تعجلوا إلى الحج

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/وجوب الحج وفرضيته 2/شروط وجوب الحج 3/وجوب المبادرة بالحج 4/بعض صور ومظاهر التأخر في أداء الحج 5/بعض النصوص المشوقة للمبادرة بالحج 6/تذكير المسلم بواجباتها تجاه إخوانه

اقتباس

أيها الإخوة: اتقوا الله، وأدوا ما فرضه الله عليكم من الحج إلى بيته الحرام متى استطعتم إليه سبيلاً، فقد قال الله -تعالى- موجباً للحج: (وَلِلهِ عَلَى الناسِ حِجُ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَ اللهَ غَنِيٌ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97]. قال المفسرون: في قوله: (عَلَى الناسِ) دليل الوجوب، خصوصًا إذا...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الملك العلام، الذي فرض علينا الحج إلى بيته الحرام، وجعله مرة في العمر لا كل عام، وجعل ذلك ركناً من أركان الإسلام، أحمده سبحانه على الرخاء والنعماء، وأشكره في السراء والضراء.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

أيها الإخوة: اتقوا الله، وأدوا ما فرضه الله عليكم من الحج إلى بيته الحرام متى استطعتم إليه سبيلاً، فقد قال الله -تعالى- موجباً للحج: (وَلِلهِ عَلَى الناسِ حِجُ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَ اللهَ غَنِيٌ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97].

 

قال المفسرون: في قوله: (عَلَى الناسِ) دليل الوجوب، خصوصًا إذا ذُكر المستحِق.

 

ثم أتبعه بقوله: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِن اللهَ غَنِي عَنِ الْعَالَمِينَ) ليبين أن مَن لم يعتقد وجوبه فهو كافر، وأنه إنما وضع البيت وأوجب حجه، ليشهدوا منافع لهم لا لحاجته إلى الحجاج، كما يحتاج المخلوق لمن يقصده ويعظمه؛ لأن الله غني عن العالمين.

 

وقال سبحانه: (وَأَتِموا الْحَج وَالْعُمْرَةَ لِلهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [البقرة: 196].

 

قال الشيخ السعدي: يُستدل بقوله تعالى: (وَأَتِموا الْحَج وَالْعُمْرَةَ) على أمور:

 

أحدها: وجوب الحج والعمرة، وفرضيتهما.

 

الثاني: وجوب إتمامهما بأركانهما، وواجباتهما، التي قد دل عليها فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقوله: "خذوا عني مناسككم".

 

وقال سبحانه: (وَأَذِنْ فِي الناسِ بِالْحَج يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُل فَج عَمِيقٍ) [الحج: 27].

 

قال سعيد بن جبير -رحمه الله-: "فأذن فيهم: إن لربكم بيتًا، فحجوا".

 

وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَطَبَنَا رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "أَيُهَا النَاسُ، قَدْ فَرَضَ اللَهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَ فَحُجُوا"، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُل عَامٍ يَا رَسُولَ اللَهِ؟! فَسَكَتَ حَتَى قَالَهَا ثلاثًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا استطعتم" [رواه مسلم].

 

وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَابِ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ رِجَالاً إلَى هَذِهِ الأَمْصَارِ فَيَنْظُرُوا كُلَ مَنْ كَانَ لَهُ جدةٌ -أي غِنى- ولم يحُج فيضربوا عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ، مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ".

 

قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في "شرح العمدة": "وهذا قول عمر ولم يخالفه مخالف من الصحابة، وقد حكى رحمه الله اتفاق الصحابة والسلف أن الحج يجب على الفور، أي إذا توفرت شروطه وجب على المسلم المبادرة به، وعدم تأخيره.

 

وشروط وجوب الحج: البلوغ، والعقل، والحرية، والاستطاعة بالبدن والمال، ويشترط للمرأة -زيادةً على ذلك- وجود المحرم.

 

وقال رحمه الله: بعدما ساق الأحاديث التي تدل على التغليظ في تأخير الحج مع توفر شروطه: "وَهَذَا التَّغْلِيظُ يَعُمُّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ، وَهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ فَفِي تَأْخِيرِهِ تَعَرُّضٌ لِمِثْلِ هَذَا الْوَعِيدِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا لَحِقَهُ هَذَا؛ لِأَنَّ سَائِرَ أَهْلِ الْمِلَلِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَا يَحُجُّونَ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ يُصَلُّونَ، وَإِنَّمَا يَحُجُّ الْمُسْلِمُونَ خَاصَّةً".أ. هـ.

 

وقال شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله- بعدما ذكر أدلة الوجوب: والأصل في الأمر أن يكون على الفور، ولهذا غضب النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في غزوة الحديبية حين أمر الصحابة -رضي الله عنهم- بالإحلال من الإحرام وتباطؤوا؛ ولأن الإنسان لا يدري ما يعرض له، فقد يكون الآن قادراً على أن يقوم بأمر الله -عزّ وجل-، وفي المستقبل عاجزاً، ولأن الله أمر بالاستباق إلى الخيرات، فقال: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) [البقرة: 148].

 

والتأخير خلاف ما أمر الله به، وهذا هو الصواب، أن الحج واجب على الفور.

 

أحبتي: لقد تأملت تلك الآيات والأحاديث التي تدل على وجوب الحج الذي لا مرية فيه.

 

ثم تأملت قول النَبِيِ -صلى الله عليه وسلم-: "تَعَجَلُوا إلَى الْحَجِ -يَعْنِي الْفَرِيضَةَ- فَإِنَ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ" [رَوَاهُ أَحْمَدُ، وهو حديث حسن].

 

فتوقفت عند هذا الحديث متسائلاً هل أدرك المسلمون ما عناه النبي -صلى الله عليه وسلم- من أمر بأداء الحج على الفور، أي من حين اكتمال شروطه فيهم يبادرون؟ وهل أولوا ما يدل عليه من تَوْجِيهٍ اهتمامهم فجعلوا الحج هدفاً يسعون لتحقيقه في أنفسهم ولمن ولاهم الله أمرهم؟

 

فسرحت الطرف في أحولنا فوجدت -مع الأسف- في واقعنا تهاوناً وتسويفاً من بعضنا لا ينبغي أن يكون من مؤمن، فكم في مجتمعاتنا اليوم ممن تتوفر فيهم شروط وجوب الحج، ومع ذلك سوفوا وأخروا.

 

فسمعت عن أناس ضربوا الأرض طولاً وعرضاً، ولم يدعوا مكاناً جميلاً في هذه الأرض إلا وصلوه ورأوه وربما ترددوا عليه مراتٍ وكرات، ووجدوا للوصول إليه والسياحة في ربوعه سبيلاً، ووفروا للسياحة فيه ما يكفيها من أموال بطريق عجيبة! وربما بلغ بعضهم منتصف العمر، أو تعداه، ومع ذلك لم يؤد فريضة الحج، ولم يفكر ليجد إليها سبيلاً.

 

وسمعت عن آخرين توفرت فيهم شروط وجوب الحج، لكنهم لم يحجوا؛ لأنهم يرون أن الإنسان لا يمكن أن يحج إلا إذا تزوج أو تخرج! ولم يجعل أحد من أهل العلم الزواج أو التخرج شرطاً من شروط وجوب الحاج!.

 

وقال بعضهم: لا أحج حتى أكون مستقيمًا على الدين، قائمًا بكل الواجبات، ومنتهيًا عن كل المحرمات ثم أحج.

 

نقول لمن اعتقد هذا الاعتقاد: إن الحج من الأوامر الشرعية، فإذا تمت شروط وجوبه وجب، وهو خطوة في طريق الاستقامة على دين الله، وتنفيذِ جميعِ الأوامر الشرعية الأخرى، وقطع الطريق الطويل إنما يكون بخطوة ثم خطوة، وكم رأينا من الرجال من كان الحج مفتاحَ صلاحهم وبداية استقامتهم؛ خصوصًا إذا وفق مريد الحج لرفقة صالحة؟

 

أقول لهؤلاء جميعاً: لقد بنيتم عوائق وهميةٍ للحج ليس لها أصل في الشرع.

 

وسمعت عن نساءٍ توفرت فيهن شروط وجوب الحج لكن المحارم اعتذروا عن مرافقتهن.

 

وسمعت عن أناس جابوا الأرض شرقاً وغرباً مع أسرهم وفي أولادهم من بلغ عاقلاً، ولم يفكر يوماً بأخذ البالغين لأداء فريضة الحج!.

 

نعم، ليس واجباً عليه تحجيجهم، لكن لو فعل حاز أجوراً كثيرة، منها: أجر تحجيج الفريضة، وأجر الدعوة للخير، وأجر الصلة لأقرب قريب، في أداء ركن من أركان الإسلام.

 

وسمعت عن كفلاء رفضوا الإذن لمكفوليهم لأداء فريضة الحج بحجة أن العمل يتعطل، أو أن المكفول جديد، ولا بد أن يمضي عدداً من السنوات، حتى يأذن له بالحج، وربما سافر العامل وضاعت على الطرفين فرصة الحج.

 

أقول لهؤلاء: عجباً لكم كيف تتثاقلون فريضة الحج، وهو لا يجب في العمر إلا مرة واحدة؟! وكيف تتراخون وتؤخرون أداءه وأنتم لا تدرون لعلكم لا تستطيعون الوصول إليه بعد عامكم هذا؟!

 

نعم، لقد أبعدتم النجعة، وفوتم على أنفسكم خيرا كثيرا، وفوتم على من ولاكم الله أمرهم خيرا كثيرا، فقد فات عليهم أداء أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام.

 

أسأل الله بمنه وكرمه أن يعيننا على ذكره وشكره، وحسن عبادته.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي جعَل ثوابَ الحج المبرور الجنةَ دار السلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له الملك العلام، وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا محمَّدًا عبد الله ورسوله نبيُّ الرحمة وسيِّد الأنام، اللّهمّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمّد، وعلى آله وصحبه الأئمّة الأبرار الأعلام.

 

أيها الإخوة: اتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، واعلموا أن الخير كل الخير في المبادرة بأداء الحج

 

وأقول لمن ذكرت أحوالهم جميعاً: قفوا وتأملوا معي هذه النصوص، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ، فَلْيَتَعَجَّلْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ" [رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني].

 

وعن زيدِ بنِ خالدٍ الجهني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن جهَز غازيًا، أو جهز حاجًّا، أو خلَفَه في أهلِه، أو فطَرَ صائمًا، كان له مثلُ أجورِهم من غيْرِ أن ينقصَ من أُجُورِهم شيءٌ" [رواه ابن خزيمة، والنسائي، وصححه الألباني].

 

في هذين الحديثين: ترهيب وترغيب، ترهيبٌ من مغبة التأخير سواء من تأخر الإنسان بنفسه، أو من ولاك الله أمره، وترغيبٌ في مساعد مريد الحج سواء من النساء بالمحرمية أو بالمال، أو من الأولاد بالمال والحث على الحج، أو من العمالة بالإذن والمساعدة الإدارية والمالية لهم.

 

وأقول لأولياء النساء: إن من النساء من تستطيع الحج ببدنها ومالها، لكنها لا تستطيع أداء الفريضة، بسبب اعتذار المحرم عن مرافقتها، فاحتسبوا الأجر فيمن ولاكم الله عليهن من النساء؛ فإن رسول الله يقول: "استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهن عوان عندكم" أي: أسيرات.

 

ويقول: "خيركم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

 

ويقول: "لا يكرِم النساء إلا كريم، ولا يهينهن إلا لئيم" -نعوذ بالله من ذلك-.

 

ومن الوصية بهن، وإكرامهن، وتقديم الخير لهنّ: مرافقتهنّ إلى أداء فريضة الحج.

 

فبادروا -وفقكم الله- لكل خير.

 

أيها الأحبة: يمر العالم هذه الأيام بموجة حر شديد، حري بنا أن نتعوذ بالله من نار جهنم، وحرها، وأن نصبر على ما أصابنا من لأواء الحر وعنته، وألا نردد التذمر منه، وكم ننسى، لكن علينا أن يذكر بعضنا بعضاً بعدم التشكي، ونحمد الله على ما أولانا من النعم والوسائل التي تعيننا على تخفيفه، وهذا من فضل الله علينا، وأن نُرَشْدَ الطاقة بقدر المستطاع، ونغلق كل جهاز للتكييف لا يجلس عنده أحد، وبالنسبة للمساجد الكبيرة التي لا يؤمها أعداد كبيرة من المصلين، حري بأهل المسجد أن يقتطعوا جزء منه لصلوات الأوقات تخفيفاً لأحمال الكهرباء، وحماية للأجهزة من التلف والحاجة الدائمة للصيانة، وربنا يقول: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31].

 

فالإسرف يبغضه اللّه سواء في المأكل والمشرب، أو غيرها.

 

 

المرفقات

إلى الحج

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات