سلسلة غزوات النبي (صلى الله عليه وسلم): غزوة تبوك - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

هل تستفيد الأمة من مطالعة السيرة النبوية في حياتها ومستقبلها؟! فتحسن الانتباه واليقظة لمكر الأعداء، وتحسن إعداد العدة لمقاومتهم، وتجيد عزل المنافقين وفضح مخططاتهم، والحذر من مكايدهم، وفوق ذلك كله هل تستطيع الأمة اليوم أن...

إن أمة تجهل تاريخها لا مستقبل لها.. فتاريخ أيّ أمة وماضيها يضيء لها مستقبلها، فيعلّمها دروسًا وعبرًا، تستلهما في حياتها، فتتعلم من التجارب المفيدة، وتتجنب الأخطاء حتى لا تقع فيها مرة أخرى، وصدق القائل:

اقرءوا التاريخ ففيه العبر *** ضل قوم لا يعرفون الخبر

 

وإذا كان لأي أمة تاريخ تتعلم منه، فإن الأمة المسلمة لها من ذلك أفضل نصيب، وأجمل تاريخ، وأروع حضارة، مرت على البشرية، ولذا فإن الأمة بحاجة ماسّة في أيامها هذه التي تعتريها الفتن من كل مكان، بحاجة إلى مُدَارسة السيرة النبوية، والوقوف على مواطن الدروس والعِبَر منها، وكلها دروس وعبر.

 

 ومن العجيب لجوء كثير من المسلمين في العصر الحديث إلى الكتب المترجمة في الفلسفة والتنمية البشرية والبرمجة العصيبة، وغيرها، ولا ينتبه كثير منهم إلى أن السيرة النبوية تزخر بكمّ هائل من الفوائد في شتى المجالات، ولكن هذه الدرر بحاجة إلى غوّاص ماهر يبحث على لآلئها وأصدافها، وكنوزها، ويُخرجها للناس في حلل قشيبة.

 

ومن الصفحات العظيمة في السنة النبوية والأيام الرائعة فيها غزوة تبوك، ولنا معها هذه الوقفات اليسيرة:

يرجع تاريخ غزوة تبوك إلى غرة رجب عام 9ﻫ، خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك، وهي آخر غزوة غزاها، وتُسمّى بغزوة العُسرة أي الشدّة.

 

وسبب هذه الغزوة: أنّ بعض التجّار قدموا من الشام إلى المدينة، فأشاعوا فيها أنّ الروم قد اجتمعوا يريدون غزو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عسكرٍ عظيم، وأنّ هرقل قد سار في جمع جنوده، وجلب معهم غسان وجذام وبهراء وعاملة، وقد قدم عساكره البلقاء -هي النصف الجنوبي لشرقي الأردن-، ونزل هو حمص.

 

فتجهز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو وأصحابه إلى تبوك، وبعث إلى القبائل حوله وإلى مكّة وإلى من أسلم من خزاعة ومزينة وجهينة؛ فحثّهم على الجهاد والغزو.

 

وسميت غزوة العسرة لظروف استثنائية ميزتها عن سائر الغزوات.. فقد صحب هذه الغزوة ظروف عصيبة؛ تتمثل في قوة العدو وهم الروم، وبُعد المسافة، وشدة الحر، وقلة الظهر والمال، واقتراب موسم الحصاد، كل هذه الأسباب وغيرها، جعل منها غزوة شديدة صعبة على المسلمين، وتميز الناس فيها بين صادقين ومخلَّفين ومنافقين.

 

وإن من المقرر أنه عند الشدائد تظهر معادن الرجال، وعند هذه الشدة ظهرت معادن رجال عظام حول الرسول –صلى الله عليه وسلم- شجاعةً وإقدامًا، وكرمًا وإنفاقًا، ورسوخًا وثباتًا، ينفقون أموالهم في سبيل الله، ويضحون بأنفسهم في سبيله، وقد ضرب الصحابة الكرام -والرسول -صلى الله عليه وسلم- قبلهم- أروع الأمثلة على العمل لله والبذل لدينه خلال هذه الغزوة..

 

ومن أبرز المنفقين في هذه الغزوة، عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، أنفق نفقة كبيرة في تجهيز جيش العسرة، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَلْفِ دِينَارٍ - قَالَ الحَسَنُ بْنُ وَاقِعٍ: وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِي، فِي كُمِّهِ - حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَنَثَرَهَا فِي حِجْرِهِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ: «مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ اليَوْمِ مَرَّتَيْنِ»(سنن الترمذي 3701 وحسنه الألباني).

 

وطائفة أخرى من المسلمين حرصوا على الجهاد والمشاركة إلا أن الفقر وقلة ذات اليد يمنعهم، فأنزل الله فيهم: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ)[التوبة: 92].

 

وشتان بين بكاء وبكاء...إن هؤلاء الصحابة الفضلاء بكوْا حزنًا وتألمًا على الحرمان من الجهاد، فعلام نبكي اليوم؟! نبكي لدنيا، أم لمال، أم لماذا؟ إن الذي يطالع بكاء كثير من الناس قد يجد هذا يبكي لخسارة فريقه، وذلك يبكي لفراق محبوبته، وتلك تبكي شوقًا لمن تحب... وهكذا من صور البكاء على الدنيا، فأين البكاء شوقًا للطاعة، وأعلى منه البكاء خشية من الله، وشوقًا إليه!!!

 

وفي ذروة المحنة تكثر سهام المنافقين وغدرهم، وقد نزلت في أعقاب هذه الغزوة سورة التوبة، أو الفاضحة تفضح المنافقين وتبين غدرهم، وقد اشتد إيذاؤهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في هذه الغزوة، فعن سعيدِ بنُ جُبَيْرٍ قالَ: قلتُ لابنِ عبَّاسٍ: سورةُ (التَّوْبَةِ)؟ قالَ: (التَّوْبَةُ) هيَ الفاضِحَةُ، ما زالَتْ تَنْزِلُ ومِنْهُمْ ومِنْهُم حتَّى ظنُّوا أنَّها لمْ تُبْقِ أحداً مِنْهُم إِلَّا ذُكِرَ فيها"(رواه البخاري).

 

ووصف الله في هذه السورة ضعف همهم وفتور عزائمهم عن نصرة الدين، وحرصهم على تمزيق صفّ المسلمين، قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)[التوبة: 46-47].

 

 وما أشبه اليوم بالبارحة! في تصدر المنافقين وعملهم على إيذاء المسلمين في مواقف لا تحتمل القسمة على اثنين ولا إرضاء الطرفين؛ فإما الانحياز إلى الحق وأهله، وإما الانغماس في صفوف العدو تأييده في عدوانه.

 

ومع هذه الأحوال المحيطة بالغزوة، وشدة أحوال المسلمين، وقوة الروم، والحرّ، وتخلف المنافقين، مع كل هذا نصَر الله رسوله محمدًا –صلى الله عليه وسلم- وصحبه بدون قتال؛ إذ لمّا علم هرقل بخروج المسلمين في هذا الحر الشديد، خاف الروم وانسحبوا داخل بلادهم، فلم يشأ النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يتتبعهم، إذ حقق هدفه الاستراتيجي، وأخذ بزمام المبادرة، وأوقع الله الخوف في قلوبهم، وهذا مصداق قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ"(رواه البخاري).

 

فهل تستفيد الأمة من مطالعة السيرة النبوية في حياتها ومستقبلها، فتحسن الانتباه واليقظة لمكر الأعداء، وتحسن إعداد العدة لمقاومتهم، وتجيد عزل المنافقين وفضح مخططاتهم، والحذر من مكايدهم، وفوق ذلك كله هل تستطيع الأمة اليوم أن تعظّم ثقتها في ربها، وتتيقن في قدرته ونصره لها مع ضعفها، فلا تستسلم للهزيمة النفسية أمام استكبار الكافرين، وخذلان المنافقين، وتساهل الطيبين من أبنائها في نصرة قضايا أمتهم في أزماتها.. أسئلة كثيرة بحاجة إلى تدبرها والتفكر فيها، نسأل الله أن يعز دينه وأن ينصر الأمة ويعلي شأنها، ويحكّم فيها كتابه، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

 

ومن أجل تذكير المسلمين بأحداث غزوة تبوك، وأسبابها ونتائجها، وضعنا بين يديك -أخي الخطيب الكريم- مجموعة خطب منتقاة توضّح أهم الدروس والعبر التي تستفيدها الأمة اليوم من أحداث هذه الغزوة المباركة، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في الأقوال والأعمال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

 

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
العنوان
غزوة تبوك وواقع الأمة 2008/11/23 5225 1141 30
غزوة تبوك وواقع الأمة

كيف يكون حالُ أهل الإسلام حين يرضى بالقعود أولو الطول والقادرون الذين يملكون وسائل الجهاد والبذل؟ لا يذودون عن حرمةٍ، ولا ينتصرون لكرامةٍ، ولا يحسّون بصغار ولا ذلة. كيف تحلو الحياة لمن يضيع دياره؟! ماذا جنى المسلمون من ترك التناصر للإسلام والأخذ بعزائم الأمور؟ ماذا كسبوا من انحسارهم في دعواتٍ إقليمية ضيقةٍ وعنصريةٍ منتنةٍ؟!

المرفقات

80

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life