اقتباس
إن من المؤسف حقًّا مع رحيل شهر رمضان أننا شاهدنا هذا العام كثيرًا من المسلمين قد أعرضوا عن مواسم الخير ولم ينافسوا فيها... وكثرت منهم صور الإعراض عن الخير في شهر البر شهر رمضان..
شاءت إرادة رب العالمين أن يميز بين خلقه، فجعل لكل أمة أعيادًا، وميزها بعادات وتقاليد مختلفة عن غيرها من الأمم، وقد أشار المفسرون إلى ذلك المعنى في كتاب الله الكريم، فقد أخرج الإمام الطبري في جامعه في تفسير سورة الحج عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال في قوله تعالى: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ)[الحج: 67] يَقُولُ: عِيدًا. (تفسير الطبري: 18/ 679).
وقد صرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا المعنى أيضًا، فأخبر أن لكل أمة عيدًا، فعن أم المؤمنين عَائِشَةَ –رضي الله عنها- أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاذَفَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: "مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ مَرَّتَيْنِ؟!" فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ"(صحيح البخاري 3931).
وقد قيل قديمًا: "إذا أردت أن تعرف أخلاق أمة فراقبها في عيدها"؛ إذ تتحرر القيود وتنطلق الغرائز على طبيعتها، وتبدو أخلاق الأمة واضحة في أعيادها؛ هل يتزاورون أم يتقاطعون، وهل يحنو قويهم على ضعيفهم، وهل يكرم غنيهم فقيرهم؟!
بِمَ عُدْتَ يا عيدُ؟!
يأتي عيد الفطر هذا العام، والأمة ممزقة متفرقة، آلام في الشام منذ سنوات، وجراحات في غزة الأبية المحاصرة، التي تكالب عليها القريب والبعيد، وأهل السنة في العراق يعانون الويلات تحت حكم طائفي شيعي خبيث، وفي كل موطن في العالم جرح لأهل الإسلام نازف، نسأل الله أن يلطف بأمة نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- .
بِمَ عُدْتَ يا عيدُ؟!
إن من المؤسف حقًّا مع رحيل شهر رمضان أننا شاهدنا هذا العام كثيرًا من المسلمين قد أعرضوا عن مواسم الخير ولم ينافسوا فيها... وكثرت منهم صور الإعراض عن الخير في شهر البر شهر رمضان، ومن ذلك أن:
- منهم من تعمد الفطر، وجاهر بالعصيان، معرضًا نفسه لسخط الرحمن -تبارك وتعالى-.
- ومنهم من اشتدت عزيمته على الصيام والقيام، وقوي عزمه على اغتنام الشهر وما هي إلا ليالٍ في أوله، ثم فترت عزيمته وضعفت قواه عن اغتنام لياليه ودقائقه الغالية.. فعاد إلى سيرته الأولى من التفريط والعصيان..
- ومنهم من شغلته المباريات والمسلسلات وغيرها من صنوف الملهيات..
- ومنهم من يغريه الصفق في الأسواق، والتنزه في الأسواق التجارية الكبرى، بيعًا وشراءً في آخر أيام رمضان، لهثًا خلف مكاسب مادية ضعيفة لا تقارن بالأرباح الأخروية الكبرى التي حرم نفسه منها..
- ومنهم من أخلف وعده مع الله سبحانه، ففي كل رمضان يمر عليه يندم في آخره، ويعزم النية، ويجدد العهد لئن أحياني الله لرمضان آخر ليرين ما أصنع!! ويَمُن الله عليه برمضان يتبعه رمضان، فلا من البر ازداد، ولا من الحسنات جمع، بل فرّط وضيّع، ولا يظلم ربك أحدًا.
كيف تستفيد الأمة من عيدها؟!
إذا كان رمضان والعيد من مظاهر توحد الأمة؛ فإن أمة الإسلام لن تتنعم بعيدها إلا إذا اجتمع شملها، وتوحد صفها، وتآخى المسلمون في الله حقًّا، وكانوا يدًا على من سواهم، وحققوا وصف الله في عباده الصادقين أنهم (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)[المائدة: 54].
إن أمة الإسلام لن تنتصر على عدوها إلا إذا انتصرت على نفسها، وقمعت شهواتها، واستسلمت لتشريعات ربها وحكمه، ورضيت بقدره، ودفعت قدره بقدره.. فهل نرى ذلك اليوم الذي تتوحد فيه الأمة في مشاعرها وأهدافها، وتجابه عدوها؟! نسأل الله أن يكون قريبًا.
من أجل ذلكم وضعنا لكم أيها الخطباء الكرام مجموعة منتقاة من خطب عيد الفطر المبارك، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في الأقوال والأعمال، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
التعليقات