نهي النساء عن السير وسط الطريق

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2023-01-21 - 1444/06/28
التصنيفات:

 

 

موقع الإسلام سؤال وجواب

 

السؤال

هناك حديث في سنن أبي داود يقول بأنه لا ينبغي للمرأة أن تمشي في وسط الطريق ، وماذا لو أرادت أن تعبر إلى الجهة المقابلة من الطريق التي تمشي فيها ، فكيف تفعل ذلك ، وما معنى الحديث ؟

 

الجواب

 

الحمد لله.

 

الشريعة الإسلامية شريعة الآداب السامية ، والأخلاق العالية ، تدعو لكل فضيلة ، وتنهى عن كل رذيلة ، وتعتني بكل ما يحفظ على الناس العفة والستر والحياء ، فهي قوام المجتمعات الطاهرة الزكية .

ومن ذلك ما جاء في السنة من دعوة النساء إلى المحافظة على الآداب اللائقة بالمرأة المكرمة ، والتمسك بكل سلوك رفيع يرقى بها عن الامتهان والتعرض للأذى ، فنهاها عن تعمد السير وسط الطريق واقتحام السبيل ، واعتراض المارة بجسدها كما يفعل العابثون .

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامت - لا يسمع صوته - ضربت برجلها الأرض ، فيعلم الرجال طنينه ، فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك ، وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستورًا ، فتحركت بحركة لتُظهر ما هو خفي ، دخل في هذا النهي ؛ لقوله تعالى : ( وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ): ومن ذلك أيضا أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها ليَشْتَمَّ الرجال طيبها ، ومن ذلك أيضا أنهن يُنهَين عن المشي في وسط الطريق ؛ لما فيه من التبرج " انتهى باختصار.

" تفسير القرآن العظيم " (6/49-50)

وهذا النهي عن سير المرأة وسط الطريق ورد عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ :

( اسْتَأْخِرْنَ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ )

فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ .

رواه أبو داود (رقم/5272)، وبوب عليه رحمه الله بقوله : " باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق "

يقول العظيم أبادي رحمه الله :

" ( أن تحققن ) هو أن يركبن وسطها ، والمعنى أن ليس لهن أن يذهبن في وسط الطريق .

( بحافات ) جمع حافة ، وهي الناحية .

( ثوبها ) أي : المرأة . ( من لصوقها ) أي : المرأة " انتهى.

" عون المعبود " (11/305)

وورد أيضا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( لَيْسَ لِلنِّسَاءِ وَسطَ الطَّرِيْقِ )

رواه ابن حبان (12/416) وبوب عليه بقوله : " ذكر الزجر عن أن تمشي المرأة في حاجتها في وسط الطريق " ، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/856)

قال ابن حبان رحمه الله :

" قوله : ( ليس للنساء وسط الطريق ) لفظة إخبار ، مرادها الزجر عن شيء مضمر فيه ، وهو مماسة النساء الرجال في المشي ، إذ وسط الطريق الغالب على الرجال سلوكه ، والواجب على النساء أن يتخللن الجوانب حذرا مما يتوقع من مماستهم إياهن " انتهى .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" قال علي رضي الله عنه : ما يغار أحدكم أن يزاحم امرأَتَه العلوجُ بمنكبها - يعني في السوق - ، وكذلك لما قدم المهاجرون المدينة كان العزاب ينزلون دارا معروفة لهم متميزة عن دور المتأهلين ، فلا ينزل العزب بين المتأهلين ، وهذا كله لأن اختلاط أحد الصنفين بالآخر سبب الفتنة ، فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب " انتهى باختصار.

" الاستقامة " (1/361)

ويقول ابن الحاج المالكي رحمه الله :

" ينبغي له – يعني للعالم الولي في أهل بيته - أن يعلمهن السنة في الخروج إن اضطرت إليه ؛ لأن السنة قد وردت أن المرأة تخرج في حفش ثيابها - وهو أدناه وأغلظه - وتجر مرطها خلفها شبرا أو ذراعا ، ويعلمهن السنة في مشيهن في الطريق ، وذلك أن السنة قد حكمت أن يكون مشيهن مع الجدران ...

وانظر رحمنا الله وإياك إلى هذه السنن كيف اندرست في زماننا هذا حتى بقيت كأنها لم تعرف ، لما ارتكبن من ضد هذه الأحوال الشرعية ، فتقعد المرأة في بيتها على ما هو معلوم من عادتهن بحفش ثيابها وترك زينتها ، وبعض شعرها نازل على جبهتها ، إلى غير ذلك من أوساخها وعرقها ، حتى لو رآها رجل أجنبي لنفر بطبعه منها غالبا ، فكيف بالزوج الملاصق لها ، فإذا أرادت إحداهن الخروج تنظفت وتزينت ونظرت إلى أحسن ما عندها من الثياب والحلي فلبسته ، وتخرج إلى الطريق كأنها عروس تجلي ، وتمشي في وسط الطريق ، وتزاحم الرجال ، ولهن صنعة في مشيهن ، حتى إن الرجال ليرجعون مع الحيطان حتى يوسعوا لهن في الطريق ، أعني المتقين منهم ، وغيرهم يخالطوهن ويزاحموهن ويمازحوهن قصدا ، كل هذا سببه عدم النظر إلى السنة وقواعدها وما مضى عليه سلف الأمة رضي الله عنهم ، فإذا نبه العالم على هذا وأمثاله انسدت هذه المثالم ، ورجي للجميع بركة ذلك " انتهى باختصار.

" المدخل " (1/244-245) .

 

والحاصل : أنه ينبغي للمرأة أن تتحفظ من مخالطة الرجال قدر الطاقة ، وأن تكون دائما في أدنى حالة إلى سترها عن الأعين ، وأعظمها صونها عن المماسة والملامسة .

لكن حيث تحصل لها الحاجة في وسط الطريق ، أو في عبور ناحيتيه ، أو نحوا من ذلك : فلا حرج عليه فيه ، ولا كراهة .

 

والله أعلم .

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات