العلم أهميته وفضل نشره - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات:

اقتباس

وجزاء من يكتم العلم ولا ينشره هو لعنة الله له -والعياذ بالله-، يقول -عز من قائل-: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) [البقرة: ١٥٩]... ومع اللعنة لجام من نار داخل جهنم فقد قال -صلى الله عليه وسلـم-: "من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة"...

    إنني لا أتردد ولا أتشكك حين أقول: أن حب العلماء العاملين الربانيين من الإيمان ومن الفرائض؛ وكيف لا وهم من يعلِّمون الدين والحلال والحرام وينافحون عن الإسلام ويقومون بالقرآن... يروي عبادة بن الصامت فيقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- يقول: "ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه" (مسند الشاشي، وحسنه الألباني)، بل إن تقدير العلماء العاملين من إجلال الله -سبحانه وتعالى-، فعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-: "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه..." (أبو داود، وحسنه الألباني).  

 

وما لنا لا نجلهم وبهم يحفظ الله دينه، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالمًا اتخذ الناس رءوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" (متفق عليه)، فموت العالم الرباني مصيبة من المصائب، فصدق من قال:   تعلم:

ما المصيبة فقد مال *** ولا شاة تموت ولا بعير

ولكـن المصيبــة فقــد حر ***  يموت بموته بشـر كثير  

 

فإن الله -تعالى- رفع العلماء، فكيف لا نرفعهم؟ قال -عز وجل-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: ١١]، والله -عز وجل- قدَّمهم في أجل الفرائض، فكيف لا نقدمهم؟  فعن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلمًا" (مسلم).  

 

وقد كانت -وما زالت- منزلتهم خلف منزلة الأنبياء مباشرة، فعن أبي مسعود قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: "استووا، ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" (مسلم).  

 

وإن ظننت أن هذا التقديم خاص بإمامة الصلاة فقط، فإن الإمام النووي يجيبك قائلًا: "ولا يختص هذا التقديم بالصلاة؛ بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الأمام، وكبير المجلس كمجالس العلم والقضاء والذكر والمشاورة ومواقف القتال وإمامة الصلاة والتدريس والإفتاء وإسماع الحديث ونحوها، ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين والعقل والشرف والسن والكفاءة في ذلك الباب والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك" (شرح النووي على صحيح مسلم).   ولندلل على كلام النووي، فهذا مجال آخر يقدَّم فيه العالم العامل؛ إنه في أولوية الدفن، يروي جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- فيقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- يقول لقتلى أحد: "أي هؤلاء أكثر أخذًا للقرآن؟"، فإذا أشير له إلى رجل قدمه في اللحد قبل صاحبه (البخاري).  

 

وهذا الإمام طاووس -رحمه الله- يقول: "من السنة أن يوقر أربعة: العالم، وذو الشيبة، والسلطان، والوالد" (المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي)، وحكم عمار بن ياسر بالنفاق على من استخف بمن يعلم الناس الخير فقال: "ثلاثة لا يستخف بحقهن إلا منافق بيِّن نفاقه: إمام مقسط، ومعلم الخير، وذو الشيبة في الإسلام (مُصنف ابن أبي شيبة)، والمستخف بهم -في نظر سفيان الثوري- ممن لا خيرفيه! يقول الثوري: "إذا رأيت الشاب يتكلم عند المشايخ، وإن كان قد بلغ من العلم مبلغًا، فآيس من خيره فإنه قليل الحياء" (المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي).

 

أحبائي الخطباء: لا بد الآن أن نقرر حقيقة وشرطًا يجب إلَّا يُغفَل عنه وألَّا يُنسى؛ ذلك أن رفعة مقام العلماء ومكانتهم عند الله مشروط بقيامهم بحقوق العلم، وإن أول حقوق العلم نشره وتبليغه وعدم كتمانه، هذا ما أخذ الله عليهم الميثاق بمقتضاه، وإلا وقع لهم ما وقع لمن قبلهم: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) [آل عمران: 187]، يعلق ابن كثير قائلًا: "وفي هذا تَحْذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم، ويُسْلكَ بهم مَسْلكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع، الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئًا" (تفسير ابن كثير).  

 

وجزاء من يكتم العلم ولا ينشره هو لعنة الله له -والعياذ بالله-، يقول -عز من قائل-: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) [البقرة: ١٥٩]، يقول القرطبي مفسرًا: "وهذه الآية وإن كانت في الأحبار فإنها تتناول من المسلمين من كتم الحق مختارًا لذلك بسبب دنيا يصيبها" (تفسير القرطبي).   ومع اللعنة لجام من نار داخل جهنم -نعوذ بالله-، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلـم-: "من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة" (أبو داود، وصححه الألباني)، وعنه أيضًا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلـم- قال: "مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به، كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه" (الطبراني في المعجم الأوسط، وحسنه الألباني).  

 

ولخطورة كتمان العلم فقد حذر الله -سبحانه وتعالى- نبينا محمدًا  -صلى الله عليه وسلـم- أن يكتم شيئًا مما علمه إياه، فقال -عز من قائل-: (يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)  [المائدة: ٦٧]، قال ابن عباس: "المعنى بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك، فإن كتمت شيئًا منه فما بلغت رسالته، وهذا تأديب للنبي -صلى الله عليه وسلـم- وتأديب لحملة العلم من أمته ألا يكتموا شيئًا من أمر شريعته، وقد علم الله -تعالى- من أمر نبيه أنه لا يكتم شيئًا من وحيه" (تفسير القرطبي). 

 

 ولنقطف الآن زهرة من أزهار السلف في توقيرهم واحترامهم لمن علَّموهم:   هذا الإمام الزهري يحكي عن نفسه فيقول: "إني كنت لآتي باب عروة فأجلس ثم أنصرف ولا أدخل، ولو شئت أن أدخل لدخلت، إعظامًا له" (المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي)، وهذا المغيرة يقول: "كنا نهاب إبراهيم كما يهاب الأمير" (المرجع السابق).   وهذا القاسم يقول: "ما دققت على محدث بابه قط؛ لقول الله عز وجل: (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)  [الحجرات: 5]" (المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي)، وهو ما جعله الخطيب البغدادي قاعدة قائلًا: "إذا وجد الطالب الراوي نائمًا، فلا ينبغي له أن يستأذن عليه، بل يجلس وينتظر استيقاظه، أو ينصرف إن شاء" (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع).   وعن محمد بن عبد الوهاب بن حبيب العبدي، قال: سمعت أبي يقول: «كنا نأتي مالك بن أنس نجلس في دهليز له وعليه مصراعان فتجيء هاشم فتجلس، وتجيء قريش فتجلس على منازلها، ثم نجيء نحن فنجلس، وتخرج جارية له بالمراوح فيأخذ الناس يتروحون فيقول الشيخ بالمصراع فيفتحه فيخرج فينظر إلى قريش كأنما على رؤوسها الطير إذا نظروا إليه إجلالًا، قال: وفي ذلك يقول الشاعر:

يأبــى الـجواب فما يراجع هيبة *** والسائلــــــون نواكس الأذقـان

أدب الوقار وعز سلطان التقى*** فهو الأمير وليس ذا سلطان" (المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي).  

 

وهذا سفيان الثوري حضر مجلسه شاب من أهل العلم، وهو يترأس ويتكلم ويتكبر بالعلم على من هو أكبر منه، فغضب سفيان وقال: "لم يكن السلف هكذا كان أحدهم لا يدعي الإمامة، ولا يجلس في الصدر حتى يطلب هذا العلم ثلاثين سنة، وأنت تتكبر على من هو أسن منك! قم عني ولا أراك تدنو من مجلسي" (المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي).   

 

وفيما يلي قد جمعنا عددًا من خطب الخطباء، الذين يفصلون ما أجملنا، ويتمون ما بدأنا ويكملون ما فيه قصَّرنا، فدونك فاستفد.  

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
الخطبة العاشرة:
العنوان
العلم والتعليم (1) فضل العلم والعلماء 2008/12/23 56191 3034 225
العلم والتعليم (1) فضل العلم والعلماء

والخير كل الخير يناله أهل العلم بمقتضى قول الله تعالى (يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) البقرة:269 وبمقتضى قول النبي صلى الله عليه وسلم :(من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) رواه الشيخان من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما

المرفقات

والتعليم (1) فضل العلم والعلماء

والتعليم (1) فضل العلم والعلماء - مشكولة

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life