الأخلاق المذمومة: الكذب - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

ومن صور الكذب ومظاهره: إخلاف الوعد؛ فترى من يقول لصاحبه نلتقي في الموعد الفلاني ولا يأتي، أو قائل يقول سأعطيك الدين الذي علي في التاريخ الفلاني ولا يفي بوعده، وكم لإخلاف الوعد...

خلق ذميم وسلوك قبيح؛ حذر الإسلام منه أيما تحذير، بل وعدَّه خير الأنام -عليه الصلاة والسلام- خصلة من خصال المنافقين، فقال: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا"، وذكر منها: "إذا حدث كذب". إنه خلق الكذب الذي به تتغير الحقائق، وتسوء به الأخلاق وتبلغ معه الإشاعات الآفاق، ويحصل بفشوه الخلاف والشقاق.

 

خلق يتنافى مع كمال الإيمان، قال تعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)[النحل:105]، وروى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كَذَّابا "(رواه البخاري ومسلم)، كفى الكذب شناعة وقبحا؛ أنه أساس كل بلاء، وشريك أساس في جُلِّ أدواء الأخلاق.

 

يقول الإمام الماوردي -رحمه الله-: "والكذب جماع كل شرٍّ وأصل كل ذمٍّ لسوء عواقبه وخبث نتائجه".

 

وقال الحسن -رحمه الله-: "الكذب جماع النفاق".

 

وروي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى بعض عماله: "إياك أن تستعين بكذوب؛ فإنك إن تطع الكذوب تهلك".

 

ولا خير في الكذب ولا منفعة فيه، وصدق القائل:

وَمَا شَيْءٌ إِذَا فَكَّرْتَ فِيْهِ*** بِأَذْهَبَ لِلْمُرُوْءَةِ وَالْجَمَال

مِنَ الْكَذِبِ الّذِي لَا خَيْرَ فِيْهِ *** وَأَبْعَد بِالْبَهَاءِ مِنَ الرّجَال

 

والمتأمل في آفة الكذب يجد أنها آفة من أخطر آفات العصر، وسمة من سمات التدني، وإذا ما أراد المسلم أن يحذر هذه الآفة لزمه معرفة مظاهرها وصورها، ولعل من أبرزها:

 

الكذب على الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-: وهذا من أقبح أنواع الكذب وأشنعه، قال تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[الأنعام: 144].

 

وقال النبي -صلوات ربي وسلامه عليه-: "إن كذباً عليّ ليس ككذب على غيري، من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"(رواه مسلم)؛ ومن هذا الوعيد الشديد يتأكد علينا الحذر الكبير من الكذب على الله ورسوله، لأن الكذب على الله ورسوله ليس كالكذب على ما سواهما، وذلك موبقة من الموبقات  وكبيرة من الكبائر.

 

ومن صور الكذب ومظاهره: الكذب في البيع والشراء، وهذه خيانة وخداع وكذب؛ وممارسه بذلك قد جنى على نفسه وأهله بالكسب الحرام وجنى على غيره بكذبه عليهم وخداعه وتزويره عليهم؛ روى مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب عظيم" وذكر منهم: "المنفِّق سلعته بالحلف الكاذب"(أخرجه مسلم).

 

ومن صور الكذب وأشنعه: شهادة الزور التي عدَّها رسولنا الكريم من كبائر الذنوب، ولم يكتف بعده من ذلك بل غضب النبي لذلك وتحرك من مكانه لشناعته، عن أبى بكرة قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟" ثلاثًا، قلنا: بلى. قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وكان متكئًا فجلس، وقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور؛ فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت"(رواه البخاري).

 

ومن صور الكذب ومظاهره: الحلف كذبا؛ كالحلف على إثبات شيء أو نفيه، وصاحبه جمع بين مصيبتين الكذب والحلف الفاجر، وجزاء هؤلاء ما رواه أبو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم اللهُ يومَ القيامةِ، ولا ينظرُ إليهم: "رجلٌ حلف على سلعةٍ لقد أعطى بها أكثرَ مما أعطى وهو كاذبٌ، ورجلٌ حلف على يمينٍ كاذبةٍ بعد العصرِ ليقتطعَ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ"(رواه البخاري ومسلم).

 

ومن صور الكذب: التحدث بالكذب لإضحاك الناس، بدعوى المزاح والتندر وإدخال المتعة للمستمعين، ولم يدر المسكين أنه مهدد بويل في جهنم على فعله ذلك؛ فعن معاوية -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ويل للذي يُحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له"(رواه أحمد).

 

ومن الكذب كذلك: الكذب للتخلص من المواقف المحرجة، كحال من يكذب على والديه أو مدرسيه أو مسؤوليه خوفًا من العقاب وهروبا من العتاب، وقد جاء في الحديث؛ "تحرَّوُا الصِّدقَ، وإن رأيتُم أنَّ فيهِ الهلَكةَ؛ فإنَّ فيهِ النَّجاةَ، واجتَنبوا الكذبَ وإن رأيتُم أنَّ فيهِ النَّجاةَ؛ فإنَّ فيهِ الهلَكةَ"(رواه السيوطي في الجامع الصغير).

