همسة عن الحياء لحواء

يحيى جبران جباري

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/عظم منزلة الحياء 2/صور من وقاحة أفراد المجتمع 3/وجوب الغيرة على النساء وتربيتهن على الحياء

اقتباس

فالحياء لا لفظ له إلا الحياء، ومهما بحثت لمعنى له فلن تجد للحياء معنى إلا الحياء، ومهما اجتهدت لتضيف على ذلك شيئا فلن تكون إلا كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء..

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الآمر بالحياء، أحمده سبحانه وأشكره عدد ما في الأرض من مخلوقات وما في السماء، وأستعينه وهو معين الضعفاء، وأستهديه وهو هادي السفهاء، وأستغفره وهو غافر الزلات والأخطاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة يوم اللقاء، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله، خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وخير الخلق بلا استثناء، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، ما استمر أخذ وعطاء.

 

ثم أما بعد: فأوصيكم إخوة الدين ونفسي المقصرة بتقوى الله الرحمن الرحيم، فما متاع الحياة إلا إلى حين، ثم عودة إلى الله رب العالمين، فاحذر أن تلاقيه عبدالله وانت صفر اليدين.

 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[لقمان:33-34].

 

أيها المسلمون: اعلموا -يا رعاكم الله- أن كل الصادقين من أبناء هذه الأمة الإسلامية العظيمة يعتمدون على ما جاء في كتاب الله العزيز، ولما صح من ألفاظ عن نبيهم -عليه صلوات الله وسلامه-، يميل الجميع وينحاز -ولا غرابة-؛ فقد ثبت بالدليل والتمثيل والعلم الحديث ما فيهما من حقيقة وإعجاز، وها أنا أقف أمامكم واعظا قائلا: ما بين حقيقة ومجاز فتشت في صحار من رمال الأقوال، وخضت بحر المعاني وكابدت أمواجه الثقال، وتسلقت لأرقى الألفاظ أعلى قمم الجبال، وحاولت أن أجد المحال لأبحث فيه عن محال فاستحال؛ فقد جاء ما أقصده بلفظ واحد عند العظيم العلام، وكذلك جاء بنفس اللفظ عمن أوتي جوامع الكلم -عليه الصلاة والسلام-؛ فمثل قوله لإرواء آذان السامعين كمثل ارتواء العطشى بالماء الزلال، أعلم بأن الفكر صال وجال، وها أنا أتكلم بلساني، وعن الكثيرين بلسان الحال؛ (الحياء)، (وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) [الأحزاب:53]، "الحياء لا يأتي إلا بخير"، و"إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء".

 

فالحياء لا لفظ له إلا الحياء، ومهما بحثت لمعنى له فلن تجد للحياء معنى إلا الحياء، ومهما اجتهدت لتضيف على ذلك شيئا فلن تكون إلا كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء.

 

ملابس فاضحة وشبه عارية لكلا الجنسين، رجالا ونساء؛ فأين الحياء؟!

 

يرقص الشباب رقصات البنات في المناسبات؛ فأين الحياء؟!

 

تقص الإناث رؤوسهن كالذكور، ويقص الذكور رؤوسهم كالإناث ويضعون صبغات وألوان لشعورهم كالنساء؛ فأين الحياء؟!

 

يلبس الشاب لباسا قصيرا ويذهب به للأماكن العامة دون اهتمام؛ فأين الحياء؟!

 

تلبس المرأة في المناسبات لباس العاريات؛ فأين الحياء؟!

 

تخرج إلى السوق متزينة متعطرة، تلبس عباءة ضيقة تظهر مفاتنها، وإذا رفعت يدها بان ساعدها أو ربما زاد؛ فأين الحياء؟!

 

إن كان النهي أتى عن الضرب بالقدم؛ لئلا يعلم أتلبس خلخالا أو لا؛ فكيف بغيره مما بدى وظهر في هذا الزمان أمام الخاصة والعامة من أجساد النساء؛ فأين الحياء؟!

 

يتمايلن في الأسواق رافعات لأصواتهن، ومعليات لضحكاتهن، مجادلات للرجال من البائعين دون خفاء؛ فأين الحياء؟!

 

(وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)[الأحزاب:53]. يدخلن المهرجانات والحدائق والأماكن العامة، متلفتات ناظرات، تدور أعينهن بلا ثبات، لو سألت إحداهن عن طلبها وسبب مجيئها وتسكعها، للزمت الصمت؛ فأين الحياء؟!

 

كثيرات يطالبن الأزواج بالخروج من المنزل وقصد الأماكن العامة، أو السفر إلى بلاد غير هذه البلاد، بحجة الملل من المنزل وما يسمينه بالطفش، ولأن صديقتها سافرت وصورة لها مجموعة من المناظر التي تذهب العقل -على حد قولها-، ونسيت بأن الله خلق المرأة، وجعلها كالؤلؤ لا يظهر للرائين بل مخفي عن أعين الناظرين وجعل بيوتهن لهن كالصدفات، فخبر اللاتي خرجن من صدفاتهن، لينظرن إلى لعب وركض الرجال وما ظهر من عورات.. ماذا أعدت للسؤال يوم العرض على فاطر الأرض والسماء؟؛ فأين الحياء؟!.

 

(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)[الأحزاب:33] يجلس كثير في هذا الزمان من النساء، على القنوات الفضائية، ناظرات لأقبح ما يفعله الرجال مع النساء، بدون خوف من الله، ولا حفظ لحق زوجها الذي له عليها حق حفظه، أو والدها الذي يرجو ويتمنى أن يرى أعظم الأخلاق تلتزم بها بنته، فيجد العناء؛ فأين الحياء؟!

 

وأما الجوالات وأحوالها مع النساء فأطلق العنان لخيلك ورجلك ولن تبلغ الانتهاء، برامج ديننا منها براء، وصور ترسل وتحفظ، وأصوات تسجل ويسمعها الغرباء؛ فأين الحياء؟! أين الحياء؟!

 

بحثت كثيرا لأجد للحياء معنا آخر، فلم أجد للحياء معنا إلا الحياء، اعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور:31].

 

بارك الله لي ولكم في القران العظيم وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم قلت ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ذي الكرم والعطاء، أحمده سبحانه واشكره تفضل على الرجال بالنساء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده بيده القدر والقضاء، وأشهدان محمدا عبده ورسوله حبب إليه من دنيانا الطيب والنساء، صل الله وسلم عليه وعلى اله وأصحابه وأتباعه مادامت الأرض والسماء، وبعد يامن جاء مستجيبا للنداء، اتق الله فتقوى الله أنس وصفاء (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطلاق:4].

 

أيها الفضلاء، يا أيها الرجال، يا أيها الرعاة، يا أيها القوامون: أشعلوا نار الغيرة في نفوسكم على النساء، ألبسوهن جلباب العفة، وزينوهن بعباءة الحياء، أخبروهن بأنهن أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا وأنهن المعشوقات لقلوبنا وأمهات الأبناء؛ فبلا حواء لا آدم، ولا آدم بلا حواء، هن الطهر والطهر هن، هن العفة والعفة هن، هن خير متاع الدنيا وخير متاع الدنيا هن، هن الرحمة والعطف والحنان، هن أمينات أسرارنا وعماد بيوتنا ومثبتات الأركان، هن الحاضر والمستقبل ومربيات الصبيان، هن أمهات وأخوات وبنات الشهداء في الدنيا، وهن الحور العين في الجنان.

 

حذروهن من أن ينسقن وراء الداعين والداعيات لمواكبة العصر والتحرر؛ فأولئك حزب الشيطان.. أحرسوهن من الوقوع في السوء والفحشاء..

 

كم جرف سيل الضلال والفتنة في هذا الزمان من النساء كل غبية وبلهاء، ذكروهن بأنهن حفيدات عائشة وأسماء والزهراء، أروهن بأنكم عليهن تغارون؛ فنبيكم يقول في حديث ذكرت في الغيرة على المحارم: "أرأيتم غيرة سعد والله إني لأغير منه والله أغير منا". واعلموا بأننا لن نؤتى في أخلاقنا إلا من بعد أن يؤتون.

 

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتما وعويلا

 

نساؤنا أمانة عندنا، وإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التحريم:6].

 

ثم صلاة وسلاما تامة، على الشفيع يوم تأتي الطامة، ما عاش وحش في الفلا أو هامة.

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد...

المرفقات

همسة عن الحياء لحواء

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات