الاجتهاد والفتيا – خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات:

اقتباس

وإن من أوجب الواجبات حماية جناب الشريعة ممن يخوضون فيها بجهلٍ أو بهوى؛ فيخالفون النصّ أو الإجماع أو القياس الجلي؛ لإسقاط ما لا يريدون من الشريعة وإرضاء البشر بإباحة ما يهوون، ولا شك أن هذا من القول بغير...

 إن مما ينبغي أن يستقر في الأذهان لدى أبناء الملة من الإنس والجان؛ أمر الفتيا والاجتهاد؛ حيث أنها توقيع عن رب العباد، وربط بين الله تعالى وخلقه، ويكفي استعظامًا لشأنها؛ أن المولى -سبحانه- قرن التقول عليه وعلى شرعه بغير علم، بالفواحش والظلم والإشراك؛ فقال -جل في علاه-: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].  

 

وإن من أوجب الواجبات حماية جناب الشريعة ممن يخوضون فيها بجهلٍ أو بهوى؛ فيخالفون النصّ أو الإجماع أو القياس الجلي؛ لإسقاط ما لا يريدون من الشريعة وإرضاء البشر بإباحة ما يهوون، ولا شك أن هذا من القول بغير علم الموجب على صاحبه الإثم والسيئة؛ حيث أنه بذلك عصى ربه -سبحانه- وخالف أمره، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "من أفتى الناس وليس بأهلٍ للفتوى فهو آثمٌ عاصٍ، ومن أقرَّه من ولاة الأمور على ذلك فهو آثمٌ -أيضًا-".  

 

ونُقِلَ عن ابن الجوزي -رحمه الله تعالى- فقال: "ويلزم وليّ الأمر منعهم، كما فعل بنو أمية، وهؤلاء بمنزلة من يدل الركب وليس له علمٌ بالطريق، وبمنزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة، وبمنزلة من لا معرفة له بالطب وهو يطبِّب الناس، بل هو أسوأ حالاً من هؤلاء كلهم"، ثم وصف حال شيخه ابن تيمية -رحمه الله- فقال: "وكان شيخنا –رحمه الله- شديد الإنكار على هؤلاء؛ فسمعته يقول: قال لي بعض هؤلاء: أجُعلت محتسبًا على الفتوى؟! فقلت له: يكون على الخبازين والطباخين محتسبٌ ولا يكون على الفتوى محتسبٌ؟!".  

ونقل أئمة الأحناف عن أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- قوله: "لا يجوز الحجر؛ إلا على ثلاثةٍ: على المفتي الماجن، وعلى المتطبب الجاهل، وعلى المكاري المفلس؛ لما فيه من الضرر الفاحش إذا لم يحجر عليهم؛ فالمفتي الماجن يفسد على الناس دينهم، والمتطبب الجاهل يفسد أبدانهم، والمكاري المفلس يتلف أموالهم؛ فيمنعون من ذلك دفعًا للضرر".  

 

عباد الله: يجب على المسلمين تعظيم أمر الفتيا، واقتصارهم على سؤال الراسخين في العلم؛ وأن لا يسمحوا للمتقولين بغير علم أن يسيئوا للشريعة؛ وهذا لا شك من حق العلماء على عامة الناس؛ فليس كل من حمل شهادة شرعية صار أهلا للإفتاء، ولا كون الشخص صاحب قلم سيال في التعبير عن أحوال المسلمين، والرد على أعداء الإسلام؛ إذ أن هذا لا يكفي للأهلية للفتيا، بل يجب الرجوع إلى أهل العلم وحملة الذكر اللذين أرشد الله عباده إلى سؤالهم؛ فقال: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 43]؛ وأهل الذكر هم أهل العلم.  

 

أيها المسلمون: وأهل الذكر ينبغي أن نتعامل معهم بأدب وتوقير ولطف وتقدير، وأن نتخاطب معهم بالأدب الذي يناسب مقامهم؛ فمن تلك الآداب التي يجب على المسلم أن يتحلى بها بين يدي أهل العلم والذكر ما يلي: إرادة السائل للحق والعمل به، لا البحث عن الرخص، وإفحام المفتي، وضرب أقوال العلماء؛ فيجب أن يكون المستفتي أن يكون كالمريض عند الطبيب؛ حيث يقصد بسؤاله الوصول إلى الحق.   ومن الآداب -كذلك- أن يصف المستفتي حاله للطبيب وصفا دقيقا ويبين ملابسات، ولا يخفي شيئا، وألا يفارقه؛ إلا وقد فهم الجواب.  

ومن الآداب التي ينبغي على المستفتي أن يتحلى بها بين يدي المفتي؛ التوقير والاحترام لمفتيه؛ فلا يرفع صوته عليه، أو يقطع حديثه أو يذكر أقوال المخالفين له.   ومن حسن أدب المستفتي مع المفتي أن يدعو له، كأن يقول له: ما تقول أحسن الله إليك وعفا عنك؛ فإنها أدعية مباركة يستحقها من أفتاك وأرشدك إلى الحق، ويعد هذا من رد الجميل والإحسان لمن أحسن إليك، كما قال -سبحانه-: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن: 60].  

 

وبعد ذكر جملة من الآداب التي ترعى للعلماء مكانتهم وحقوقهم؛ نود الإشارة إلى مسألة مهمة؛ ألا وهي: تغير الفتوى حسب البلدان والأحوال والأشخاص، وقد أشار إلى ذلك  الإمام -ابن القيم رحمه الله- في قوله: "وتغير الفتوى، واختلافها، بحسب تغير الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والنيات، والعوائد" ( إعلام الموقعين  ( 3 - 3 فما بعدها).  

وكما أن العلماء قالوا بإمكانية تغير الفتوى؛ حسب الأحوال والبلدان والأشخاص؛ فقد قيدوا ذلك في المسائل التي يجوز فيها النظر والاجتهاد، وحرموا ذلك في  الأحكام الأساسية الثابتة منذ نزول الوحي؛ فقالوا: إن الأحكام الثابتة في القرآن والسنة، والتي جاءت الشريعة لتأسيسها بنصوصها الأصلية الآمرة والناهية، كحرمة الشرك، والظلم والزنا، والربا، وشرب الخمر والسرقة، وغير ذلك مما جاءت بع الشريعة الغراء. وقالوا -أيضا- لا يجوز الاجتهاد فيما علم من الدين بالضرورة، كأركان الإسلام.   وذكروا أن الأحكام التعبدية لا مجال فيها للرأي، ولا للاجتهاد.  

ومما عده العلماء من الأمور التي لا تتغير ولا يسمح التبديل فيها؛ مسائل العقيدة؛ فهي ثابتة لا تقبل الاجتهاد، حتى قيام الساعة.  

 

فيا أيها الخطيب المبارك تلك إطلالة عجلى عن مكانة الفتيا وقداستها، وخطر التلاعب بها، ووجوب حصرها على أهل العلم الراسخين دون غيرهم، وحتى يعطى الموضوع حقه أكثر من البسط وضعنا بين يديك مجموعة من الخطب المنتقاة؛ عل الله أن ينفع بها ويحمي بها جناب الشريعة الغراء من عبث العابثين وتطاول المتطاولين.

  (الاجتهاد والفتوى) ملف علمي

العنوان

تقنين الفتوى صيانةً للدين والدنيا

2022/06/03 1959 435 0

وهنا دعوة موجَّهة لعلماء الأمة؛ للحِفَاظ على هُوِيَّة الأمة الإسلاميَّة، ووحدتها، ووسطيتها، واعتدالها، وتعاهُدِها بالتفقيه والتوعية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، والتصدي للشبهات المُضِلَّة والدعوات المغرضة، وفوضى الإفتاء عبرَ الوسائل الحديثة، ومواقع التواصُل المختلفة، وتقوية التواصُل مع شباب الأمة...

المرفقات

تقنين الفتوى صيانةً للدين والدنيا.pdf

تقنين الفتوى صيانةً للدين والدنيا.doc


العنوان

الشذوذ في الفتوى أضراره وأسبابه وعلاجه

2010/08/19 3499 1165 18

ومع كثرة أدوات الشهرة والظهور باتساع وسائل الإعلام والاتصال، وتعدّد أساليب التلميع والتزييف، واستحكام الجهل بالشريعة في الناس انبرى للفقه والفتيا من ليس من أهلها: إما قارئٌ مجودٌ، أو واعظٌ يجيد الوعظ، أو إخباريٌ يحسن القص، أو مولعٌ بالغرائب، يدعو لنفسه بها، فأتى بعضهم بشذوذٍ من الفقه استبيحت بها محرّماتٌ، أو أسقطت بها واجباتٌ.<p>

المرفقات

في الفتوى أضراره وأسبابه وعلاجه

في الفتوى مشكولة


العنوان

خطر الفتوى

2019/12/22 2115 285 0

اسألوا العلماء العارفين بالله وبكتابه وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم, وإذا ما وجدت من يفتيك فانتظر حتى تجد, لا تذهب إلى المتساهلين والمتهاونين والمميعين للدين؛ فإن عاقبة ذلك سيئة على دينك وعلى أعمالك الصالحة, كم سمعنا ورأينا من أُناس تجرأوا على الفتيا فضلوا وأضلوا الناس...

المرفقات

خطر الفتوى


العنوان

التيسير في الفتاوى

2016/10/13 1461 273 4

الفتوى إنما تكون بحسب منهج الله ودينه وشرعه، ولا يصح أبداً الاجتهاد مع وجود النص الشرعي، وإنما يكون الاجتهاد عند عدم وجود نص، ولهذا من يطلب الترخص في أمور قد قطع الله فيها وبيّن حكمها إنما يطلب الأعذار والتملق عن الحق...

المرفقات

في الفتاوى


العنوان

الفتوى بغير علم وبعض أحكام المفتي والمستفتي

2019/07/22 2071 305 1

فَالَّذِي يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَحْمِل النَّاسَ عَلَى الْوَسَطِ الْمَعْهُودِ فِيمَا يَلِيقُ بِالْجُمْهُورِ، فَلاَ يَذْهَبُ بِهِمْ مَذْهَبَ الشِّدَّةِ، وَلاَ يَمِيل بِهِمْ إِلَى طَرَفِ الاِنْحِلاَل،.. فَلاَ إِفْرَاطَ وَلاَ تَفْرِيطَ..، وَلَيْسَ لِلْمُفْتِي تَتَبُّعُ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ، بِأَنْ يَبْحَثَ عَنِ الأَسْهَل مِنَ الْقَوْلَيْنِ أَوِ الْوَجْهَيْنِ وَيُفْتِيَ بِهِ،

المرفقات

الفتوى بغير علم وبعض أحكام المفتي والمستفتي


العنوان

أمر الفتوى

2019/02/27 2179 284 2

أحبتي: إن حدود الله لا تستباح بزلة عالم، ولا فتوى متعالم، ومن تتبع الرخص فسق بإجماع العلماء، وتحلل من ربقة التكليف، ومن أخذ برخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله، والبر ما سكنت إليه النفس، واطمئن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر؛ وإن أفتاك الناس وأفتوك.

المرفقات

أمر الفتوى


العنوان

العمل عند اختلاف الفتوى

2017/12/06 2248 503 13

إنَّ العلمَ دين فانظروا عمَّن تأخذون دينكم؛ فمن أخذ العلم عن الثقات أفلح وفاز، ومن أخذه من الجهلة ضَلَّ وما اهتدى، كما تجدون من الناس أقوام يسألون فلاناً ثم يسألون آخر ثم يسألون ثالثاً؛ ليصلوا إلى حكمٍ يوافق هواهم فيأخذون به، أو أنَّهم يفعلون ذلك لأخذ...

المرفقات

العمل عند اختلاف الفتوى

العمل عند اختلاف الفتوى


العنوان

منهج الصحابة في الفتوى والرد على أخطاء المجتهدين

2016/02/18 3036 395 5

وما أكثر ما نرى من أنصاف طلاب العلم، الذين يُولعون بالردود على غيرهم من طلاب العلم والمشايخ والدعاة، بمجرّد اجتهادهم في آراءٍ وأقوالٍ ظنوا صوابها، وليتهم يردّون على القول وحسب، بل يردّون على القول وقائله، ويدخلون في نيّته، ويُصنّفونه ويُبدعونه ويُحذرون منه!.. فمنهج الصحابة والسلف الصالح: عرض الرأي والحجة مُختصرةً، دُون ..

المرفقات

الصحابة في الفتوى والرد على أخطاء المجتهدين


المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات