اقتباس
والمسلم سمح في أخلاقه وتعاملاته، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى"، ومن كان سمحًا هينًا لينًا سهلًا حرَّم الله -تعالى- عليه النار، فعن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "على كل هين لين قريب سهل"(ابن حبان)...
أن تكون مسلمًا سمحًا، هذا هو أقرب طريق إلى الجنة، وهو سبب في قضاء الله لحوائجك، فعن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اسمح، يسمح لك"(أحمد) فـــ "المسامحة المساهلة، أي: سهِّل يُسَهَل عليك... والمعنى: أن تسهيلك للعباد سبب تسهيل الله لك ويلين لك قلوب العباد فيسمعوا لك... وقد يكون سماحة العبد سببًا لسماحة الله له ومغفرته له ذنوبه وفوزه بأعظم خير الدارين"(التنوير شرح الجامع الصغير لمحمد بن إسماعيل الصنعاني). واعلم أن أصل ديننا السماحة: فالإسلام دين سماحة ويسر ورفع للحرج في تكاليفه وفرائضه وأوامره، لا يفرض على الناس شيئًا فوق طاقتهم، ولا يكلفهم بما لا يستطاع، يقول الله -تعالى-: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185]، ويقول -عز من قائل-: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، وتكرر ذلك: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78]، وأخرى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) [المائدة: 6].
وقد قرر ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة"(البخاري)، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة"(الطبراني في الأوسط).
ويظهر ذلك جليًا في جميع تعاليم الدين وشرائعه وأحكامه، فالصلاة -وهي عمود الإسلام- يسقط شطرها في السفر، وللمسافر أن يجمع الصلوات تقديمًا وتأخيرًا، ومن لم يجد الماء للوضوء أو ضره استعمال الماء فله أن يتيمم، وللمتوضيء أن يمسح على خفه إن لبسه على طهارة بدلًا من أن يغسل قدميه...
وصيام رمضان فريضة محكمة، لكنها تسقط كذلك عن المريض والمسافر وبعض أصحاب الأعذار كالحامل والمرضع إن شق عليهما الصيام، والجميع يقضي ما أفطره إذا تمكن من ذلك، وإلا أطعم مسكينًا عن كل يوم أفطره... والحج على المستطيع فقط... وقل مثل ذلك عن كل فرائض الإسلام. ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- شيخًا يهادى بين ابنيه، فقال: "ما بال هذا؟" قالوا: نذر أن يمشي، قال: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني"، وأمره أن يركب (متفق عليه)؛ فإن سماحة الإسلام تأبى على المرء أن يعسِّر حتى على نفسه، ومرة أخرى يروي جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- فيقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فرأى زحامًا ورجلًا قد ظلل عليه، فقال: "ما هذا؟"، فقالوا: صائم، فقال: "ليس من البر الصوم في السفر"(متفق عليه). وفي كل الأمور تروي أم المؤمنين عائشة فتقول: "ما خير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه"(متفق عليه).
والمسلم سمح في أخلاقه وتعاملاته: فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى"(البخاري)، ومن كان سمحًا هينًا لينًا سهلًا حرَّم الله -تعالى- عليه النار، فعن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "على كل هين لين قريب سهل"(ابن حبان). وهو كذلك أكمل المؤمنين إيمانًا، فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحاسنهم أخلاقًا، الموطئون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون، وليس منا من لا يألف ولا يؤلف"(الطبراني في الأوسط)
والسماحة والمساهلة والتيسير على خلق الله -عز وجل- سبب في عفو الله عن العبد وتجاوزه عنه، فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرًا فتجاوز عنه، لعل الله يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه"(متفق عليه)، أقول: حتى ولو لم يكن له من الخير قط إلا أنه كان يسهل على المعسر فإن ذلك حري "وحده" أن يجلب له صفح الله وعفوه عنه، ففي رواية النسائي يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن رجلًا لم يعمل خيرًا قط، وكان يداين الناس، فيقول لرسوله: خذ ما تيسر، واترك ما عسر وتجاوز، لعل الله -تعالى- أن يتجاوز عنا، فلما هلك قال الله -عز وجل- له: هل عملت خيرًا قط؟ قال: لا، إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس، فإذا بعثته ليتقاضى قلت له: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال الله -تعالى-: قد تجاوزت عنك". وهذه واقعة عملية يرويها عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، فيقول: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار، قبل أن يهلكوا، فكان أول من لقينا أبا اليسر، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومعه غلام له، معه ضمامة من صحف، وعلى أبي اليسر بردة ومعافري، وعلى غلامه بردة ومعافري، فقال له أبي: يا عم إني أرى في وجهك سفعة من غضب، قال: أجل، كان لي على فلان ابن فلان الحرامي مال، فأتيت أهله، فسلمت، فقلت: ثم هو؟ قالوا: لا، فخرج علي ابن له جفر، فقلت له: أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي، فقلت: اخرج إلي، فقد علمت أين أنت، فخرج، فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال: أنا، والله أحدثك، ثم لا أكذبك، خشيت والله أن أحدثك فأكذبك، وأن أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكنت والله معسرًا قال: قلت: آلله، قال: الله، قلت: آلله، قال: الله، قلت: آلله، قال: الله، قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده، فقال: إن وجدت قضاء فاقضني، وإلا أنت في حل، فأشهد بصر عيني هاتين -ووضع إصبعيه على عينيه- وسمع أذني هاتين، ووعاه قلبي هذا -وأشار إلى مناط قلبه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "من أنظر معسرًا أو وضع عنه، أظله الله في ظله"(مسلم).
التسامح مع غير المسلمين ومع الأعداء: نعم، إن دائرة التسامح في الإسلام لتتسع حتى تشمل غير المسلمين بل والأعداء المحاربين، فها هي عائشة تحدث فتقول: قلت: يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: "لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله -عز وجل- قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم"، قال: "فناداني ملك الجبال وسلم علي، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين"، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا"(متفق عليه).
وهذا الطفيل بن عمرو الدوسي يسْلم على يد النبي -صلى الله عليه وسلـم-، ثم يذهب ليدعو قومه إلى الإسلام، فيأبون ويرفضون، فقدم قائلًا: يا رسول الله إن دوسًا قد كفرت وأبت، فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس! فقال: "اللهم اهد دوسًا وائت بهم"(متفق عليه).
هذا، ولا تنقطع مجالات التسامح في الإسلام، فتسامح مع المخطئين، وتسامح مع أسرى الحرب، وتسامح حتى مع الحيوانات... وهذا مما لم نستطع أن نحيط به في هذه العجالة، لذا فقد أحضرنا ها هنا عدد من خطب النابهين الواعين البارعين، يزيدون الأمر وضوحًا ويبرهنون كيف أن الإسلام هو بحق دين السماحة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم