اقتباس
ليست الحكمة من شهر رمضان أن يكون شهرًا واحدًا في العام خاليًا من الذنوب والمعاصي، عامرًا بالقرب من الله تعالى، ثم تنقلب النعم نقمًا في بقية العام، إن رمضان هو نقطة انطلاق للحياة في بقية عامنا، وهو شحنة إيمانية يتحرك بها العبد بقية أيامه ليقدر على مواجهة التحديات والأزمات. ومن لا ينظر لرمضان هذه النظرة فإنه غير منصف، ظلم نفسه وظلم معها الشهر الكريم
ها هو شهر رمضان يحزم حقائبه استعدادًا للرحيل، بعد أن أمتعنا ثلاثين يومًا؛ حلَّقت فيها أرواحنا إلى السماء، وتجاوزنا فيها نزواتنا وشهواتنا، وتنازلنا فيها عن أحقادنا وأطماعنا، تغيرت فيها نفوسنا للأفضل، ولمسنا من قلوبنا تحسنًا وقربًا من بارئها، فكانت الطاعة أيسر، والبعد عن المعصية أسهل، وتدربت النفس فيه على إيثار الحق على نوازع النفس.
ولكن مع انقضاء رمضان، وعودة شياطين الجن لمزاولة أنشطتهم التي كانت محظورة خلال الشهر الكريم، تراود القلوبَ من جديد الأهواءُ والنفس الأمارة بالسوء، فتداعبها بمزيج من الشبهات والشهوات، فتزين لها المعاصي من جديد، وتجمِّل في أعينها المخالفات مرة أخرى، بحجة انقضاء شهر العبادة، ومرور أيام الطاعة، فتنجرف بعض النفوس المريضة إلى هاوية العصيان، وتقع في مستنقع الرذائل لتعود لسابق عهدها بعد رمضان.
ولكن أصحاب القلوب المؤمنة المتيقنة بموعود الله تعالى لها، والتي تعلم يقينًا أن رب رمضان هو رب ما سواه من الشهور، وأن العبادة ليست مرتبطة بزمن دون آخر إلا ما جعل الله من زيادة فضل لبعض الأزمنة والأمكنة، فإنها لا تزال على عهد رمضان، تتعاهد قلبها بماء الطاعة يومًا بعد يوم، كي لا يصيبه عطب الحياة، أو ركود الشهوة والشبهة، فالطاعات أصل حياة القلوب والأبدان، ولا تزال الطاعة تنادي في أختها أن هلمي، فتحيي القلب بأصوات المناجاة، أما المعصية فهي سبب الموات والبوار، ولا تزال تنادي هي الأخرى في أختها أن هلمي، فيزداد القلب إظلامًا، ونوره انطماسًا، ويستحيل من نور الطاعة في رمضان إلى ظلمة ما كان فيه قبله.
ليست الحكمة من شهر رمضان أن يكون شهرًا واحدًا في العام خاليًا من الذنوب والمعاصي، عامرًا بالقرب من الله تعالى، ثم تنقلب النعم نقمًا في بقية العام، إن رمضان هو نقطة انطلاق للحياة في بقية عامنا، وهو شحنة إيمانية يتحرك بها العبد بقية أيامه ليقدر على مواجهة التحديات والأزمات. ومن لا ينظر لرمضان هذه النظرة فإنه غير منصف، ظلم نفسه وظلم معها الشهر الكريم..
إن من علامات قبول الطاعة الطاعة بعدها، ومن علامات الرد -والعياذ بالله- التلبس بالمعصية بعد الطاعة، ولا يزال العباد يرتقون في مدارج الطاعات حتى يبلغوا مراد الله منهم، فالديمومة على الخير والاستمرار والثبات عليه هو مقياس مدى التزام الفرد بالأوامر الإلهية، أما من لا يعرفون ربهم إلا في رمضان فأولئك هم المفلسون، حيث لم يعرفوا لله تعالى قدره، ولم ينزلوا شريعته منزلها من الاحترام والالتزام.
وقد وضعنا -معاشر الخطباء والدعاة- بين أيديكم بعضًا من الخطب المختارة حول هذه الظاهرة -ظاهرة الانقطاع عن العبادة بعد رمضان- لتتضح الأمور أمام المدعوين، وتزداد قناعتهم بضرورة السير على منهج الله تعالى على الدوام، دون مواربة أو تميع، سائلين الله تعالى أن يحقق مرادنا منها، وأن تكون هاديًا لنا ولهم إلى الحق.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم