الترشيد وحسن التدبير - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2023-09-28 - 1445/03/13
التصنيفات:

اقتباس

فدع -أخي المسلم- ما لا تدع إليه الحاجة، واترك ما يمكن الاستغناء عنه، واعلم أن "الاقتصاد نصف المعيشة"، وأنه "لا كثير مع تبذير، ولا قليل مع حسن التدبير".

"كلا الطرفين ذميم" هذا أمر أجمع عليه العلماء والعقلاء، أخذوه من قول الله -عز وجل-: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)[الإسراء: 29]، ومن قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان: 67]، فكما أن الإسراف التبذير حرام فإن البخل والشح كذلك حرام.

 

أدرك العلماء أن الإسراف حرام من قول الله -عز وجل-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31]، ومن قوله -سبحانه-: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)[الإسراء: 26-27]، ومن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة"(رواه النسائي في الكبرى، وحسنه الألباني).

 

وأدركوا كذلك أن البخل والشح والتقتير حرام من قوله -تعالى-: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[آل عمران: 180]، ومن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا"(رواه أبو داود، وصححه الألباني)، ومن غيره من النصوص وهي كثيرة.

 

***

 

لكن ما دام الإسراف حرام، ونقيضه وهو التقتير حرام كذلك، فما هو الحلال؟ ونجيب: هو التوسط والاعتدال، هو الترشيد وحسن التدبير، هو تشتري ما تحتاج وتمسك عما لا تحتاج، هو أن تحفظ نعمة الله ليحفظها الله عليك...

 

ولقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وأسألك القصد في الفقر والغنى"(رواه النسائي في الكبرى، وصححه الألباني)، يقول ابن رجب شارحًا: "والقصد: هو التوسط في الإنفاق، فإن كان فقيرًا لم يقتر خوفًا من نفاد الرزق، ولم يسرف فيحمل ما لا طاقة له به... وإن كان غنيًا لم يحمله غناه على السرف والطغيان؛ بل يكون مقتصدًا أيضًا"(مجموع رسائل ابن رجب).

 

عليك بأوساط الأمور فإنّها *** طريق إلى نهج الصّواب قويم

ولا تك فيها مفْرطا أو مفَرّطا *** كلا طرفي قصد الأمور ذميم

 

فدع -أخي المسلم- ما لا تدع إليه الحاجة، واترك ما يمكن الاستغناء عنه، واعلم أن "الاقتصاد نصف المعيشة"، وأنه "لا كثير مع تبذير، ولا قليل مع حسن التدبير".

 

دَبِّر العيش بالقليل ليبقى *** فبقاء القليل بالتدبير

لا تبذر وإن ملكت كثيرًا *** فزوال الكثير بالتبذير

 

***

 

وإن المبالغة والإسراف في كل نعمة يزيلها، ثم يجلب على صاحبه كل شر، ولقد ضرب الإمام الشافعي المثال على ذلك قائلًا:

 

ثلاث هن مهلكة الأنام *** وداعية الصحيح إلى السقام

دوام مدامة ودوام وطء *** وإدخال الطعام على الطعام

 

وتعالى نستعرض مزيدًا من النماذج على ذلك، فإن السير في السفر يكون متوسطًا لا ريث ولا عجل، فإن بالغ المسافر في سرعته فإما أن تقع له حادثة، وإما أن يُفسد دابته أو سيارته، وقد قيل: "إن المنبت لا أرضًا قطع، ولا ظهرا أبقى".

 

وإن من يملأ من الطعام معدته، ويتخمهما بكل ما اشتهت نفسه من الأصناف... تفسد معدته وتصيبه الأمراض فتمنعه عن جميع الطعام إلا القليل، وفي الحديث الصحيح: "ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطن. بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

 

***

 

ومن النماذج المشهورة في ترشيد الاستهلاك ذلك النموذج الذي قصه علينا القرآن لنبي الله يوسف -عليه السلام-؛ فإنه لما فسر للملك الرؤيا وعلم بالمجاعة القادمة، فإنه قد قدَّم مع تأويلها خطة ترشيدية ناجحة عبرت -بفضل الله- بمصر زمن المجاعة كله، بل وجعلت منها مغاثًا ومهربًا للجائعين: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)[يوسف: 47-49]، فأمرهم في السبع الأولى أن يأكلوا فقط القليل الذي يكفيهم، ويدخروا كل ما تبقى للسبع الثانية...

 

فرشِّدوا نفقاتكم ما استطعتم كي تحفظوا أموالكم؛ فإن بها قوام الحياة، فقد كان يقال: "من حفظ ماله فقد حفظ الأكرمين: الدِّين والعرض"(عيون الأخبار، لابن قتيبة)، وإياكم والمبالغة في تلبية شهوات النفس؛ فإنه لا منتهى لها، فعن الحسن البصري قال: دخل عمر على ابنه عبد الله بن عمر وإذا عندهم لحم، فقال: "ما هذا اللحم؟" فقال: "اشتهيته" قال: "أو كلما اشتهيت شيئا أكلته؟! كفى بالمرء سرفًا أن يأكل كل ما اشتهاه"(الزهد، لأحمد بن حنبل)... وإياكم كذلك من وضع المال في غير موضعه فإنه مهلكة له، فهذا عمر بن الخطاب يقول أيضًا: "الخرق في المعيشة أخوف عندي عليكم من العوز؛ لأنه لا يبقى مع الفساد شيء، ولا يقل مع الإصلاح شيء"(الزهد، لوكيع)

 

ولقد كان من وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- لما بعث به إلى اليمن: "إياك والتنعم؛ فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين"(رواه أحمد، وصححه الألباني).

 

فالقصد القصد، والجادة الجادة، تنجوا وتسعدوا وتغنموا... وليس هذا قولي وحدي، بل هو قناعة ونداء جميع خطبائنا الذين قد جمعنا هنا بعضًا من خطبهم:

العنوان

الاقتصاد وحسن التدبير

2018/01/02 6670 544 28

إن كُنَّا نحتاجُ من قبلُ إلى مراجعةِ طريقتِنا في إدارةِ الميزانياتِ، فنحنُ اليومَ أحوجُ إلى هذا بسببِ قُربِ غلاءِ الأسعارِ والخدماتِ؛ فلنقفْ مع أنفسِنا وقفةَ مصارحةٍ لنُعيدَ فيها الحساباتِ، وقد بيَّنَ لنا سُبحانَه وتعالى طريقةَ عبادِه في الإنفاقِ فقالَ عزَّ وجلَّ...

المرفقات

الاقتصاد وحسن التدبير


العنوان

الاقتصاد في المعيشة (1)

2017/02/23 9993 187 12

إن الاقتصاد في المعيشة وسط بين الإسراف والبخل، وهو بمعنى القوام، وسمي في القرآن الكريم بالحكمة في قوله -تعالى-: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) [البقرة:269]. وان كان معنى الحكمة أوسع من ذلك.

المرفقات

في المعيشة (1)


العنوان

الاقتصاد في المعيشة (2)

2017/02/23 2167 280 1

إن التوازن والاعتدال من أبرز سمات هذا الدين، ولهذا وصف الحق -جل وعلا- عباده بأنهم: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْن ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان:67]؛ لأن الإسراف مفسدة للنفس والمال والمجتمع، ومؤذن بخراب الديار، والتقتير مثله كذلك، فهو حبسٌ للمال عن انتفاع صاحبه به، وانتفاع الآخرين من حوله.

المرفقات

في المعيشة (2)


العنوان

الاعتدال في حفلات الزواج

2010/07/08 8820 1389 69

لا ينبغي للداعي أن يخصّ بالدعوة عِليةَ القومِ وأثرياءهم ووجهاءهم، ويؤكد على الأغنياء والأعيان ويهمل الفقراء والمساكين، بل يدعو أهل الصلاح والتقوى وإخوانه المسلمين أيًّا كان مستواهم الاجتماعي وحالهم المادي، قال –صلى الله عليه وسلم-: "شرّ الطعام طعام الوليمة؛ يُدعَى لها الأغنياء، ويُترك الفقراء، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله".

المرفقات

في حفلات الزواج


العنوان

ترشيد المياه

2021/04/11 3918 333 3

كَانَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى أَفْوَاهِ آبَارِهِمْ، يَتَوَجَّسُونَ قِلَّةَ الميَاهِ، وَيَخَافُونَ غَوْرَ الآباَرِ، وَيَتَأَلَّمُونَ لِقِلَّةِ الأَمْطَارِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقِفُونَ عَلَى شَفِيرِ الحَالِ، وَيَعْلَمُونَ أَلَمَ المآلِ، فَالصَّحْرَاءُ مِنْ حَوْلِهِمْ يَمُوجُ سَرَابُهَا، وَيُؤْذِنُ خَرَابُهَا، فَيَرْفَعُونَ الدُّعَاءَ الحَثِيثَ، إِلَى الكَرِيمِ المُغِيثِ، كَانَتْ قُلُوبُهُمْ إِلَى اللهِ قَرِيبَةً، وَلُجُوؤُهَا إِلَى اللهِ عَجِيبَةً....

المرفقات

ترشيد المياه.doc


العنوان

الحث على شكر النعمة والاقتصاد في كلف مناسبات الزواج وغيرها

2009/10/21 6695 879 25

.. ولهذا تمادوا في الإسراف في الحفلات وبذل الكثير من الأموال عند أدنى المناسبات؛ كالزواج، وحفل عقد القرآن، وغيرهما من أنواع الحفلات التي يبذل فيها المال الوفير، وينفق فيها الجهد الكبير والوقت الكثير في غير مرضاة الله، بل فيما يسخطه ويأباه؛ مباهاة لضعفاء الإيمان من ذوي الطغيان ..

المرفقات

793


العنوان

لا كثير مع التبذير ولا قليل مع حسن التدبير

2016/10/30 1958 332 12

أَرَأَيتُم لَو أَنَّ امرَأً اشتَرَى في يَومِهِ مَا يَحتَاجُ إِلَيهِ وَمَا لا يَلزَمُهُ، وَأَطَاعَ مَن تَحتَ يَدِهِ مِن زَوجَةٍ وَأَبنَاءٍ في كُلِّ مَا يَطلُبُونَهُ وَيَشتَهُونَهُ، وَقَلَّدَ الآخَرِينَ فِيمَا يَشتَرُونَ وَيَركَبُونَ وَيَسكُنُونَ؛ هَل تَرونَهُ سَيَبقَى مِن ..

المرفقات

كثير مع التبذير ولا قليل مع حسن التدبير


العنوان

تنبيه الأشراف بالسلامة من دنس الإسراف

2011/08/09 4731 1587 32

فالحذَرُ من تجاوز الحد في المباحات أمرٌ واجب، ولزوم الاقتصاد والسلامة من الإسراف منهجٌ نبويٌّ رشيد حكيم؛ لا سلامةَ مِن السفاهة وصفاتِ السفهاء إلا بالتمسك بهذا الهدي النبوي، ولا نجاة لنا من كل صفة مذمومة، وفعلٍ قبيح، وعاقبة مهينة، إلا بالعض على هذا المنهج بالنواجذ ..

المرفقات

الأشراف بالسلامة من دنس الإسراف


العنوان

رسالة لكل صاحب نعمة: انتبه

2014/02/10 6789 851 29

لست -إخوتي- أصف لكم حال فقراء آسيا وإفريقيا، بل أكلمكم عن هذه الجزيرة التي تجمعنا وعن بلاد نجد التي نعيش فيها، وكبارنا هنا يعرفون هذا الجوع والخوف والمسغبة، ويذكرونه قبل عقود من الزمن، فأذن الله لهذه الأرض أن يتبدل حالها، وأن تخرج كنوزها، وأن تعرف تاريخًا من فيض المال لم يعرفه تاريخها أبدًا عبر الزمن، فتغيّر الحال، وأصبحت الجزيرة العربية مهوى الأفئدة للعمل والتجارة، وصارت غنية على مستوى العالم.

المرفقات

لكل صاحب نعمة انتبه


إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
25-10-2023

ممتاز