اغتيال الحياء في عصر الجسد العاري

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2023-01-18 - 1444/06/25
التصنيفات:

 

 

سلوى عبدالمعبود محمد قدرة

 

هل نتجاوز الحقيقة إذا ما قلنا: إنَّنا نعيش في عصر الجسد العاري؟

 

أيُمكن أن يكون هناك وصفٌ آخر تُوصف به هذه الإعلانات، التي تصدم العيون في بعض الصُّحف والمجلات، وفي الشوارع والمرئيَّات و(الإنترنت)؟

 

إنَّ أغلب القوم اليوم يتجهون لتسويق ودَعم الجسد العاري، ففي كلِّ مكان يُروِّجون للانحلال في مُقابلة الفضيلة، والعُري مُقابل الحجاب والتعفُّف، إنهم يسوِّقون الرذيلة، وينشرون الأجساد العارية في مواقف تخجل منها الحيوانات العجماء.

 

فهل هي حضارة الجسد تقتل وتغتال حضارةَ الرُّوح الإنسانيَّة العفيفة؟! وهل أوشك الإنسانُ أن يصبح عبدًا لحيوانيَّته وشهواته البهيميَّة؟!

 

نعم، إنَّ هذه الحضارة فعلاً كذلك.

 

إنَّ إعلانَ صوت الغرائز غير المنضبطة، والتسلل بفحيح الرَّغبات السَّامة المحرمة - يُؤدي إلى تراجُع قِيَم العفاف والطهر، التي بها يتطهر الأفراد من الدَّنس، وترتقي الأُسَر عن الحرام، وتنتظم وتستقر المشاعر النظيفة.

 

يقول الله -تعالى-: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19].

 

وحين يتوعدهم الله -تعالى- بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، فهو بذلك يُحذرنا منهم، ويُلقي الضَّوء على فداحة الجُرم الذي يقومون به في حقِّ المؤمنين، إنَّهم يدمرون لهم روحَ الإيمان الحق، ويتسلَّلون بينهم بالسُّم الزُّعَاف القاتل.

 

ولقد أدرك الخبراءُ الأجانب أنفسهم ما تجلبه لهم الفَوضى الجنسيَّة، والعُري الفاضح، من انحدارٍ، ومرض، وتفكُّك، وضياع، فارتفعت أصواتُ بعضهم تحذِّر من الانسياق وراء غرائز لا تنضبط بضابطٍ، من دين أو قيم أو أخلاق، وكان الرئيس الرُّوسي خروتشوف قد سارع إلى التصريح في عام 1962م بأنَّ "مستقبل روسيا يتهدده الخطر؛ لأنَّ شبابها مائع ومنحل وغارق في الشهوات؛ لذا فهو لا يؤتمن على نهضتها".

 

وفي نفس التوقيت سارع كيندي – الرئيس الأمريكي الأسبق – إلى الاعتراف للإعلام بأن أمريكا تتعرَّض للخطر من داخلها؛ إذ شبابها غارقٌ منحل في شهواتِه، ومهتم بطرق إشباعها، ولا يقدِّر المسؤوليَّة الملقاة على عاتقه، ولقد أفسدت الشَّهوات لياقته البدنيَّة والنفسية.

 

ولقد أثبتت البروتوكولات الصهْيَونية اليهوديَّة أن هناك إصرارًا شديدًا - قديمًا وحديثًا - من اليهود على إفساد المجتمع المسلم، بنشر الفحشاء فيه؛ لتنخرَ في عظامه، وتُرْديه قتيلاً، فلقد جاء في البروتوكولات ما يلي:

 

"يَجبُ أن نعمل لتنهار الأخلاق في كلِّ مكان؛ لتسهل سيطرتنا، إنَّ فرويد منَّا، وسيظل يعرض العلاقات الجنسيَّة في ضَوء الشمس؛ لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس، ويصبح همُّه الأكبر إرواءَ غرائزه الجنسيَّة وإشباعها، وعندها تنهار أخلاقه".

 

كأس وغانية:

 

ولقد فَضَحَ أحدُ أقطاب الاستعمار طريقًا للسيطرة على المسلمين حين قال: "كأسٌ وغانية تفعلان في تحطيم الأُمَّة المحمدية أكثر مما يفعل ألفُ مدفع، فأغرِقوها في حبِّ المادة والملذات".

 

اغتيال الحياء وأثره في النفوس:

 

قد يسارع بعضُ العملاء إلى التقليل من أثر الدعاية العارية على النُّفوس؛ بحجة أن هناك فئةً في المجتمع تجاوزت مرحلة الشباب وثورته الجنسيَّة، وأصبح تفكيرها مرنًا ناضجًا منطقيًّا، وهناك فئة أخرى من المتزوجين والمتزوجات لديهم المنفذ الطبيعي للتغلب على أيِّ إثارة أو تأثير قد يسببه "اغتيال الحياء".

 

ولكن ما أثر هذا العُري الفاضح على فئة الشباب والمراهقين، الذين هم في بداية مرحلة خطيرة مضطربة؟

 

تقول المربية مرجريت سميث: "إنَّ الطالبة في المدرسة أو الجامعة لا تفكر إلاَّ بعواطفها، والوسائل التي تتجاوب مع هذه العاطفة، إنَّ أكثر من 60 % من الطالبات قد رسبْن في الامتحان، وتعود الأسباب إلى أنَّهن يفكِّرْن في الجنس أكثر من التفكير في دُرُوسهن أو مستقبلهن العلمي".

 

ويذكر جورج بالوش في كتابه "الثورة الجنسية": "إنَّ من بين سبعة شباب يتقدمون للتجنيد والجيش، هناك ستة منهم غير صالحين لذلك؛ بسبب الشهوات التي أفسدت لياقتهم البدنية والنفسية".

 

وتذكر إحدى الجرائد أنَّ الإحصائيَّات قد دلَّت على أن هناك ألفَ طفلٍ أنجبتهم بصورة غير شرعية فتيات لا تزيد أعمارُهن عن العشرين، وأن كثيرات منهن طالبات في الجامعات والكليات المختلفة.

 

الجوع الجنسي:

 

لقد بلغَ الجوع الجنسي بطلاب إحدى الجامعات الأمريكية حدًّا، جعلهم يقومون بمظاهرة هتفوا فيها: "نريد فتيات، نريد أن نرفِّه عن أنفسنا".

 

ولقد أسهمت المؤثرات الشيطانيَّة في إلهاب الغريزة؛ مما تسبَّب في إصابة الشباب بأمراض نفسية عديدة؛ لأن استثارة الجنس قبل اكتمال نُموِّ الغدد الجنسية يؤدِّي إلى مرض النضج الجنسي المبكر.

 

وتؤكد الدكتورة سلمى المصري: أنَّ من مظاهر الصحَّة النفسية للأطفال القُدرة على الاستجابة الانفعاليَّة المتوازنة، فلا جموحَ ولا برودَ ولا جمودَ؛ بل استجابة تناسب عمر الطِّفل أو المراهق، والموقف الذي يكون فيه، وهذا الطفل أصبح اليوم في خطر شديد؛ إذ سَبَق عمرَه بكثير، وغدت التعبيراتُ والتلميحات الجنسيَّة - بل التصرُّفات الجنسيَّة - تنذر بخطر رهيب يتهدد المجتمع المسلم.

 

ويجب ألاَّ نغفل أنَّ اغتيال الحياء يُلازمه دائمًا انحدار في قيمة التَّقوى، والرِّقابة الداخليَّة لله تعالى؛ إذ يقول الله -تعالى-: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ [النور: 30]، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم – نافيًا الإيمان عن الزاني: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)).

 

ثقافة الجسد العاري:

 

والمداومة على النظر، والتمعُّن في الجسد العاري، والاستغراق في ثقافة الجسد، حتَّى غدا الشباب مهووسًا بالجسد، يتفنَّن في تربيته وإظهار مفاتنه، وجذب الأنظار إليه - تجعل النَّفس البشرية تنحصر في إطار ضيِّق خانق، يقتلها قلقًا وحيرة وعذابًا؛ لذا يبدو هؤلاء الشباب مكتئبي الملامح، يغتالهم الحزن؛ إذ لا ينتهي أبدًا التسابُق لاقتناص الملذات الحرام، ولا تستقر النفس البشرية في مِثل هذا السُّعار؛ إلاَّ لكي يستعر فيها الصِّراع من جديد بأشدَّ مما كان.

 

وهناك خلل نفسي آخر ينشأ من تقبُّل عُري أجساد الآخرين؛ بمعنى: الرِّضا النفسي بذلك، وعدم الاعتراض عليه؛ إذ يولد هذا الشعورُ تقبلَ التَّعرِّي أمام الآخرين، وهذا التعرِّي قد يكون جسديًّا بتقليد عريهم، أو أخلاقيًّا بتقليدهم في الانحلال الأخلاقي، وكلا الأمرين دليلٌ على خواء الروح من الإيمان.

 

ما الحل؟

 

ثبات الموازين:

 

لا يُمكن أن ننكر الضَّعف البشري الذي أقرَّه الله -تعالى- بقوله: ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]؛ ولكن لا بُدَّ أن ننكر تلك المحاولة الخبيثة لطمس الموازين عن عمد وإصرار، حتَّى يستمر الزَّلل، ويصبح بمرور الوقت هو الأساس والقاعدة.

 

إن بقاءَ المعيار الحقيقي والثابت الذي يفرِّق بين أنواع المتع بلفظي: الحلال والحرام - هو القضية الأساسيةُ بالنسبة إلى المجتمع والأسرة المسلمة؛ ذلك أن مؤامرة الشيطان لا تتحقق إلاَّ بتنحية هذا المعيار الربَّاني الضروري للعلاقات الاجتماعيَّة الثابتة المستقرة، وبذا يتم الخلط بين كل المُتَع واللذائذ، من دون تفرقة بين حلال يرضاه الله، وحرام يعاقب عليه، وحين يتمُّ هذا التضليل الخبيث، تَزِلُّ أقدامُ الكثيرين، ويفقدون طريق العودة إلى كنف الرحمن.

 

إنَّ السلوك قد ينحرف؛ بل قد يزداد عددُ المنحرفين في عصر ما، وتعلو لغة الانحراف وقِيَمُه المنحطة الفاضحة - كما يحدث الآن - ولكن يبقى ثباتُ الموازين، وثبات الداعين إليها سدًّا منيعًا يحول دون الطوفان الكبير.

 

ويُؤكد القرآن الكريم ضرورة الوضوح في إعلان هذه الموازين الثابتة، وعدم تركها ضحيَّة الخيال البشري، أو الفروق الفردية؛ بل يردُّها مُباشرة إليه - سبحانه وتعالى -: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ﴾ [الأنعام: 151]، وهو بذلك يجعل من نفسه – وهو الحق – مصدرَ التحليل والتحريم، حتَّى يرتبط الإنسان في أفعاله وهواجسه بهذه الرِّقابة القويَّة الدائمة، فيخافُ أن يغفل أو يهمل، فيصيبه تحذير الله -تعالى-: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾ [آل عمران: 28].

 

المستقبل، العدد: 142، 143، ربيع الأول 1424 هـ، مايو 2003م.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات