اقتباس
قيادة المركبة تخضع لقانون مدروس منظم والواجب احترام هذا القانون، ولو تمعن السائق في لوحاته وأنظمته لوجد فيه خيرا له، ولكن نرى جمعا كبيرا ممن يقودون السيارات لا يراعون الأنظمة المعدة والقوانين المفروضة والتي لا تخالف شرعًا، وإنك لتعجب؟ حين ترى البعض يسير في طريقه لا يبالي بأنظمة السير، كيف يقف ولا كيف ينطلق، تراه يغري من خلفه؛ فهو يقف مواقف غير مناسبة، ولا يعطي لمن...
لقد جاء الإسلام بمبادئه العظيمة وتشريعاته الحكيمة وتعاليمه الربانية الجليلة التي تحافظ على الإنسان وترعى مصالحه في جميع شؤونه، وتمنع الاعتداء عليه أو إلحاق الضرر به، ولذلك فإن من مقاصد الشريعة حفظ النفس والعقل والمال والعرض والنسل، وتوفير الحماية لهذه الكليات من الفساد؛ رغبة في أن يكون المجتمع آمنًا مطمئنًا، ولا يخفى على أحد كثرة الحوادث في أيامنا، والتي ألحقت الضرر بالآخرين وذهبت بحياة الكثيرين؛ فكم من أسرة أصيبت وفجعت؟ وكم من نساء ترملت وأطفال تيتموا؟ وكم من أب فقد ابنه وهو في أشد الحاجة إليه؟ وكم من أم غاب عنها ولدها وفلذة كبدها؟ وكم من الشباب أصبحوا معاقين مبتوري الأقدام أو الأيدي؟ كل هذه المآسي وغيرها نتيجة الإهمال وعدم التقيد بقوانين السير وعدم تحمل المسؤولية في كثير من الأحيان.
وبمناسبة أسبوع المرور التوعوي رأينا المساهمة بهذه المختارة للضرورة الشرعية والمجتمعية في الحديث عن أهمية الالتزام بأنظمة السلامة المرورية والإرشادات التوعوية، وهنا بعضا من تلك الإشارات المهمة التي نسأل المولى -عز وجل- أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه:
الأولى: ينبغي سلامة القصد من شراء المركبات وتحديد الهدف من شرائها وهو الخير والمنفعة وتسخيرها في الصالح الخاص والعام؛ فمن نعم الله علينا وجود هذه المركبات أعني السيارات وغيرها التي هيأها الله وسخرها لأسفارنا وتنقلاتنا وزياراتنا وجلب منافعنا وحمل أثقالنا، وألهم خلقا من خلقه لاختراعها وتكوينها، (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)[الصافات:96]، وقال تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 8، 9]، وقال: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)[النحل:7].
الثانية: أن قيادة المركبات سلوك وأخلاق، وهي من الأمور التي تبين سلوك الإنسان وثقافته؛ فإذا كان هذا الإنسان سوي الأخلاق حسن المعاملة تكون قيادته كذلك، قال بعض الحكماء: "إن قيادة المركبة تعكس شخصية السائق وتبين معدنها؛ فإذا كان متصفا بالحلم والتسامح ويحب لأخيه ما يحب لنفسه؛ فهو في قيادته كذلك، وإن كان جاف الخلق متكبرا متبرما ينتصر لنفسه لأتفه الأشياء ويغضب لأبسط الأمور؛ فهو للخصام أميل منه إلى العفو وتفهم الآخرين".
الثالثة: قيادة المركبة مسؤولية تجاه الآخرين؛ فالسائق العاقل هو الذي أيقن أن مخالفته في قيادة سيارته قد يتمخض عنها إهدار أموال أو إتلاف أعيان أو ترمل نساء أو تيتم أطفال أو تفكيك أُسر أو إصابة آخرين بإعاقات كاملة أو جزئية أو تعطيل للمصالح العامة والخاصة أو إفزاع للناس وتخويف لهم أو تعطيل للحركة وتوقيف للسير.
تصور معي -أيه العاقل- هذه النتائج السلبية المفزعة والعواقب الوخيمة والمفجعة التي تترتب على المخالفات المرورية والاستهتار بآداب السير وأنظمة المرور وعدم المبالاة بالتعليمات المستمرة والتوجيهات المتكررة التي تصدرها الجهات الأمنية، والحريصة على سلامة أفراد المجتمع والحفاظ على مقدراته وممتلكاته، والتي كان من المفترض الالتزام بها في الطرقات حفاظا على النفس والغير والممتلكات، وإن الانضباط والتؤدة والتأني في السير من الأمور المحمودة ومن الصفات المرغوبة، قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) [الفرقان:63].
الرابعة: قيادة المركبة تخضع لقانون مدروس منظم والواجب احترام هذا القانون، ولو تمعن السائق في لوحاته وأنظمته لوجد فيها خيرا له، ولكن -للأسف- جمعا كبيرا ممن يقودون السيارات لا يراعون الأنظمة والقوانين المفروضة والتي لا تخالف شرعًا، وإنك لتعجب حين ترى البعض يسير في طريقه لا يبالي بأنظمة السير ولا إرشادات المرور؛ لا كيف يقف ولا كيف ينطلق ولا كيف يعطي للآخرين حقهم في الطريق ولا يساعدهم فيه، وهمه كيف يصل لهدفه بطريقة أو بأخرى.
الخامسة: يجب أن يشترك الجميع في تحقيق السلامة المطلوبة، فإذا حملنا السائقين المسؤولية الأولى في السلامة الطرقية؛ فمن الواجب علينا أن ننظر إلى المسألة من زاوية أوسع ومن تحليل أعمق، وذلك لتحقيق الإنصاف المطلوب والعدل المفروض، ومن الأمور المحققة للسلامة الطرقية على سبيل المثال الحرص والدقة في منح رخص القيادة؛ فإذا كان هناك تفريط وتساهل في منحها لمن لا يستحقها فهذا يعني أنا لا زلنا نخط خطوة في غير طريق السلامة الطرقية؛ إذ الواجب تأهيل السائق حتى يكون مدركا لكل ما من شأنه سلامته والآخرين، وحال وجود تفريط لتلك التعليمات المروية والإرشادات النظامية حينها على القانون أن يأخذ مجراه في محاسبة من يتلاعب بأرواح الناس.
السادسة: وفي هذه النقطة نود الإشارة لأبرز الأمثلة على مخالفات بعض السائقين -هداهم الله- فمنها: قطع الإشارات وتجاوز السرعة المحددة وعكس الطرقات ووقوف البعض في وسط الطريق وتبادل الكلام مع الأصدقاء وهم على سياراتهم والوقوف الخاطئ أو الوقف خلف سيارات واقفة مما يسبون حرجا لغيرهم ممن أراد الخروج والوقوف عند المخارج يمين أو عند الدوران وحرمان أهلها من المرور.
ومن المخالفات -أيضا- التلاعب أثناء القيادة والتمايل بها والتنقل المتهور بين المسارات والتجاوز الخاطئ، وكذلك الانشغال بالجوال وكذا التجاوز من جهة اليمين أو السير ببطيء مما يسبب في عرقلة السير، أو عدم تشغيل الإشارات الضوئية عند الالتفات يمينا أو يسارا وغير ذلك كثير.
أيها المسلمون: إن أخلاق المسلم توجب القبول بالأنظمة النافعة وتطبيقها ليسلم مجتمعنا بتوفيق الله ثم بالتقيد بها من هذه الكوارث التي تقض مضاجع المسلمين وتؤرقهم وتجعل حياتهم وأموالهم في خطر، وما نسمعه في القنوات والصحف كل يوم عن حوادث مروعة إنما أسبابها يرجع إلى السرعة الجنونية، والتصرفات الخاطئة، وقيادة السيارات ممن لا يحسن القيادة أو يتأهل لها ولا يطبق الأنظمة ولا يعرف للسير حقه، أو القيادة تحت تأثير المسكرات، وغير ذلك.
وإن مما يدعوا للعجب قول البعض حين تذكره بأخطار التهور وعدم اتباع الأنظمة المرورية يجبك أن كل شيء بقدر الله ولن يحصل إلا ما قدره وكتبه؟
والجواب: هذا حق نؤمن به ونصدقه؛ فقد قال ربنا -سبحانه-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحديد:22]، إلا أن الإيمان بالقدر لا يعني منح العبد الفرصة لأن يفعل ما يجوز شرعا ولا ينبغي نظاما ولا يليق عرفا فيكون سببا في حصول الكوارث العظيمة والمصائب الأليمة.
أيها السائق الكريم: فكر قليلاً في نتائج هذه الكوارث، وتأمل قليلاً في أسبابها، ولربما كان منها قيادتك المتهورة؛ فهل تحب أن تجني على شخص أو تجني على أشخاص فتكون بذلك قد تحملت موت نفوس كثيرة وإتلاف ممتلكات عديدة؛ فتندم حينها على سوء تصرفك ولا ينفعك الندم.
عباد الله: لنتق الله -تعالى- في نعمه وآلائه ونحيطها بشكره؛ فقد وعد الشاكرين بالزيادة، فقال: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7]، ومن شكر هذه النعمة استخدامها فيما يحقق المنافع ويدفع الأضرار وكذا الالتزام بقوانين السلامة من الأنظمة المرورية والبرامج التوعوية؛ حتى ننعم بها ونسلم الشرور ويهنأ الجميع بالسلامة ودوام العافية.
خطيبنا العزيز: هذه مقدمة يسيرة ومجموعة من الخطب المنتقاة؛ فذكر بها من يخاف وعيد، عل الله -تعالى- أن يحفظ بهذه التذكرة أرواح العباد وأموالهم وأن يهدي شباب المسلمين لشكره على عظيم عطائه وإحسانه.
التعليقات