عناصر الخطبة
1/ الاعتبار بمرور الأيام 2/ المداومة على العمل الصالح بعد رمضان 3/ بعض المعينات على العمل الصالح 4/ وقفات مع صيام ست من شوالاقتباس
يا عبد الله: لقد كنت ملازماً لصلاةِ التراويح في رمضان، ثم ازداد نشاطك في العشر الأواخر، وأصبحتَ تصلي في الليل متهجداً قانتاً خاشعاً بين يدي الله. فلماذا تترك القيام في بقية حياتك؟.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل القرآن هداية للمتقين والراغبين، وجعل تلاوته بخضوع تهل دمع الخاشعين، وأنزل فيه من الوعيد ما يهز به أركان الظالمين.
وأخبر فيه أن الموت نهايةٌ للعالمين، وأننا بعد الموت للحساب مبعوثون، وأننا سنحاسب عما كنا فاعلين, وسنقف بكل ذل وخضوع بين يدي رب العالمين.
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وقدوة للناس أجمعين.
يا منـزل الآيات والــفـــرقـــان *** بيني وبــيــنك حـرمة القرآن
اشرح به صدري لمعرفة الهدى *** واعصم به قلبي من الشيطان
يسِّرْ به أمري وأقضِ مآربي *** وأجر به جسدي من النيران
طهر به قلبي وصفِّ سريرتي *** أجمل به ذكري وأعلِ مكاني
واقطع به طمعي وشرِّفْ همتي *** أكثر به ورعي وأحمِ جناني
أما بعد:
إنا لـــنفرح بالأيـــام نــــقـــطعها *** وكل يومٍ مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً *** فإنما الربحُ والخسران في العمل
نستقبل الشهر ثم نودعه، ثم نستقبل العام ثم نودعه، وهذه الأيام هي صفحات في سجل أعمالنا، ويوم القيامة نقرأ تلك السجلات! (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) [الإسراء:13]، (يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) [النبأ:40].
فيا ترى؛ ماذا سنقرأ في سجل أعمالنا؟ يا فوز من وجد كتابه عامراً بالحسنات والصالحات! ويا خسارة من سيقرأ السيئات والأوزار والموبقات!.
إن شروق الشمس عليك في كل يوم لهو فرصة لك للرجوع إلى الله -تعالى- وتصحيح المسار، وفي الحديث: "اغتنم خمساً قبل خمس...: وحياتك قبل موتك" صحيح الجامع.
نعم يا عبد الله، لا زلت تتنفس الحياة، إذن؛ لا زال لديك فرصة في كسب المزيد من الحسنات، نعم! لديك الفرصة في محو السيئات التي كتبت عليك في زمن الغفلات.
في كل يوم يرحل أناس من فوق الأرض ليسكنوا تحت الأرض!.
الموت باب وكل الناس داخله *** يا ليت شعري بعد الباب ما الدار؟
الدار جنة عدن إن عملت بما *** يرضي الإله وإن خالفت فالنار
هما محلان ما للمرء غيرهما *** فانظر لنفسك ماذا أنت تختار
يا ترى؛ ماذا وجد أهل القبور؟ ماذا صنع بهم الدود؟ أين ثيابهم؟ أين أموالهم؟ أين تجاراتهم؟ إنهم في قبورهم يجدون ثمرة حسناتهم، وعقوبة سيئاتهم إن لم يعف الله عنهم.
عباد الله: اعلموا أن من توفيق الله -تعالى- أن يداوم العبد على العمل الصالح ويلزم أبوابه، وفي الحديث الصحيح: "أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه، وإن قل" رواه مسلم.
يا عبد الله: لقد كنتَ ملازماً للقرآن في شهر رمضان، فلا تهجره في بقية الشهور والأيام, واقتبس من نوره، واقرأ فيه ولو صفحاتٍ يسيرة.
يا عبد الله: لقد كنت ملازماً لصلاةِ التراويح في رمضان، ثم ازداد نشاطك في العشر الأواخر، وأصبحتَ تصلي في الليل متهجداً قانتاً خاشعاً بين يدي الله. فلماذا تترك القيام في بقية حياتك؟.
إن لصلاة الليل طعماً ومذاقاً مميزاً، فلا تحرم نفسك من تلك اللذة، واسمع نداء الرب لنبيه: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) [المزمل:1-2].
وفي صحيح البخاري، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأحدهم: "لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل، فترك قيام الليل".
يا عبد الله: لقد صمت ثلاثين يوماً من رمضان، فهل -يا ترى- سيكون لك نصيب من صيام النافلة، كصيام الاثنين، والخميس، والثلاث البيض؟.
إن الصيام عمل جليل، يمحو الخطايا ويرفع الدرجات، ويهذب النفوس، ويضيق مجاري الشيطان في الدم.
يا عبد الله: إن مما يعينك على المداومة على الأعمال الصالحة التعرف على فضل العمل الصالح، وكن على يقين أنه كلما زادت معرفتك بفضل العمل كلما زاد حبك له ومبادرتك إليه.
ومما يعين على العمل الصالح النظرُ في سيرة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وعنايته بأنواع التعبد لله -تعالى-، وكذلك النظر في سير السف، وشده عنايتهم بالعبادات على اختلاف أنواعها.
ومما يعين عليه أيضاً مخالطة الصالحين الذين تنتفع برؤيتهم قبل حديثهم، فكم من شخصٍ تجالسه وإذ بك تزداد رغبةً في فعل الخير، والقرين بالمقارن يقتدي، والطباع سراقة، والصاحب ساحب.
ومما يعين أيضاً الحذر من التسويف الذي يزرعه الشيطان في نفسك في تأجيل الأعمال الصالحة والتفريط فيها.
ومما يعين على العمل الصالح الدعاء، وسؤال الرب -تعالى- الثبات على الدين؛ لأن التوفيق والتيسير إنما يأتي من الله -تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60].
قل: يا رب، أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. قل: يا رب، وفقني للمداومة على الأعمال الصالحة.
ومما يعين عليه التفكير في نعيم الجنة، وما أعد الله لعباده الصالحين، (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزخرف:72]، وفي الحديث: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" رواه البخاري.
فاجتهد -يا عبد الله- في أعمالك الصالحة، وداوم عليها؛ لتفوز بتلك الجنان.
عباد الله: ومما لا يخفى عليكم أن من الأعمال المستحبة في شهر شوال صيام ستة أيام منه، كما جاءت بذلك النصوص: "مَن صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر" رواه مسلم.
وهناك مسائل لا بد من معرفتها في هذه الأيام، منها حكمة صيامها، فالحكمة من صيام ست من شوال هو جبر النقص الذي يكون في صيام الفرض.
ومن الحكم أنه بصيام الست بعد صوم رمضان كاملاً يحصل أجر صوم سنةٍ كاملة؛ لأن الشهر ثلاثون يوماً، والحسنة بعشرة أمثالها، فتكون ثلاثمائة يوم، وصوم ست من شوال بستين حسنة، وهكذا تكون حصلت على أجر صوم سنة كاملة.
واعلموا أن الأكمل هو المبادرة بصيامها قبل زحمة الأعمال، وتراكم الأشغال، وورود الأمراض؛ ويجوز صومها متفرقة.
ومن كان عليه قضاء فالأفضل أن يبادر بالقضاء قبل صيام الست، ولا يصح أن ينوي القضاء والست في يوم واحد؛ لأن القضاء مقدم على النافلة، وهو فرض واجب.
ومن أراد صوم القضاء فلا بد أن ينويه من الليل؛ لأنه فرض، والفرض لا بد له من نية من الليل، كصوم رمضان، والقضاء، والنذر، والكفارة، كلها لا بد لها من أن تكون نيتها من الليل.
وكذلك صوم ست من شوال، لا بد له من نية من الليل؛ لأنه نفل مقيد، فيجب تبييت النية من الليل.
ويصح أن ينوي الست من شوال في يوم الاثنين والخميس؛ ليفوز بالأجرين، لأنهما نوافل.
اللهم تقبل منا يا رب العالمين، واجعلنا من عبادك المفلحين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله:
وبعد: عباد الله: اتقوا الله وراقبوه، واعملوا بطاعته، واحفظوا أعمالكم من الآفات التي تبطلها من العجب والرياء.
كيف تعجب بعملك -يا عبد الله- وأنت تعلم أن الذي وفقك للعمل هو الله -تعالى-؟ فلولا الله لما فعلت شيئاً! (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء:83]، (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا) [النور:21].
ثم اعلم -بارك الله فيك- أن العبرة بالقبول عند الله، فكم من عاملٍ لم يقبل الله منه ذرةً واحدة، كما قال -تعالى- عن بعض العباد: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان:23].
وهذا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "سدِّدوا وقارِبوا وأبشِروا، فإنَّه لا يُدخِلُ أحدًا الجنَّةَ عملُه". قالوا: ولا أنت يا رسولَ اللهِ؟ قال: "ولا أنا، إلَّا أن يتغمَّدَني اللهُ بمغفرةٍ ورحمةٍ" رواه البخاري. فماذا نقول نحن؟!.
اللهم ارزقنا القبول يا رب العالمين، اللهم لاتكلنا لأنفسنا ولا لأعمالنا طرفة عين، اللهم ارزقنا الثبات على الدين حتى نلقاك.
ربنا فرج عن إخواننا في غزة، اللهم سدد رميهم، وقوّ عزائمهم، اللهم اشف مريضهم، وتقبل شهيدهم، اللهم كن لهم عوناً ونصيراً يا رب العالمين، اللهم أمن خائفهم، واكس عاريهم، اللهم لا تكلهم لأحدٍ من خلقك.
اللهم اشدد على اليهود وطأتك، وانتقم منهم بقوتك وجبروتك وسطوتك، اللهم اقذف الرعب في قلوبهم، اللهم سلط عليهم جنوداً من عندك يا جبار، اللهم زلزل الأرض من تحتهم، وفجر عليهم أسلحتهم، واملأ حياتهم بالرعب والخوف والهلع والقلق.
اللهم سلط عليهم الأمراض والكوارث والزلازل.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم