اقتباس
وهم من اكتحلت عيونهم بالنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصافحوه بأيديهم، وتلقوا العلم منه مشافهة بلا واسطة، هم من تنزل الوحي جبريل -عليه السلام- بالبينات على المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وهو بينهم، فشهدوا تنزل القرآن وعاينوه وعلموا فيما نزلت كل آية ولما نزلت وأين نزلت...
لست مبالغًا أبدًا حين أقول: ما من مسلم يصلي أو يصوم أو يقيم شعائر الإسلام على أي بقعة من بقاع العالم إلا وهو في ميزان واحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فما انتشر الإسلام في جنبات الأرض -بعد فضل الله تعالى- إلا بجهادهم ودمائهم وإخلاصهم وأعمارهم التي باعوها لنصرة دين الله، فعلى أكتافهم قام الدين وبكفاحهم انتشر وبتضحياتهم ملأ الأرض شرقًا وغربًا.
***
والصحابة هم أفضل أجيال الأمة كلها بعد نبيها -صلى الله عليه وسلم-، شهد لهم بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد سئل: أي الناس خير؟ فأجاب: "قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"(متفق عليه).
والصحابة هم أعلم أهل الأرض بعد الأنبياء والرسل، فما من عالم إلا وهو متتلمذ عليهم ومقتبس منهم، فهم الوارثون الأوائل لميراث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر"(رواه الترمذي)، فكما اختار الله -عز وجل- رسوله -صلى الله عليه وسلم- لينزل عليه سالته، فكذلك قد اصطفى له صحبة يحملون عنه هذه الرسالة إلى العالمين.
وكل عمل ليس على سبيلهم ومنهجهم فهو مبتدع أو منقوص، فمن أُمرنا باتباع سبيلهم ومنهجهم، فعن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور"(رواه أبو داود)، وعن اتباعهم أجمعين يقول العزيز الجليل -عز وجل-: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا)[التوبة: 100].
وهم من اكتحلت عيونهم بالنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصافحوه بأيديهم، وتلقوا العلم منه مشافهة بلا واسطة، هم من تنزل الوحي جبريل -عليه السلام- بالبينات على المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وهو بينهم، فشهدوا تنزل القرآن وعاينوه وعلموا فيما نزلت كل آية ولما نزلت وأين نزلت.
***
والصحابة درجات ومراتب ومنازل، فخيرهم بلا منازع هم الخلفاء الراشدون الأربعة -رضي الله عنهم-، وترتيبهم في الأفضلية هو ترتيبهم في الخلافة على الراجح، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كنا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نعدل بأبي بكر أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نفاضل بينهم"(رواه البخاري).
فأفضلهم الخليفة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ)[التوبة: 40]، والذي مدحه القرآن الكريم في خمس آيات متواليات ووعده في آخرها أنه سوف يرضيه: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى)[الليل: 17-21]، والذي قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه: "إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد، غير خوخة أبي بكر"(رواه البخاري).
ويليه في الفضل الفاروق عمر بن الخطاب أمير المؤمنين -رضي الله عنه-، الذي يخاف منه الشيطان؛ فقد أقسم له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: "إيه يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكًا فجًا إلا سلك فجًا غير فجك"(متفق عليه)، والذي نزل القرآن موافقًا لكلامه في غير ما مرة، فهو الملهم من عند رب السموات، فعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول: "قد كان يكون في الأمم قبلكم مُحَدَّثُونَ، فإن يكن في أمتي منهم أحد، فإن عمر بن الخطاب منهم"، قال ابن وهب: تفسير مُحَدَّثُونَ: مُلْهَمُونَ(متفق عليه).
ثم يأتي في المرتبة الثالثة: ذو النورين عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، الحيي الوقور، صاحب بئر رومة، ومجهز جيش العسرة، حتى قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم"(رواه الترمذي)، وهو من تستحي منه الملائكة بل ويستحي منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد كان -صلى الله عليه وسلم- مضطجعًا كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر وعمر فأذن لهما وهو على تلك الحال، فلما استأذن عثمان جلس -صلى الله عليه وسلم-، فسألته أم المؤمنين عائشة عن ذلك فأجابها: "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة"(رواه مسلم).
ورابع الأربعة هو أبو تراب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزوج ابنته، من قال له النبي الخاتم -صلى الله عليه وسلم-: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي"(متفق عليه)، وهو المحب لله ولرسوله بشهادة رسول الله الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال يوم خيبر: "لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه"(رواه مسلم)، ثم أعطاها له.
وهؤلاء الأربعة أوائل المبشرين بالجنة، ويليهم في الفضل باقي العشرة المبشرين بالجنة الذين عدَّهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة"(رواه الترمذي).
ثم فضلاء الصحابة كثير -وكلهم فضلاء- ومنهم: أصحاب بدر وأصحاب الشجرة، وأصحاب بيعة العقبة... وإن أدنى رجل من الصحابة -وليس فيهم دنيء- لهو خير من أعظم رجل من غيرهم.
***
ثم يأتي قزم من الأقزام ويتطاول على هذه القامات السامقات! ويعيب على هؤلاء العمالقة الأفذاذ، وهو بذلك يستوجب لعنة الله عليه من فوق سمواته، مصداق لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"(رواه الطبراني)، وعند مسلم: "لا تسبوا أحدًا من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه"(رواه مسلم).
وقد عقدنا هذا الملف العلمي تعريفًا بالصحابة ونصرة لهم وقيامًا ببعض واجبنا نحوهم، سائلين الله -تعالى- أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى غير مغيرين ولا مبدلين.
التعليقات