الحياء - ملف علمي

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2023-01-23 - 1444/07/01
التصنيفات: الملفات العامة

اقتباس

والحياء أنواع وأقسام وأشكال وصور، فأولها وأعلاها وأسماها: الحياء من الله -تعالى-: ولقد فصَّل لنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- كيفية الحياء من الله قائلًا: "الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى...

خلق يقول الناس عنه نقص وعيب وشين، ويقول عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما كان الحياء في شيء إلا زانه"(رواه الترمذي)... ويقولون عنه أنه يجلب الشر، ويقول عنه -صلى الله عليه وسلم-: "الحياء لا يأتي إلا بخير"(متفق عليه)... ويقولون عنه أنه خاص بالنساء وحدهن دون الرجال، ويصف أبو سعيد الخدري به سيد الرجال وسيد الخلق أجمعين؛ نبينا -صلى الله عليه وسلم- فيقول: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد حياء من العذراء في خدرها"(متفق عليه)، ويؤيد ذلك أنس -رضي الله عنه- قائلًا: "وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- شديد الحياء"(رواه البخاري).

فمن ترانا نُصدِّق! إن المؤمن بلا شك يُصدِّق الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-.

 

ولقد جعله -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان فقال: "والحياء شعبة من الإيمان"(متفق عليه)، ومر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رجل من الأنصار، وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دعه فإن الحياء من الإيمان"(متفق عليه).

 

وكفى أن الحياء خلق يحبه الله -تعالى-، فعن أشج عبد القيس قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن فيك لخلقين يحبهما الله"، قلت: وما هما يا رسول الله؟ قال: "الحلم والحياء"... قلت: الحمد لله الذي جبلني على خلقين أحبهما الله"(رواه البخاري في الأدب).

 

بل الحياء من صفات الله -جل وعلا-، فعن سلمان الفارسي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين"(رواه الترمذي).

 

ولقد كان نبي الله موسى كرسولنا -صلى الله وسلم عليهما- شديد الحياء؛ فيروي أبو هريرة -رضي الله عنه- أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن موسى كان رجلًا حييًا ستيرًا، لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التستر، إلا من عيب بجلده: إما برص وإما أدرة وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يومًا وحده، فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملإ من بني إسرائيل، فرأوه عريانًا أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربًا بعصاه، فوالله إن بالحجر لندبًا من أثر ضربه، ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا، فذلك قوله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا)[الأحزاب: 69]"(رواه البخاري).

***

 

والحياء أنواع وأقسام وأشكال وصور، أولها وأعلاها وأسماها: الحياء من الله -تعالى-: ولقد وضَّح لنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- كيفية الحياء من الله، فقال يومًا لأصحابه: "استحيوا من الله حق الحياء" قال: قلنا: يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله، قال: "ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء"(رواه الترمذي).

 

وقد سأل معاويةُ القشيري -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" قال: قلت: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: "إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها"، قال: قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليًا؟ قال: "الله أحق أن يستحيا منه من الناس"(رواه أبو داود).

وصدق الشاعر:

وإذا خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحيي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني

 

وقالوا عن الحياء من الله أنه: "حالة تتولد في رؤية الآلاء ورؤية التقصير"، أي: من مطالعة العبد لنِعم الله الغزيرة، مع تقصيره في شكرها.

 

وثانيها: الحياء من الملائكة: فهذا عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- يعهد إلى بعض عماله، فكان مما قال لهم: "واعلموا أن عليكم ملائكة الله حفظة عليكم، يعلمون ما تفعلون في مسيركم ومنازلكم، فاستحيوا منهم، وأحسنوا صحابتهم، ولا تؤذوهم بمعاصي الله"(رواه أبو نعيم في الحلية).

 

والحياء من أخلاق الملائكة؛ فلما سألت عائشة -رضي الله عنها- زوجها -صلى الله عليه وسلم- قائلة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك؟! أجابها: "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة"(رواه مسلم).

 

وثالثها: الحياء من النفس: ومن كانت نفسه عليه عزيزة فليكرمها بالحياء منها، ولا تكن نفسه أهون عليه من عوام البشر، وقال بعض الحكماء: "ليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من غيرك"، وقال بعض الأدباء: "من عمل في السر عملًا يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر"(أدب الدنيا والدين، للماوردي).

 

ورابعها: الحياء من الناس: فقد أشار -صلى الله عليه وسلم- إلى الحياء من صالحي الناس، فعن سعيد بن يزيد أن رجلًا قال: يا رسول الله أوصني، قال: "أوصيك أن تستحيي من الله -عز وجل- كما تستحيي رجلًا من صالحي قومك"(رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق).

 

وقد غلب الحياء من الناس أبا سفيان وقت أن كان كافرًا فمنعه من الكذب على رسولنا -صلى الله عليه وسلم- حين سأله هرقل عنه، يقول أبو سفيان عن نفسه: "والله لولا الحياء يومئذ، من أن يأثر أصحابي عني الكذب، لكذبته حين سألني عنه، ولكني استحييت أن يأثروا الكذب عني، فصدقته"(متفق عليه)

 

وخامسها: حياء النساء: وهو جزء لا يتجزأ من أنوثتهن وزينتهن وجمالهن، فمن فقدته منهن فقد فقدت جزءًا من أنوثتها، ورحم الله ابنة شعيب التي خلَّد القرآن ذكرى حيائها قائلًا: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ)[القصص: 25].

***

 

ومع أن الحياء من الفضائل كما قررنا، لكنه في مواضع يصبح مذمومًا مرفوضًا، ومنها:

الحياء المانع من التعلم: فإن العلم يضيع بين حياء وكبر، وقد أثنت أم المؤمنين عائشة على من لم تستحي أن تسأل عن غسلها من المحيض ومن الجنابة، قائلة: "نعم النساء نساء الأنصار؛ لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين"(متفق عليه، واللفظ لمسلم).

 

والعكس كذلك مرفوض؛ وهو أن يُسأل عما لا يعلم فيستحي أن يقول: "لا أعلم"، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا ينزع العلم انتزاعًا، ولكن يقبض هذا العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسًا جهالًا، فسئلوا فاستحيوا أن يقولوا: لا نعلم، فأخذوا بالرأي فضلوا وأضلوا"(أصله في الصحيحين، وهذا اللفظ لابن المقرئ في معجمه).

 

ولقد عقدنا هذا الملف منبهين على أهمية هذا الخلق الثمين؛ خلق الإسلام، وقد انتظمت مواده في المحاور التالية:

 

الحياء كله خير
المحور الأول: ماهية الحياء، وأنواعه، وصوره، ومواضعه
المحور الثاني: وسائل اكتساب الحياء، وأسباب فقدانه وعقوباته، وشبهات ضده
المحور الثالث: فضائل الحياء وثمراته، ونماذج للحياء ولفقدانه
المحور الرابع: كتب ومراجع وإحالات
العنوان
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life