اقتباس
وأما الحكمة من وجوبها فقد نقلها ابن عباس قائلًا: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين"، فهي جبر للنقص والخلل والتقصير الواقع في صوم رمضان من...
أخطأ من ظن أنه لا تجب على الفقير زكاة، أقول: بل يجب عليه نوع من الزكاة هو: "زكاة الفطر"؛ إنها تجب على كل مسلم غربت عليه شمس آخر يوم من رمضان يملك قوت يومه وليلته، بل وإن لم يكن مالكًا لقوت يوم وليلة لكنه أُعطي زكاة الفطر فصار مالكًا لقوت يومه وليلته فإنه يخرجها أيضًا بقدر طاقته، فعن ابن عمر قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة"(متفق عليه)، وفي لفظ لمسلم: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين".
وقال سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز في قوله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)[الأعلى: 14]: "هو زكاة الفطر"، وأضاف ابن قدامة قائلًا: "وأضيفت هذه الزكاة إلى الفطر؛ لأنها تجب بالفطر من رمضان... والصحيح أنها فرض؛ لقول ابن عمر: "فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر"، ولإجماع العلماء على أنها فرض؛ ولأن الفرض إن كان الواجب فهي واجبة، وإن كان الواجب المتأكد فهي متأكدة مجمع عليها".
وقال ابن المنذر في كتابه: "الإجماع": "وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض، وأجمعوا على أن صدقة الفطر تجب على المرء إذا أمكنه أداؤها عن نفسه وأولاده الأطفال الذين لا أموال لهم"، وقال أيضًا في "الإشراف على مذاهب العلماء": "وممن حفظنا ذلك عنه من أهل العلم، محمد بن سيرين، وأبو العالية، والضحاك، وعطاء، ومالك، وأهل المدينة، وسفيان الثوري، والشافعي، وأبو ثور، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وقال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم".
***
وأما الحكمة من وجوبها فقد نقلها ابن عباس فقال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين"(رواه ابن ماجه)، فهي جبر للنقص والخلل والتقصير الواقع في صوم رمضان من الذنوب والهفوات والتكاسل وغيرها، فكما يجبر سجود السهو الخلل الواقع في صلاة العبد، فكذلك تجبر صدقة الفطر الخلل الواقع في صومه.
ومن حكمتها: إدخال السرور والفرح على قلوب الفقراء في يوم العيد بالتوسعة عليهم، ومنها: إظهار التواد والتكافل والتحابب بين أفراد المسلمين، ومنها: إقامة السنة والشعيرة بإخراج الصدقات طعامًا، ومنها: الاقتداء بجود النبي محمد -صلى الله عليه وسلـم- الذي كان "أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة"(متفق عليه).
***
والأصل في زكاة الفطر أن تُخرج طعامًا، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب"(متفق عليه)، فمن العلماء من قصرها على هذه الأصناف الخمسة المذكورة في الحديث، ومنهم من توسع فقال: تُخرج من غالب قوت البلد، ومنهم من توسع فيها أكثر فقال: تُخرج من كل ما يقتات البشر، ومنهم من توسع أكثر فقال: تُخرج من قوت الآدميين ومن قوت البهائم، ومنهم من جوَّز إخراج قيمتها نقدًا، وهذا قول الإمام أبي حنيفة والحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز وسفيان الثوري، خلافًا لسائر الفقهاء، وقد نص ابن قدامة قائلًا: "ولا تجزئ القيمة؛ لأنه عدول عن المنصوص".
***
والأصل كذلك في زكاة الفطر أن يخرجها من تجب عليه في نفس بلده، ولا ينقلها إلى بلد غيره، اللهم إلا إذا كان نقلها لمصلحة أو حاجة فإنه يجوز، كأن ينقلها إلى بلد أهلها أشد حاجة وعوزًا وفاقة كأماكن الأوبئة والكوارث والحروب، أو ينقلها إلى أقارب له يتطلعون إليها وهو يعلم حاجتهم وفاقتهم..
***
وآخر وقتها -كما يتضح من الأحاديث السابقة- فهو إلى ما قبيل صلاة عيد الفطر، فإذا صُلي العيد فقد خرج وقتها، ففي حديث ابن عباس قال: "فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات"(رواه ابن ماجه)، وإذا خرج وقت إخراجها ولم يؤدها من وجبت عليه فإنها لا تسقط عنه بحال، بل هي واجبة عليه يؤديها قضاء، فإن كان تأخيرها بعذر فلا إثم عليه، وإن أخرها عن وقتها بغير عذر فهو تقصير وتفريط وتهاون منه فعليه إثمه وذنبه.
***
وقد جمعنا ها هنا طائفة من خطب الخطباء التي تدور حول زكاة الفطر، وتحيط بجوانبها، فإليك.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم