الفتوى ما لها وما عليها - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2023-12-06 - 1445/05/22
التصنيفات:

اقتباس

وإن أفتيته بغير علم فقد صرت شريكًا له في إثمه، بل لربما نجا هو من الإثم، وحملتَه أنت كله وحدك؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه"، وفي لفظ: "من أفتي بفتيا غير ثبت، فإنما إثمه على من أفتاه"...

لم يخلق الله -عز وجل- الناس كلهم علماء؛ بل منهم العالم ومنهم الجاهل... وقد جعل الله -عز وجل- على العالم واجبًا، على الجاهل واجبًا آخر، فأما واجب العلماء فيبذلوا علمهم للناس ولا يمنعوهم إياه خاصة إذا سئلوا عنه؛ فقال -عز من قائل-: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)[آل عمران: 187]، ويروي أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة"(رواه أبو داود، وصححه الألباني).

 

وأما واجب الجهلاء فأن يسألوا عما لا يعلموا؛ فإن السؤال مفتاح العلم، وإن شفاء العي السؤال؛ فعن جابر -رضي الله عنه- قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلًا منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بذلك فقال: "قتلوه قتلهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا! فإنما شفاء العي السؤال"(رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

 

ونزل قول الله -عز وجل-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النحل: 43]؛ فمن لا يعلم يتحتم عليه أن يسأل من يعلم.

 

بل هذا سيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- نفسه، تخفى عليه أشياء ولا يعلمها، فيسأل عنها أخاه جبريل -عليه السلام-، فإما أن يجيبه إن كان يعلم، وإما أن يستفتي فيها الله -عز جل-.

 

فالكل يعلم شيئًا ويجهل أشياء: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)[الإسراء: 85]، أما الذي يعلم كل شيء ولا يخفى عليه أي شيء فذاك هو الواحد الأحد الذي لا شريك له ولا ولد، ذاك ه الله -عز وجل- وحده لا سواه: (ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[المائدة: 97].

 

****

 

ومن استفتاك في دينه فقد جعلك شريكًا له في أجره أو في إثمه؛ فإن كان ما استفتاك فيه من الخير والبر والصلاح، فأفتيته بعلم وشجَّعته عليه ورغَّبته فيه فإن لك مثل أجره، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله"(راوه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني).

 

وإن أفتيته بغير علم فقد صرت شريكًا له في إثمه، بل لربما نجا هو من الإثم، وحملتَه أنت كله وحدك؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه"(رواه أبو داود، وحسنه الألباني)، وفي لفظ لابن ماجه: "من أفتي بفتيا غير ثبت، فإنما إثمه على من أفتاه".

 

وفي القرآن الكريم وعيد شديد لمن تجرأ فقال في دين الله -تعالى- بغير علم، وجعل ذلك أعظم الآثام والأوزار والذنوب، قائلًا بعد ذكر مراتب الفواحش والكبائر المعاصي: (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[الأعراف: 33]، يقول ابن القيم: " وقد حرم الله -سبحانه- القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعله من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا منها، فقال -تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[الأعراف: 33]؛ فرتب المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريمًا منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريمًا منهما وهو الشرك به -سبحانه-، ثم ربع بما هو أشد تحريمًا من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم"(إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم).

 

***

 

لذلك كله قد وجدنا كثيرًا من العلماء الأثبات والثقات الأخيار بل من الصحابة الأطهار يتهيبون أمر الفتوى، ويتهربون منه إن وجدوا من يكفيهم إياه، فهذا التابعي الجليل عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: "أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، ما منهم رجل يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه، ولا يحدث حديثًا إلا ود أن أخاه كفاه"(جامع بيان العلم، لابن عبد البر).

 

وفي نفس الكتاب جاء عن اثنين من الخلفاء الراشدين أن كلًا منهما قال: " أي سماء تظلني؟ وأي أرض تقلني؟ إذا قلت في كتاب الله بغير علم"؛ إنهما أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-.

 

وقال ابن مسعود: "من كان عنده علم فليقل به؛ ومن لم يكن عنده علم فليقل: "الله أعلم"، فإن الله قال لنبيه: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)[ص: 86]"، وصح عن ابن مسعود وابن عباس: "من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه فهو مجنون"(إعلام الموقعين، لابن القيم).

 

وفيه عن خالد بن أسلم قال: خرجنا مع ابن عمر نمشي، فلحقنا أعرابي فقال: أنت عبد الله بن عمر؟ قال: نعم، قال: سألت عنك فدللت عليك، فأخبرني أترث العمة؟ قال: لا أدري، قال: أنت لا تدري؟ قال: نعم؛ اذهب إلى العلماء بالمدينة فاسألهم؛ فلما أدبر قبل يديه قال: "نعما قال أبو عبد الرحمن؛ سئل عما لا يدري فقال: لا أدري".

 

***

 

وفي كل عام يجعلون يومًا عالميًا للإفتاء، فلنجعله نحن يومًا عالميًا للتورع عن الافتاء إلا بعلم، وتقديم الأعلم ليفتي الناس، ونذكر أنفسنا دوما أن الافتاء قول في دين الله، فلا ننطقن فيه إلا بحق وصدق... ولهذه الأمر قد عقدنا هذه المختارة، وانتقينا لها من خطب العلماء ما يؤصِّل للأمر ويفصِّله.

 

العنوان

تحريم الإفتاء بغير علم

2016/08/27 2152 280 5

محمد بن صالح بن عثيمين

أيها الناس: إن من العقل، وإن من الإيمان، وإن من تقوى الله وتعظيمه: أن يقول الرجل عما لا يعلم: لا أعلم، لا أدري، اسأل غيري. فإن ذلك من تمام العقل؛ لأن الناس إذا رأوا تثبته، وثقوا به، ولأنه يعرف قدر نفسه حينئذ، وينزلها منزلتها، وإن ذلك من ..

المرفقات

الإفتاء بغير علم


العنوان

تقنين الفتوى صيانةً للدين والدنيا

2022/06/03 1759 336 0

الشيخ د عبدالرحمن السديس

وهنا دعوة موجَّهة لعلماء الأمة؛ للحِفَاظ على هُوِيَّة الأمة الإسلاميَّة، ووحدتها، ووسطيتها، واعتدالها، وتعاهُدِها بالتفقيه والتوعية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، والتصدي للشبهات المُضِلَّة والدعوات المغرضة، وفوضى الإفتاء عبرَ الوسائل الحديثة، ومواقع التواصُل المختلفة، وتقوية التواصُل مع شباب الأمة...

المرفقات

تقنين الفتوى صيانةً للدين والدنيا.pdf

تقنين الفتوى صيانةً للدين والدنيا.doc


العنوان

خطر الفتوى

2019/12/22 1923 221 0

سالم بن محمد الغيلي

اسألوا العلماء العارفين بالله وبكتابه وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم, وإذا ما وجدت من يفتيك فانتظر حتى تجد, لا تذهب إلى المتساهلين والمتهاونين والمميعين للدين؛ فإن عاقبة ذلك سيئة على دينك وعلى أعمالك الصالحة, كم سمعنا ورأينا من أُناس تجرأوا على الفتيا فضلوا وأضلوا الناس...

المرفقات

خطر الفتوى


العنوان

خطبة في هيبة الفتوى وخطورتها

2019/12/17 3829 269 2

سليمان السلامة

أيها الناس: التجرؤ على الإفتاء من غير الراسخين في العلم يجُر على المجتمعات التهلكات، ويحل بهم المثلات، ويقع فيهم الضلال والانحراف، وينعدم استقرار أحكام الشريعة، وتذهب هيبتها، وما...

المرفقات

خطبة في هيبة الفتوى وخطورتها


العنوان

الفتوى بغير علم وبعض أحكام المفتي والمستفتي

2019/07/22 1953 256 1

سعد آل مجري

فَالَّذِي يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَحْمِل النَّاسَ عَلَى الْوَسَطِ الْمَعْهُودِ فِيمَا يَلِيقُ بِالْجُمْهُورِ، فَلاَ يَذْهَبُ بِهِمْ مَذْهَبَ الشِّدَّةِ، وَلاَ يَمِيل بِهِمْ إِلَى طَرَفِ الاِنْحِلاَل،.. فَلاَ إِفْرَاطَ وَلاَ تَفْرِيطَ..، وَلَيْسَ لِلْمُفْتِي تَتَبُّعُ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ، بِأَنْ يَبْحَثَ عَنِ الأَسْهَل مِنَ الْقَوْلَيْنِ أَوِ الْوَجْهَيْنِ وَيُفْتِيَ بِهِ،

المرفقات

الفتوى بغير علم وبعض أحكام المفتي والمستفتي


العنوان

أمر الفتوى

2019/02/27 1983 221 2

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

أحبتي: إن حدود الله لا تستباح بزلة عالم، ولا فتوى متعالم، ومن تتبع الرخص فسق بإجماع العلماء، وتحلل من ربقة التكليف، ومن أخذ برخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله، والبر ما سكنت إليه النفس، واطمئن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر؛ وإن أفتاك الناس وأفتوك.

المرفقات

أمر الفتوى


العنوان

خطر الفتوى بغير علم والوقوع في العلماء

2013/02/20 15387 1352 29

خالد بن عبدالله الشايع

إن من أكبر الجنايات أن يطلق المرء القول بالتحريم أو التحليل فيما لا علم له به إلا مجرد الظنون أو الشكوك وتحكيم العقل والعواطف، فإن هذا من القول على الله بغير علم، وقد حرّم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعله...عباد الله: كيف تطيب الحياة، والسفهاء يلغون في أعراض أهل العلم بعواطف كاذبة خاطئة، فالعلماء هم أعلام يهتدى بهم، أئمة يقتدى بهم، وأقطاب تدور...

المرفقات

الفتوى بغير علم والوقوع في العلماء


العنوان

التيسير في الفتاوى

2016/10/13 1359 226 4

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

الفتوى إنما تكون بحسب منهج الله ودينه وشرعه، ولا يصح أبداً الاجتهاد مع وجود النص الشرعي، وإنما يكون الاجتهاد عند عدم وجود نص، ولهذا من يطلب الترخص في أمور قد قطع الله فيها وبيّن حكمها إنما يطلب الأعذار والتملق عن الحق...

المرفقات

في الفتاوى


العنوان

في التحذير من الإفتاء بغير علم

2012/04/30 2425 927 21

عبد الرحمن بن علي النهابي

إنَّ على المسلم أن يحتاط في أمر الفتيا والاستفتاء، فلا يجعل نفسه في منزلة العلماء العارفين؛ بل يجب عليه أن يتواضع، ويتهم نفسه بالقصور والتقصير، وإذا كان لا يعرف ما أشكل عليه، أو ما سُئل عنه، فعليه أن يتحرى لدينه من هو أعلم وأوْرع، الأمثل فالأمثل.

المرفقات

التحذير من الإفتاء بغير علم


العنوان

العمل عند اختلاف الفتوى

2017/12/06 1988 389 13

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري

إنَّ العلمَ دين فانظروا عمَّن تأخذون دينكم؛ فمن أخذ العلم عن الثقات أفلح وفاز، ومن أخذه من الجهلة ضَلَّ وما اهتدى، كما تجدون من الناس أقوام يسألون فلاناً ثم يسألون آخر ثم يسألون ثالثاً؛ ليصلوا إلى حكمٍ يوافق هواهم فيأخذون به، أو أنَّهم يفعلون ذلك لأخذ...

المرفقات

العمل عند اختلاف الفتوى

العمل عند اختلاف الفتوى


العنوان

منهج الصحابة في الفتوى والرد على أخطاء المجتهدين

2016/02/18 2879 352 5

الشيخ أحمد بن ناصر الطيار

وما أكثر ما نرى من أنصاف طلاب العلم، الذين يُولعون بالردود على غيرهم من طلاب العلم والمشايخ والدعاة، بمجرّد اجتهادهم في آراءٍ وأقوالٍ ظنوا صوابها، وليتهم يردّون على القول وحسب، بل يردّون على القول وقائله، ويدخلون في نيّته، ويُصنّفونه ويُبدعونه ويُحذرون منه!.. فمنهج الصحابة والسلف الصالح: عرض الرأي والحجة مُختصرةً، دُون ..

المرفقات

الصحابة في الفتوى والرد على أخطاء المجتهدين


إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات