الست من شوال - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات:

اقتباس

فهؤلاء المحزونون الخائفون من عدم القبول نطمئنهم ونقول لهم: الصيام لم ينقطع، وهاك فرصة لتطمئنوا على قبول أعمالكم، إنها فرصة نقلها إلينا أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- إذ يحدِّث عن رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- أنه قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال، كان كصيام الدهر...

أجمع العالمون والعارفون أن من علامات الإخلاص في العمل، وأن من علامات قبوله: المداومة عليه، فما داوم إلا المخلص، ومن داوم فقد قُبِل، وأصَّلوا لذلك أصلًا يقول: "ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل".

 

  وقد صام المسلمون شهر رمضان كاملًا، ثلاثون يومًا ما طعموا طعامًا ولا شربوا شرابًا بالنهار أبدًا، فأما المؤمنون فقد ألفوا الصيام وأحبوه، وأخلصوا فيه لله وأتقنوه، وهم -إذ انتهى رمضان- محزونون على انتهائه، وجلون خوفًا من رده وعدم قبوله، حالهم كحال أم المؤمنين عائشة حين قرأت قول الله -عز وجل-: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)[المؤمنون: 60]، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسـلم-: أهو الذي يزني، ويسرق، ويشرب الخمر؟، فأجابها زوجها -صلى الله عليه وسـلم-: "لا، يا بنت أبي بكر، أو يا بنت الصديق، ولكنه الرجل يصوم، ويتصدق، ويصلي، وهو يخاف أن لا يتقبل منه"(رواه ابن ماجه).  

 

فهؤلاء المحزونون الخائفون من عدم القبول نطمئنهم ونقول لهم: الصيام لم ينقطع، وهاك فرصة لتطمئنوا على قبول أعمالكم، إنها فرصة نقلها إلينا أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- إذ يحدِّث عن رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- أنه قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال، كان كصيام الدهر"(رواه مسلم)، "قال العلماء: وإنما كان ذلك كصيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين"(شرح النووي على صحيح مسلم)، بل لقد ثبت ذلك بسند صحيح من حديث ثوبان أن رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- قال: "صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام من شوال بشهرين، فذلك صيام سنة"(رواه النسائي في السنن الكبرى، وصححه الألباني).  

 

وأما من كان مقصرًا في صيام رمضان، فنخاطبه برفق: قد واتتك فرصة لتتدارك تقصيرك، وتجبر كسرك، فأحسن في هذه الست من صيام النافلة يكمل الله لك منها ما كان من نقص في صيام الفريضة، نقول ذلك قياسًا على ما يحدث يوم القيامة مع الصلاة؛ قد روى تميم الداري، أن النبي -صلى الله عليه وسـلم- قال: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن أكملها كتبت له نافلة، فإن لم يكن أكملها قال الله -سبحانه- لملائكته: انظروا، هل تجدون لعبدي من تطوع؟ فأكملوا بها ما ضيع من فريضته، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك"(رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، قال ابن الملك في قوله: "ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك": "أي على حسب ذلك المثال المذكور"(ينظر: مرقاة المفاتيح، للملا على القاري)، ويوضح محمود السبكي قائلًا: "أي: ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك، فالزكاة المفروضة المنقوصة تكمل من صدقة التطوع، والصيام كذلك، وهكذا"(ينظر: المنهل العذب المورود، لمحمود محمد خطاب السبكي).   

 

وإن سألتني: وكيف تصام هذه الست؟ وما الأفضل في صيامها؟ أجابك النووي قائلًا: "والأفضل أن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر، فإن فرقها أو أخرها عن أوائل شوال إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة؛ لأنه يصدق أنه أتبعه ستًا من شوال"(ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم)، ووافقه ابن باز قائلًا: "هذه الست ليس لها أيام معدودة معينة، بل يختارها المؤمن من جميع الشهر، فإن شاء صامها في أوله، وإن شاء صامها في أثنائه، وإن شاء صامها في آخره، وإن شاء فرقها... الأمر واسع بحمد الله، وإن بادر إليها وتابعها في أول الشهر كان ذلك أفضل من باب المسارعة إلى الخير"(نقلًا عن موقعه الرسمي).  

 

فإن عاودت السؤال: من كان عليه صيام من رمضان، هل يبدأ بقضاء ما عليه أولًا، أم يبدأ بصيام ست شوال؟ أقول: قد اختلف في ذلك نظر الفقهاء؛ فمنهم من قال: لا بد من البدء بالقضاء لأن الفرض مقدم على النفل، ولأن "الذي عليه قضاء من رمضان لا يكون متبعًا الست من شوال لرمضان؛ لأنه قد بقي عليه بعض رمضان، فلا يكون متبعًا لها لرمضان حتى يكمل ما عليه من رمضان"(موقع الشيخ ابن باز الرسمي)... ومنهم من قال: "يجوز تقديم صوم الست من شوال على القضاء".  

 

فالأمر فيه سعة، وجواز صيام الست من شوال قبل قضاء ما عليه من رمضان هو قول جمهور الفقهاء... ولو أمكنه قضاء ما عليه في شوال ثم إدراك صيام الست منه، لكان أفضل خروجًا من الخلاف... وإلا فليصم ست شوال أولًا، ثم ليقض ما عليه متى شاء، كما كانت تصنع أم المؤمنين عائشة التي تقول: "إن كان ليكون علي الصيام من رمضان فما أقضيه حتى يجيء شعبان"(رواه النسائي، وصححه الألباني).   

 

ولا ينبغي أن ننهي كلامنا هنا حتى نقرر أنه لا عبرة بقول من كرَّه صيام الست من شوال كمالك وأبي حنيفة، فإن قولهما اجتهاد في مقابل النص، ولا اجتهاد مع نص، والنص يقول: "ثم أتبعه ستًا من شوال"، قال النووي: "فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة.

 

وقال مالك وأبو حنيفة: يكره ذلك، قال مالك في الموطأ: "ما رأيت أحدًا من أهل العلم يصومها"، قالوا: فيكره لئلا يظن وجوبه، ودليل الشافعي وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح، وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها، وقولهم: "قد يظن وجوبها"، ينتقض بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب"(ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم).   

 

ونطلق الآن دعوة إلى المسارعين في الخيرات: هاكم فرصة تتقربون بها إلى الله فهلموا، ها قد دعاكم نبيكم -صلى الله عليه وسلـم- إلى تجديد العهد بالصيام بعد أن رحل رمضان فصوموا...   ولست أنا من أناديكم وحدي، بل ها هنا خطب لجمهرة من خطبائنا كلهم يناديكم ويدعوكم ويحثكم ويحضكم على صيام الست من شوال، ألا فصوموها.

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
العنوان
فضل صيام الست من شوال 2018/06/27 7321 286 25
فضل صيام الست من شوال

إن شهر رمضان موسم البر والخير والغفران قد مضى، وهو شاهد للعاملين أو عليهم. فواصلوا -رحكم الله-: الأعمال الصالحة، وتزودوا لآخرتكم في كل وقت، وتداركوا ما قد حصل منكم من التقصير في الأعمال، واعرفوا نعم الله وقدروها حق قدرها، فمن يـ...

المرفقات

فضل صيام الست من شوال

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life