 

ومن صور الكذب ومظاهره: إخلاف الوعد؛ فترى من يقول لصاحبه نلتقي في الموعد الفلاني ولا يأتي، أو قائل يقول سأعطيك الدين الذي علي في التاريخ الفلاني ولا يفي بوعده، وكم لإخلاف الوعد من الصور، وليت الناس يعلمون خطر هذه الخصلة؛ حيث أنها أبرز سمات المنافقين، كما قال رسولنا الأمين -صلى الله عليه وسلم- في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ وعدَّ منها: "إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ"(رواه البخاري ومسلم).

 

ومن مظاهر الكذب -أيضا-: خداع الصغير للمجيء كقول أحدهم: "تعال أعطيك"، وليس يعطيه شئيا إنما فقط لترغيبه بالمجيء؛ ففي حديث عبدالله بن عامر -رضي الله عنه- قال: "أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتنا وأنا صبي" قال: "فذهبت أخرج لألعب؛ فقالت أمي: يا عبدالله -تعالى- أعطيك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما أردت أن تعطيه؟" قالت: "أعطيه تمراً، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما إنك لو لم تعطيه شيئاً كُتبت عليك كذبة"(رواه أحمد).

 

ومن صور الكذب: تحدث المرء بكل ما يسمع من الأقوال والأخبار، وخصوصا مع توفر وسائل التواصل في زماننا وسهولتها؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع"(رواه مسلم).

 

أيها المؤمنون: كل الصور التي ذكرناها أو غضينا الطرف عن بعضها منكر يجب اجتنابه؛ إذا لا يليق بالمسلم أن يكذب فضلا عن أن تكون الكذب صفة ملازمه له يعرفها عنه من حوله.

 

والكذب ليس خلقا ذميما تقتصر تبعاته على الكاذب نفسه؛ بل هناك من الآثار الدنيوية والعواقب الأخروية ما هو أدهى وأمر وأشد وأنكى؛ عدَّها أهل العلم لعلنا نقف على أبرزها؛ فمن ذلك:

حرمان الهداية الإلهية لمن هذه صفته، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)[الزمر: 3].

 

الكذب ينافي الإيمان؛ فعَنْ سَعْدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ"(رواه ابن حجر العسقلاني في الفتح).

 

الوقوع في النفاق؛ (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)[التوبة: 75 - 77].

 

سقوط مكانة الكاذب الاجتماعية؛ فيصبحُ حقيراً ذليلاً مهاناً مبعداً عند الناس؛ كما قال الفاروق -رضي الله عنه-: "ثمرة الكذب؛ المهانة في الدنيا والعذاب في الآخرة"، وقال -رضي الله عنه-: "الكاذب مهانٌ ذليل"، وصدق القائل:

وَمَنْ يَجْعَل الْإِفْكَ الْعَظِيْمَ شِعَارَهُ *** تَجَرَّعَ كَأْسَ الْعَارِ طُوْلَ حَيَاتِه

وَنَادَى لِسَانُ الْحَقِّ ذَلِكَ مُكَذِّبُ *** جَزَاهُ عَلَى دَعْوَاهُ قَطْع لُهَاتِه

 

الكذب أقرب طريق إلى النار؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا"(رواه البخاري ومسلم).

 

فاتقوا الله -أيها المسلمون- واحذروا من هذه الخصلة الذميمة، واحفظوا ألسنتكم منها وعودوا أنفسكم وأولادكم ومن تحت أيديكم الصدق، وكونوا من الصادقين، واعلموا أن الكذب محرم بكل أشكاله وأنواعه، إلا ما استثناه أهل العلم وبينوه، كما أجازوه في الحرب، والحياة الزوجية، والصلح بين المتخاصمين؛ لأن في هذه المواطن تحقيق لمصالح كبرى ومنافع عظمى.

 

أيها الخطباء الكرام: هذه مقدمة يسيرة بين أيديكم مع عدد من الخطب المنتقاة عن الكذب وصوره وآثاره؛ راجين أن تعينكم على معالجة المجتمع من هذه الآفة الخطيرة، والأخذ بيده نحو خلق الصدق ليصبح سجية المجتمع وسمته البارزة؛ سائلين المولى -سبحانه- أن يجعلنا وإياكم من الصادقين.

 

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
الخطبة العاشرة:
الخطبة الحادية عشر:
الخطبة الثانية عشر:
مادة كذب – الكشاف العلمي
العنوان
التحذير من الكذب 2008/11/23 36184 2069 174
التحذير من الكذب

ألم تعلم أن الدين يظهر في أهله فإذا كان مظهر الأمة الإسلامية مظهر كذب وتقليد أعمى وأكل مال الغير بغير حق فأين المظهر الإسلامي؟! أرأيت إذا ظهر المسلمون بهذا المظهر المشين أفلا يكونون سبباً للتنفير عن دين الإسلام؟! ألا يكونون فريسة لأراذل الأنام؟! إن أعداءهم ليسخرون بهم ويضحكون إذا ..

المرفقات

72

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life