المبادرة إلى الحج - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

اقتباس

وعلى الرغم من وجود مثل هذا الصنف الذين تعلقت قلوبهم ببيت الله الحرام، وهفت إليه نفوسهم، إلا أن أناسًا على النقيض بَعُدَتْ عليهم الشقة، ونأى بهم مرض قلوبهم عن زيارة بيت الله تعالى، رغم قربهم، وامتلاكهم تكاليف الرحلة، التي...

لَكَمْ يشتاق المؤمن إلى بيت الله الحرام، تتعالى دقات قلبه كلما رأى فيضان الحجيج حول البيت، تهفو نفسه لمرافقتهم وسكب العبرات في زمرتهم، والتعلق بأستار الكعبة، واستشعار برودة أرض الحرم بباطن قدميه، واستنشاق عبير مكة على مد البصر، يا لها من نعمة لا يشعر بها إلا من حُرِمها حقًّا، ويا ليت شعري كيف يتسنى لمن جاور البيت، وتردد صدى التلبية في أذنيه، أن لا يشارك وفد الله وفادتهم!! ولا الطائفين طوافهم!! ولا الراكعين الساجدين ركوعهم وسجودهم!! كيف طاوعته نفسه أن يسمع عجيجًا أتاه الناس من كل فج عميق، رجالاً وعلى كل ضامر، ولا تهفو نفسه لمشاركتهم الأجر، والعودة من رحلة القُرْبِ كيوم ولدته أمه نقيًّا صافيًا ليس عليه خطيئة!!  

أقول وقد دعا للخير داعٍ *** حننت له حنين المستهامِ

حرامٌ أن يلذّ لي اغتماضٌ *** ولم أرحل إلى البيت الحرامِ

ولا طافت بي الآمال إن لم *** أطف ما بين زمزم والمقامِ

ولا طابت حياةٌ لي إذا لم *** أزر في طيبةٍ خيرَ الأنامِ

وأهديه السلام وأقتضيه *** رضًا يدني إلى دار السلامِ  

 

يعلم الله كم من رجل ضيَّق على نفسه وعياله كي يدَّخر ماله الذي أنفقه في رحلة الحج، كم تقطَّر جبينه عرقًا حياءً من سوء ثيابه، أو نعله المتهرئ، أو قلة طعامه وشرابه، أو ضيق منزله، أو أثاثه المتواضع، ليجمع ماله بعضه على بعض ويؤدي فريضة الله التي كتبها عليه، لا بدافع إسقاط الفريضة حاشا، ولكن شوقًا إلى رؤية بيت الله الحرام، وحبًّا في التقرب إلى ربه تعالى بركن من أعظم أركان الإسلام.  

 

يفعل ذلك وهو ليس مكلفًا بأداء هذه الفريضة؛ حيث لا يملك ما يكفيه لأدائها، وهذا ينطبق بشكل أكبر على من يعيش خارج الجزيرة العربية، فبعض أهل البلدان البعيدة عن الجزيرة أو حتى المجاورة -التي لا يفصلها عنها إلا حدود سياسية وهمية- يُعَدُّ الحج بالنسبة إليهم أملاً بعيدًا، وأمنية بَعُدَ شأوها ويأسوا في تحقيقها، حيث يعيش أغلبهم تحت خط الفقر، وبالكاد يكفي أولاده طعامًا متواضعًا وشرابًا منخفض التكاليف، هذا إذا لم يقترض نهاية كل شهر ويتكفف الناس أعطوه أو منعوه، ولكن اشتعال جذوة المحبة في قلوب هؤلاء، واشتياقهم لمحاكاة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- في عبادته تدفعهم دفعًا نحو التضييق على أنفسهم -من حيث لا يشعرون- لإدراك هذه الفضيلة العظيمة التي قد تكون أمنية مستحيلة لبعضهم.   وعلى الرغم من وجود مثل هذا الصنف الذين تعلقت قلوبهم ببيت الله الحرام، وهفت إليه نفوسهم، إلا أن أناسًا على النقيض بَعُدَتْ عليهم الشقة، ونأى بهم مرض قلوبهم عن زيارة بيت الله تعالى، رغم قربهم، وامتلاكهم تكاليف الرحلة، التي لا تتعدى بالنسبة إليهم دريهمات قليلة؛ حيث شرَّفهم الله تعالى بمجاورة بيته، وأغناهم -عز وجل- من فضله، ولو كان عرضًا قريبًا وسفرًا قاصدًا لأتوه، ولكن قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة، فلا تحركهم تلبية الحجيج، ولا هيبة منظر كعبة الله، ولا مشهد تجمع البشر من كل بقعة من بقاع الأرض بثياب الموت، وإنما تحركهم أهواؤهم ورغباتهم، فينفقون يمينًا وشمالاً على شهواتهم، ويسافرون فيشرِّقون ويغرِّبون، ولا يبخلون على الإنفاق بمئات الآلاف والملايين على هواهم، وإنما يشحون ويسوِّفون في زيارة البيت، فقد يبلغ أحدهم ويتعدى عتبات الشباب بل وقد يبلغ من الكبر عتيًّا، وتدركه الشيخوخة، ويشتعل رأسه شيبًا، ولم يزل متقاعسًا عن أداء فريضة الله –تعالى-، وهو مكلف بأدائها متى ما بلغ وامتلك القدرة والاستطاعة، إلا أن الشيطان استولى على العقول والأفئدة، فساقها إلى حيث شاء، وزين في الأنفس المال وحببه إليها، فلا إنفاق للمال إلا على الأهواء والشهوات، ولا يكون لله -عز وجل- منه نصيب، رغم أنه سبحانه واهب المال ومعطي النعم، وقد وعد المنفقين بالإخلاف، وتوعد الممسكين بالإتلاف، ولكن:   حبك الشيء يعمي ويصم  

 

إن الحج ركن عظيم من أركان هذا الدين، وفريضة كبرى من فرائضه، تجب على الفور متى ما بلغ الإنسان وامتلك ما يستطيع به أداءها، فإن فرَّط وسوَّف وتقاعس فأدركه المرض أو الفقر أو الموت فقد فوَّت على نفسه أجرًا عظيمًا، وعرضها للمساءلة والعقاب، وأما من بادر فهنيئًا هنيئًا له الزيارة، وهنيئًا هنيئًا له التضلع من زمزم، وهنيئًا هنيئًا له السعي والطواف، وهنيئًا هنيئًا له القلب الجديد، والعقل الجديد، والنفس الجديدة، وصحيفة الأعمال البيضاء، والالتزام الصادق بأمر الله، وهنيئًا هنيئًا له الأجر العظيم، والثواب الجزيل، فقد عاد من خطاياه بالكفارة كيوم جاء إلى الدنيا، وجاهد في الله تعالى أفضل الجهاد، وأُعتق من النار في يوم عرفة، واستجيب دعاؤه وعجيجه:  

أَمَا والَّذِي حَـجَّ الْمُحِبُّـونَ بَيْتَـهُ *** وَلَبْـوا لَهُ عِنْـدَ الْمُهِلِّ وَأَحْرَمُوا

وَقَدْ كَشَفُوا تِلْكَ الـرؤُوسَ تَوَاضُعًا *** لِعِزَّةِ مَنْ تَعْنُـو الْوُجُـوهُ وتُسْلِمُ

يُهِلُّـونَ بِالْبَيْـدَاءِ لَبَّـيْـكَ رَبَّنَـا *** لَكَ الْمُلْكُ وَالْحَمْدُ الَّذِي أَنْتَ تَعْلَمُ

دَعَـاهُـمْ فَلَبّـوْهُ رِضًـا وَمَحَبَّـةً *** فَلَمَّا دَعَوْهُ كَـانَ أَقْـرَبَ

مِنْهُمُ تَرَاهُـمْ عَلَى الأَنْضَاءِ شُعْثًا رُؤوسُهُمْ *** وَغُبْرًا وهُـمْ فِيْهَـا أَسَـرُّ وَأَنْعَمُ  

 

في مختاراتنا لهذا الأسبوع جمعنا لكم بعض ما جادت به قرائح الخطباء حول الحج وحكم المبادرة بأدائه وحرمة التفريط والتقاعس عن القيام به، حيث يعاني كثيرون من الجهل بهذه الأحكام، ظانين أن الحج واجب على التراخي، أو أنه ليس واجبًا من حيث الأصل، فيؤجلون ويؤجلون حتى يحين الأجل، ولات حين مندم. لذلك نأمل من إخواننا الخطباء والدعاة إلى الله أن يبينوا للناس ذلك الحكم، ويزيلوا تلك الجهالة وذلك الالتباس، فلعل النائم يستيقظ، والغافل ينتبه، ولعل الباخلين بأموالهم يدركون خطورة تصرفهم فيبذلون المال في مكانه، وينفقونه ابتغاء رضا الله –تعالى-

 

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
العنوان
كتب الله عليكم الحج فحجوا 2015/08/20 4605 680 51
كتب الله عليكم الحج فحجوا

إن من الملاحظ على كثير من الناس التسويف والتأجيل والتأخير في فرض الحج، حتى يبلغ بعض الناس مبلغًا متقدمًا من العمر وهو في صحة وعافية وسعة من المال لكنه لم يحج تجده طوّف بلاد الدنيا، بل من الناس من يستدين ليتفسح ويتنزه يمنة ويسرة، وإذا جاء الحج قال: عليّ دين ما أستطيع، اصبر أشوف، وما إلى ذلك من الأعذار التي قد تكون حقيقة فيعذره الله –تعالى- بها، وقد تكون تبريرًا لتأخيره وتسويفه، عند ذلك يقول لك الله جل وعلا: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)، ويقول سبحانه: (وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) ...

المرفقات

الله عليكم الحج فحجوا

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life