شاؤوا، لما فيها تحكمهم في المسلمين، وفي ذلك علو لهم.
ومنها: منع أهل الذمة من مساواة المسلمين في البناء أو العلو عليهم، ومنعهم من صدور المجالس.
ومنها: منع الكفار من الدعوة إلى دينهم في بلاد المسلمين.
ومنها: منع المساواة بين الإسلام واليهودية والنصرانية بدعوى: وحدة الأديان، زمالة الأديان.
ومنها: أنه إذا اختلف دين الأبوين، تبع الولد المسلم منهما.
ومنها: أنه لا يقتل مسلم بكافر.
ومنها: أن الإسلام شرط في القاضي، ولا يصح قضاء غير المسلم.
عباد الله: من عزة المسلم أن الكافر لا يكون وليا عليه، فلو كفر الزوج طلقت منه زوجته، ولم يكن له ولاية على أولاده فهم مسلمون لهم العزة وليس لكافر عليهم ولاية.
والمؤمن إذا مات غسل وكفن وطيب وصلي عليه ودفن في مقابر خاصة بالمسلمين، كل هذا من باب العزة والكرامة له.
أما الكافر -والعياذ بالله- فإنه إذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين بل يوارى في الصحراء حتى لا يؤذي الناس برائحته، ثم يوم القيامة هو من أهل النار، خالدا مخلدا فيها -والعياذ بالله-، قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ)[المائدة: 72].
وننبه إلى مسألة مهمة وهي: أنه لو كان الكافر مسالما، وله نفع للعالم سواء المسلم وغيرهم، فلا يكون هذا مسوغا للترحم عليه أو الدعاء له، أو أن يقال يرجى له الجنة، فلا ينفع مع الكفر عمل، أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة قالت: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن عبد الله بن جدعان كان في الجاهلية يقري الضيف، ويصل الرحم، ويفك العاني، ويحسن الجوار؟" فأثنيت عليه "هل نفعه ذلك؟ قال: "لا يا عائشة، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين".
فالكافر إذا عمل صالحا في الدنيا جوزي بها يطعم ويسقى في الدنيا، حتى إذا جاء يوم القيامة لم يكن له حسنة؛ كما قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)[الفرقان: 23].
اللهم احفظ علينا ديننا وتوفنا مسلمين يا رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم