أول مختارة بعد رمضان لعام 1443هـ

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

اقتباس

إنني لو استطعت لصرخت في وجه كل منتكس بعد رمضان: إن رب رمضان هو رب جميع الأزمان والأكوان! إن الله -تعالى- يطالبك بالعبادة في رمضان وبعد رمضان! أتأمن ألا يأخذك الموت قبل أن يقبل عليك رمضان جديد! أوما سمعت القرآن الكريم وهو يقول: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)...

أواه أواه من فراقك يا رمضان، لقد ذكَّرتْنا أيامُك ولياليك بأننا حقًا مسلمون؛ فها هي المساجد مزدحمة مكتظة بالمصلين، فالناس بنهارك صائمون وبليلك قائمون وبالأسحار متهجدون مستغفرون، وها هي حناياك ممتلئة بأعمال البر والخير، فهؤلاء يفطرون الصائمين، وأولئك يكفلون الأيتام، وغيرهم يغنون المساكين...

 

لقد تواصل المتقاطعون، وتصالح المتخاصمون، وتآلف المتنافرون، وتواد المتشاحنون... لقد أحسسنا فيك وكأننا نحيا في عصر الصحابة أو التابعين؛ أجساد متوضئة وقلوب متآخية ونفوس متوافقة وعيون دامعة وأفئدة خاشعة وفئام إلى الله راجعة.

 

لكن ما فتئت أيامك ولياليك تتفلت منا حتى ولت وانتهت ورحلت، وما هو إلا أن قدم العيد حتى أنكرنا حال المسلمين؛ إن من كان يصلي العشاء والتراويح والقيام في المسجد ثم يعود آخر الليل فيصلي التهجد ثم يتناول السحور ويرجع فيصلي الفجر في جماعة، إنه الآن لا يصلي حتى الفرائض في المساجد! إن أروقة المساجد وملحقاتها والتي كانت تغص بالعُبَّاد المتنسكين هي الآن خاوية على عروشها! إن الفقراء والمساكين الذين قد ذاقوا -بعد حرمان- لذة السعة والنعمة في رمضان قد عادوا الآن يعانون مرارة الحاجة والنكران! إن الأيتام الذين شعروا في رمضان أن الله -تعالى- أبدلهم بأبيهم وأمهم مائة أب ومائة أم حتى كادت أن تزول عنهم غصة اليتم، قد أفاقوا الآن أنهم ما زالوا أيتامًا!

 

إنني لو استطعت لصرخت في وجه كل منتكس بعد رمضان صائحًا: إن رب رمضان هو رب جميع الزمان والأكوان! إن الله -تعالى- يطالبك بالعبادة في رمضان وبعد رمضان! أتأمن ألا يأخذك الموت قبل أن يقبل عليك رمضان جديد! أوما سمعت القرآن الكريم وهو يقول: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99].

 

أتضمن أن الله -عز وجل- قد تقبَّل منك عباداتك وطاعاتك في رمضان؟! ألا تدري أن من علامات قبول الطاعة: "المداومة على الطاعة"، وقد قالوا: "ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل".

 

لقد كانت امرأة بمكة تُدعى: ريطة بنت عمرو وكانت امرأة خرقاء حمقاء؛ تغزل بيديها الغزل وتنفق فيه الوقت والجهد حتى إذا اكتمل وصار صالحًا لأن ينتفع به أمسكت بطرف الخيط ثم نقضت غزلها نقضًا وضيَّعت تعبها هباء وسدى، فنزلت الآية تحذر من صنيعها: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا)[النحل: 92]، وإن من ترقى مع الله الدرجات في رمضان وتذوق لذة الطاعة والمناجاة والقرب من الله واعتاد الصيام والقيام والذكر وتلاوة القرآن وكفالة الأيتام وإعفاف المساكين ثم ترك كل ذلك بعد رمضان لا يختلف حاله عن حالها كثيرًا!

 

لقد عقد الإمام البخاري بابًا في صحيحه بعنوان: "باب القصد والمداومة على العمل"، وكذا عقد الإمام مسلم في صحيحه بابًا بعنوان: "باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره"،

وفيهما أن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "أدومها وإن قل"، وأحب العمل إلى الله -تعالى- هو كذلك أحبه إلى رسوله الله -صلى الله عليه وسلم-، فعنها أيضًا أنها قالت: "كان أحب العمل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يدوم عليه صاحبه".

 

والمداومة على العمل ميسورة مقدورة، فأول الصيام بعد رمضان هو صيام الست من شوال، فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال، كان كصيام الدهر"(رواه مسلم)، ثم صيام الاثنين والخميس والثلاثة البيض من كل شهر طوال العام.

 

وأما قيام الليل فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يتركه طوال العام، ولو تركه لعذر قضاه بالنهار، فعن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة"(رواه مسلم).

 

وأما تلاوة القرآن فيقول ابن القيم في "زاد المعاد": "كان له -صلى الله عليه وسلم- حزب يقرؤه، ولا يخل به، وكانت قراءته ترتيلًا لا هذًا ولا عجلة، بل قراءة مفسرة حرفًا حرفًا، وكان يقطع قراءته آية آية"، وأما عن المدة التي يُختم فيها القرآن، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: "اقرأ القرآن في كل شهر" قال قلت: إني أجد قوة، قال: "فاقرأه في عشرين ليلة" قال قلت: إني أجد قوة، قال: "فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك"(متفق عليه)... وقل مثل ذلك في جميع العبادات.

 

***

 

أحبابنا: إن رحل عنا رمضان بصيامه وقيامه وقرباته فلا أقل من أن تبقى علينا آثاره وبركاته، ومنها:

التلذذ بالقرب من الله ومناجاته: فقد عرفنا طريق القرب وأحسسنا بحلاوته، فحذار أن نبتعد ونعرض، ولنبقى في تلك الجنة التي يقول عنها ابن تيمية -رحمه الله-: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة"(مدارج السالكين، لابن القيم).

 

ومنها: حسن الأخلاق: فقد تعودنا أن نكبح جماح كل خلق ذميم كي لا يضيع ثواب صيامنا: "وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم"(متفق عليه)، فليدم معنا ذلك أبدًا ما حيينا.

 

ومنها: الشعور بمرارة الحرمان والحاجة: وذلك لما ذقنا شدة الجوع والعطش، فليكن في قلبنا دومًا الشفقة على الفقير والمسكين ومن يتجرعون غصة الجوع جميع أيامهم.

 

***

 

وشئنا أم أبينا فسوف يبقى الخوف من عدم القبول يخطر على قلوبنا حينًا بعد حين، ولقد سألت عائشة -رضي الله عنها- زوجها -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)[المؤمنون: 60]، فقالت: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: "لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا تقبل منهم: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)[المؤمنون: 61]"(رواه الترمذي).

 

 وها هنا طائفة من الخطب المنبرية جمعناها لتكون نورًا لما بعد رمضان؛ تدلنا على المداومة وتحذرنا من الانقطاع، وتحثنا أن تبقى علينا آثار حسن العبادة في رمضان.

 

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
العنوان
واجبنا تجاه الأوامر الشرعية 2022/05/03 2547 1017 4
واجبنا تجاه الأوامر الشرعية

خَلَقَ اللَّهُ -تَعَالَى- الْبَشَرَ لِغَايَةٍ عَظِيمَةٍ، وَمُهِمَّةٍ جَلِيلَةٍ، وَحَمَّلَهُ أَمَانَةً ثَقِيلَةً، عَجَزَتْ عَنْ حَمْلِهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ، وَهِيَ أَمَانَةُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ -تَعَالَى-، وَالْقِيَامِ بِدِينِهِ، وَتَحْكِيمِ شَرْعِهِ...

المرفقات

واجبنا تجاه الأوامر الشرعية.doc

مشكولة - واجبنا تجاه الأوامر الشرعية.doc

مشكولة - واجبنا تجاه الأوامر الشرعية.pdf

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life