خطب عيد الفطر المبارك لعام 1440هـ

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

وإنك لتدرك حقيقة أخرى: وهي أن الفرج يأتي دائمًا بعد الشدة؛ فهو شهر كامل حُرِّم علينا أن نقضي شيئًا من شهواتنا في نهاره، ثم ليل ذلك الشهر مشحون بالعبادات والطاعات والمستحبات فلا يكاد يتسع لقضاء حوائج الجسد إلا مزاحَمة بغيرها، ثم بعد ذلك الحرمان الطويل يأتي الفرج والسعة؛ وهو يوم العيد الذي يحرم صيامه، ويثاب من وسَّع على أهله فيه...

أيام عيد الفطر أيام فرح وسرور وحبور، أيام فرح بالطاعة وبإتمام العبادة، وفرح أيضًا بالإباحة بعد الحرمان، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه"(متفق عليه).

 

بشائر العيد تترا غنية الصور *** وطابع البشر يكسو أوجه البشر

وموكب العيد يدنو صاخبًا طربًا  *** في عين وامقة أو قلب منتظر

 

فهذه الفرحة الأولى في الدنيا، وتليها فرحة أعظم وأدوم وأهم هي فرحة الآخرة، ولعل من جوانب تلك الفرحة الأخروية بالصيام أنه يأتي ومعه القرآن فينقذان العبد من وقفة المحشر ومن حر يوم الحساب، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فيشفعان"(الحاكم في المستدرك).

 

وهذا الحديث الأخير يؤكد حقيقة ثابتة في الإسلام؛ ألا وهي: أن العيد والفوز والنجاة والجنة... كلها لمن بذل أسبابها؛ فإنما يشفع الصيام للعبد الذي حُرم من طعامه وشرابه وشهوته، فتكون شفاعة الصيام له عقبى لما بذل من أسباب، وكذا يشفع القرآن لمن قدَّم القرآن على راحته وفراشه ونومه... والعيد كذلك؛ لا يحق أن يفرح به إلا من عَبَدَ الله في رمضان حق عبادته، واستفرغ غاية الجهد واستنفذ الطاقة والوسع في بذل المعروف وصنع القربات...

 

ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك *** لا أن تجرَّ به مستكبرًا حللك

كم من جديد ثيابٍ دينه خلق *** تكاد تلعنه الأقطار حيث سلك

ومن مرقع الأطمار ذي ورع *** بكت عليه السما والأرض حين هلك

 

وإنك لتدرك أيضًا حقيقة أخرى، وهي أن الفرج يأتي دائمًا بعد الشدة، وأن مع العسر يسرًا، وأن عاقبة الصبر السعادة... فهو شهر كامل حُرِّم علينا أن نقضي شيئًا من شهواتنا في نهاره، حتى ما به صلاح الجسد وقوامه من طعام وشراب، ثم ليل ذلك الشهر مشحون بالعبادات والطاعات والمستحبات؛ قيام وتهجد وذكر وتلاوة للقرآن واعتكاف... فليله لا يكاد يتسع أيضًا لقضاء حوائج الجسد إلا مزاحَمة بغيرها، ثم بعد ذلك الحرمان الطويل يأتي الفرج، وبعد ذلك التضييق على متطلبات الجسد تأتي السعة؛ وذلك الفرج وتلك السعة هو يوم العيد الذي يحرم صيامه، ويثاب من وسَّع على أهله فيه.

 

إِذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْيَأْسِ الْقُلُوبُ *** وَضَاقَ لِمَا بِهَا الصَّدْرُ الرَّحِيبُ

وَأَوْطَنَتِ الْمَكَارِهُ وَاطْمَأَنَّتْ *** وَأَرْسَتْ فِي أَمَاكِنِهَا الْخُطُوبُ

وَلَمْ تَرَ لِانْكِشَافِ الضُّرِّ وَجْهًا *** وَلَا أَغْفَى بِحِيلَتِهِ الْأَرْيبُ

أَتَاكَ عَلَى قُنُوطٍ مِنْكَ غَوْثٌ *** يَمُنُّ بِهِ اللَّطِيفُ الْمُسْتَجِيبُ

وَكُلُّ الْحَادِثَاتِ إِذَا تَنَاهَتْ *** فَمَوْصُولٌ بِهَا الْفَرَجُ الْقَرِيبُ

 

ويوم العيد عبادة وشعيرة تستحق الشكر للمنعم -عز وجل- على جميل تفضله، فهو -سبحانه وتعالى- الذي أعان على الصيام والقيام والقرآن... ثم تفضَّل -سبحانه- بقبوله، ثم زاد إنعامه وكرمه وجوده حين أثابنا عليه، فهو المتفضل أولًا وآخرًا، وهو المستحق للشكر أولًا وآخرًا... وقد ورد بسند ضعيف عن أوس الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق، فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير، ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا، نادى مناد: ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة"(رواه الطبراني، وضعفه الألباني).

***

 

يا عيد المسلمين: دعني أبثك -وقد أوشكت على القدوم- من همومي وأوجاعي: لقد كانت أمنيتي يا عيد الفرح والسرور أن ألقاك خالي البال مطمئن النفس مرتاح الضمير، نعم كنت أرجو أن تأتي يا عيد المسلمين وفي القلب متسع للفرح أو مساحة للمرح أو ركنًا فارغًا للسعادة، لكنك يا عيد قد أقبلت وما في القلب موضع إلا وفيه مسلم جريح مطروح ينزف دمًا! قد أقبلت يا عيد وما في القلب ركن إلا وفيه مسلمون نازحون مشردون في برد الشتاء أو في حر الشمس! جئتنا يا عيد وما في القلب قيد أنملة إلا وفيه صراخ مسلمة مغتصبة أو عويل ثكلى يحتضر زوجها وابنها أو بكاء طفلة على جثمان أمها وأبيها!...

 

أتيتنا يا عيد ضيفًا لا نجد له قِرى ولا حسن استقبال! جئتنا وأنفسنا تنازعنا؛ أنفرح بقدومك أم نأسى لجراح إخواننا! نعم، إننا -والحمد لله- نتقلب في النعمة والأمان والدعة، لكن حال إخواننا هو حالنا، ودم إخواننا هو دمنا، وجراح إخواننا هي جراحنا، أما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-: "مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"(متفق عليه، واللفظ لمسلم)، أما قال نبينا -صلى الله عليه وسلـم-: "المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينه، اشتكى كله، وإن اشتكى، رأسه اشتكى كله"(مسلم).

 

هـذا هـو العيـدُ، أيـنَ الأهـلُ والفـرحُ *** ضاقـتْ بهِ النَّفْسُ أم أوْدَتْ به القُرَحُ؟!

وأيـنَ أحبابُنـا ضـاعـتْ مـلامحُـهـم *** مَـنْ في البلاد بقي منهم، ومن نزحوا؟!

(البيتان للشاعر العراقي: السيد مصطفى جمال الدين)

 

أقبلت يا عيد والأحزان نائمـة  *** على فراشي وطرف الشوق سهران

من أين نفرح يا عيد الجراح وفي *** قلوبنا من صنوف الهمِّ ألـــوان؟

من أين نفرح والأحداث عاصفة  *** وللدُّمى مـقـل ترنـو وآذان؟

(الأبيات للشاعر: عبد الرحمن العشماوي)

 

لكن لنا عند الله أمنية ورجاء ودعوة وأمل -وعلى فضل الله تعقد الآمال- أمنية ألا تقدم علينا أخرى -أيها العيد- إلا وقد كشف الله -عز وجل- عنا الهموم والكروب والأوجاع والأحزان، إلا وقد عاد إلينا المسجد الأقصى الأسير، إلا وقد حررت كل أراضي المسلمين، إلا وقد أفاق المسلمون من غفلاتهم وتمسكوا بقرآنهم وسنة نبيهم، إلا وقد أعزَّ الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل... فيا ربنا هذي بعض آمالنا وأحلامنا، وقد عهدناك -يا مولانا- لا تخيب الرجاء ولا ترد الدعاء، وهبنا يا رب العمل لهذا النصر القادم والحرص عليهم، واجعله يا رب بأيدينا لا بأيدي غيرنا.

 

***

 

وحول العيد وسننه وآدابه، وما ينبغي أن يكون عليه حال المسلمين فيه، وما نأمل أن نحقق فيه من قربات وصلات وطاعات، وعن أحوال المسلمين في العيد، وعن غير ذلك كثير، قد جمعنا بعض خطب لخطبائنا النابهين، تأتيكم واحدة تلو الأخرى كعقد من لؤلؤ تتتابع حباته وتنتظم حبة بعد تلو حبة.

 

الخطبة الأولى:
مجموعة مختارات لعيد الفطر المبارك من 1430 وحتى 1439هـ
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
العنوان
خطبة عيد الفطر المبارك 1440هـ الإيمان ضرورة 2019/05/27 8745 3771 65
خطبة عيد الفطر المبارك 1440هـ الإيمان ضرورة

أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ: لَا غِنَى لِلْمَرْأَةِ عَنِ الْإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ؛ لِتَتَسَلَّحَ بِهِ فِي مُوَاجَهَةِ مَصَاعِبِ الْحَيَاةِ وَلَأْوَائِهَا، وَيَقَعُ عَلَيْهَا عِبْءُ تَرْبِيَةِ بَنِيهَا وَبَنَاتِهَا عَلَى الْإِيمَانِ، وَغَرْسِهِ فِي قُلُوبِهِمْ، فَهُوَ أَشَدُّ ضَرُورَةً لَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالنَّفَسِ...

المرفقات

خطبة عيد الفطر المبارك 1440هـ الإيمان ضرورة - مشكولة

خطبة عيد الفطر المبارك 1440هـ الإيمان ضرورة

التعليقات
mamadou fall
03-06-2019

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعد التحية والاحترام لقد استفدنا من خطبكم القيمة ،وتعلمنا منها. وهذا أخوكم في الله يسكن في السينغال إقليم لوغا بالتحديد كر ممر سار . والسلام عليكم ورحمة الله

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life