العمل الإنساني - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2023-11-29 - 1445/05/15
التصنيفات:

اقتباس

وإن سنة الله -تعالى- في خلقه أن يجعل منهم غنيًا وفقيرًا، قويًا وضعيفًا، ماهرًا وأخرقًا، شريفًا ووضيعًا، عالمًا وجاهلًا.. ولله -تعالى- في كل أمر حكمة، لكنه -عز وجل- إذا أنعم على عبده بالنعمة طالبه بشكرها، ومن شكرها بذلها لكل من يحتاجها...

إن قالوا: "اليوم العالمي للعمل الإنساني"، قلنا: نحن أولى منكم به وأحق؛ فإن الإسلام دين عالمي جاء للإنسانية جمعاء، وربنا -عز وجل- يقول لنبينا -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء: 107]، قال ابن عباس: "من تبعه كان له رحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يتبعه عوفي مما كان يبتلى به سائر الأمم من الخسف والقذف"(تفسير ابن كثير).

 

بل لقد أبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تقتصر رحمة المسلم على أهله فقط، أو على المسلمين فقط، بل اشترط أن يكون رحيمًا بالناس كافة، فعن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمته إلا على رحيم" قال: قلنا: يا رسول الله، فكلنا رحيم، قال: "ليس الذي يرحم نفسه خاصة، ولكن الذي يرحم الناس عامة"(رواه البيهقي في الشعب)، نعم، رحمة جميع من في الأرض شرطٌ لرحمة الله لك: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء"(رواه أبو داود)، و"من لا يرحم الناس، لا يرحمه الله -عز وجل-"(متفق عليه).

 

***

 

وإن كان من المنظمات الإنسانية العالمية ما يعمل لإغاثة الملهوف وإعانة المستضعف، فإن جهودهم تلك بائرة وزائفها؛ ينسفها أمران، أما الأول: فإنهم ما يفعلون ذلك إلا لوجه الإنسانية والدنيوية؛ وليس لوجه الله -تعالى-، فليأخذوا إذن من الإنسانية ثناءها وإطراءها ومدحها... أما عند الله -تعالى- فما لهم من أجر؛ فعن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة؛ يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكن له حسنة يجزى بها"(رواه مسلم).

 

وأما الثانية، فما أخبثها، فإنهم قد اتخذوا من العمل الإنساني ستارًا يخفون خلفه نواياهم الخبيثة ومقاصدهم الدنيئة، فيدخلون على المعوزين حاملين الإعانات والمنح والعطاءات والمساعدات في يد، أما في اليد الأخرى فيحملون الفساد والإفساد لجميع طبقات المجتمع؛ فهذه مساعدات إنسانية جاءت ومعها "المؤتمرات السكانية" التي تروج للمثلية والشذوذ والإباحية، وتحرِّم ختان الإناث وتجرِّمه، وتمهد للزندقة والإلحاد باسم الحرية، ولتمرد النساء والأولاد على الأزواج والآباء والأولياء باسم الاستقلالية، وللتبرج والسفور والاختلاط المستهتر باسم التحرر والمدنية، ولإقحام المرأة فيما لم تُخلق له، ومغادرتها بيتها وتركها وظيفتها الأساسية في تربية أولادها باسم المساواة بين الرجل والمرأة.

 

***

 

وتقديم العون والمعروف إلى جميع البشر قربة إلى الله -عز وجل-، بل إن بذل العون للحيوان ورحمته سبب في دخول فاعله الجنة؛ فعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أن رجلًا رأى كلبًا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه، فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له، فأدخله الجنة"(متفق عليه)، وعن معاوية بن قرة عن أبيه أن رجلًا قال: يا رسول الله إني لأذبح الشاة، وأنا أرحمها -أو قال: إني لأرحم الشاة أن أذبحها- فقال: "والشاة إن رحمتها رحمك الله، والشاة إن رحمتها رحمك الله"(رواه أحمد، وصححه الألباني)، فما بالك بمن قدم العون لبشر كرَّمه الله.

 

***

 

وإن سنة الله -تعالى- في خلقه أن يجعل منهم غنيًا وفقيرًا، قويًا وضعيفًا، ماهرًا وأخرقًا، شريفًا ووضيعًا، عالمًا وجاهلًا... ولله -تعالى- في كل أمر حكمة، لكنه -عز وجل- إذا أنعم على عبده بالنعمة طالبه بشكرها، ومن شكرها بذلها لكل من يحتاجها، فعن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لله قومًا يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم"(رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، وحسنه الألباني).

 

وقديمًا نعى ابن عمر -رضي الله عنهما- على من يمتنع عن مساعدة المحتاجين وإغاثة الملهوفين ومعاونة الضعفاء والمساكين قائلًا: لقد أتى علينا زمان وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم، ثم الآن الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم، سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول: يا رب، هذا أغلق بابه دوني، فمنع معروفه"(رواه البخاري في الأدب).

 

ومن حَرَمَ عبادَ الله ما زاد عليه من نِعم الله أخزاه الله يوم القيامة وأعرض عنه؛ فعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم" وعدَّ منهم: "ورجل منع فضل ماء فيقول الله يوم القيامة: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك"(متفق عليه).

 

***

 

والعكس بالعكس والضد بالضد؛ فمن بذل المعروف وأغاث الملهوف وتطوع بالخير كان له من الله -تعالى- عظيم الأجر، فها هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"(رواه مسلم)، وكفى بعون الله عونًا.

 

ولقد دلَّنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- على ألوان كثيرة من أبواب العمل الإنساني، فعن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "على كل مسلم صدقة" قالوا: فإن لم يجد؟ قال: "فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق"، قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: "فيعين ذا الحاجة الملهوف"(متفق عليه)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة"(متفق عليه).

 

وهذه أبواب أخرى للعمل الإنساني ينقلها إلينا ابن عمر فيقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة، شهرًا... ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى أثبتها له أثبت الله عز وجل قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام"(رواه الطبراني في الأوسط والكبير).

 

***

 

وإن كان كل ما سبق من التعاون على البر والتقوى ومن تقديم العون للناس مستحب ومندوب إليه في كل حين، فإنه في أحوالنا هذه وفي زماننا هذا أشد ندبًا وأكثر استحبابًا، بل قد يبلغ درجة الوجوب إذا تعين على صاحبه؛ حيث قد نشبت الحروب وهطلت السيول وتتابعت الكوارث الطبيعية، والتي تسببت في غلاء الأسعار وقلة الزروع والثمار، فازدادت حاجة المحتاج وفقر الفقير، بل إن أناسًا كانوا متعففين مستوري الحال لكنهم لم يتحملوا هذا الغلاء الذي جاء في أعقاب الوباء فامتدت أيديهم إلى الناس بالسؤال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

فنسأل الله -تعالى- أن يرفع عنا الغلاء مع الوباء، وأن يوفقنا لإغاثة الملهوف وعون المحتاج، وقد تعالت أصوات خطباء المنابر تنادي بالعمل الإنساني والتطوعي والخيري وأن يكون حسبة لوجه الله -تعالى- وابتغاءً لرضاه وحده لا لرضا سواه، وهذي بعض أصواتهم:

العنوان

العمل التطوعي أهميته وآثاره

2013/02/24 10076 1626 56

والعملُ التطوُّعيُّ إنما هو ترجمانٌ لصورةٍ من صُور الإسلام الرَّاشِدة الخالِدة التي تتَّصِفُ بالشُّموليَّة وتنوُّع مجالات العمل التطوُّعيِّ، لتشملَ الأهدافَ التنمويَّة؛ ففي المجالِ الاقتصاديِّ يُمثِّلُ العملُ التطوُّعيُّ الاهتمامَ الدقيقَ من خلال بذل الأوقاف وتفعيل الوعيِ للأنشِطة الوقفيَّة؛ لأن لها أثرًا بالِغًا في تنميَة الاقتصاد؛ حيث تتَّسعُ...

المرفقات

التطوعي أهميته وآثاره


العنوان

العمل التطوعي وفضله - خطبة عيد الفطر لعام 1430هـ

2009/10/01 8074 1618 57

وفي غمرة البهجة والابتهاج والفرح والاستبشار ثمة معيار كبير لا حدود لآثاره في الخير والنفع ونشر البشر والسعادة.. معيار لا حدود لمنافعه المباشرة وغير المباشرة.. معيار ومنهج يزيد من القدرة على التفاعل والتواصل وينمي روح التعاون والعمل الجماعي والمشاعر الإيجابية المشتركة ويجعل المجتمع أكثر تماسكاً، بل أكثر اطمئناناً وثقة بأبنائه، ويكسب مهارات وخبرات ويزيد في كشف المواهب والقدرات..

المرفقات

723


العنوان

العمل الإنساني

2016/04/07 2820 400 16

إننا لنقرأ سورة الكهف في كل جمعة وفيها من العظات والعبر ما يرشدنا إلى رفع المعاناة عن المستضعفين في الأرض وإغاثة الملهوفين فهذا صاحب موسى عليه السلام بنى جدار مهدوما لأيتام في القرية، وهذا ذي القرنين بنى سدا منيعا بين السدين وهذا الخضر مع موسى يزيل قطعة خشب من السفينة إنقاذا لهم من ..

المرفقات

الإنساني1


العنوان

قِصّتانِ في العملِ التطوّعِي

2021/07/08 1143 597 1

نبيُ اللهِ موسى الهاربُ المطارَدُ، المسافرُ الغريبُ المكدودُ، كلُ هذا لم يُقْعِدْهُ عن تلبيةِ دواعي المروءةِ والنجدةِ، بل تقدمَ للمرأتينِ؛ ليسقيَ لهما أولًا، كما ينبغي أن يفعلَ الرجالُ ذوو الشهامةِ, وإذا أحسنتَ إلى أحدٍ فابتعِدْ عنه؛ لئلا ترَى حياءَه عاريًا أمامَ عَينَيكَ...

المرفقات

بين نملتين.pdf

بين نملتين.doc


العنوان

العمل التطوعي وأثره في بناء المجتمع

2018/12/13 2637 416 6

ومِن فضائلِ دينِنا الحنيفِ أنَّه يحثُّ على التعاونِ في كلِّ خيرٍ يفيدُ المجتمعَ المسلمَ، ويأمرُ ببذلِ الجهدِ لمساعدةِ الفقراءِ والمساكينِ وذوي الحاجاتِ، والسعيِ في قضاءِ حوائجهِم، وكفايتهِم، وتيسيرِ أمورِهم، والوقوفِ بجانبهِم حتى ولو بالقليلِ..

المرفقات

العمل التطوعي وأثره في بناء المجتمع


العنوان

وافعلوا الخير لعلكم تفلحون

2019/08/17 9192 614 9

سأستعرض معكم في هذه الخُطبة بعض صور العمل الصالح التي قد لا ينتبه لها بعض الناس؛ لأنهم يرونها أعمالاً يسيرةً، ومُمارساتٍ عاديةً لا تستوجب التركيز عليها أو الاهتمام بها؛ لكنها في حقيقتها من العمل الصالح الذي يُمكن للإنسان أن يقوم به فيكسب الأجر والثواب العظيم من الله -تعالى-، متى صلحت النية، وكان ذلك خالصًا لوجهه الكريم.

المرفقات

الرفق بالمسلمين والمشقة عليهم

وافعلوا الخير لعلكم تفلحون


العنوان

العمل التطوعي سعادة في الدنيا و الآخرة

2018/05/13 23114 681 15

العملُ التطوعيُّ أحبَّتِي يُجسّدُ الخيرَ بمفهومٍ واسعٍ ومعنىً كبير بأنه تعاطفٌ بشري وتكافلٌ أخويٌّ وتكاملٌ إنساني وأمنٌ أخلاقيٌ وفكريٌ وتوفيرٌ اقتصاديٌ وسدٌ للحاجات وتخفيفٌ للمعانات ومشاركةُ همومٍ ليسَ مقصوراً على كوارثَ...

المرفقات

العمل التطوعي سعادة في الدنيا و الآخرة


العنوان

الإحسان إلى المحتاج

2016/04/02 7590 381 14

عباد الله: إنَّ للفقر لوعته وللعَوز حُرقته، وكم هي مُرَّة تلك الآلام والحسرات التي يَشعر بها ذلك الفقير المُعدم، حين يرمي بطَرْفه صوبَ بيته المتواضع المملوء بالرعيَّة والعيال، وهم جِياع لا يَجدون ما يَسدُّ جَوْعتهم، ومَرضى لا يجدون مَن يعالجهم؟ كم من مَدين أرْهَق ظهَره ثِقَلُ...

المرفقات

إلى المحتاج


إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات