اقتباس
وقد ضل قوم -بعد علم وهدى- حين قالوا: أن غير المسلم يدخل الجنة! ومن ثم دعوا إلى توحيد الأديان! والمقاربة بين الأديان! وحرية الاعتقاد والتدين؛ لا بمعنى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) أي: لا يُكْرَه أحدٌ على الدخول في الإسلام، بل بمعنى مشبوه وهو: لا يُكره أحد على البقاء على الإسلام، فهم يقصدون: حرية الردة عن الإسلام!...
لما أهبط الله -عز وجل- آدم -عليه السلام- إلى الأرض أهبطه إليها مسلمًا موحدًا، ولما خاطب نوح -عليه السلام- قومه قال لهم: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[يونس: 72]، ويحكي القرآن عن إبراهيم -عليه السلام- وسرعة استجابته للإسلام فيقول: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[البقرة: 131]، ومرة أخرى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[آل عمران: 67]، والإسلام هو وصية كل نبي لقومه ولأولاده من بعده: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[البقرة: 132]، ويعقوب -عليه السلام- بدوره يختبر أبناءه ليطمئن أنهم لن يغيروا أو يبدلوا: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)[البقرة: 133]، ووصية موسى -عليه السلام- لقومه : (يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ)[يونس: 84]، وهو ما علَّمه عيسى -عليه السلام-للحواريين ثم اختبرهم فيه: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 52]...
وهكذا ما بُعِث نبي ولا أُرسِل رسول إلا بالإسلام. لذلك تجد القرآن الكريم يقرر في وضوح وجلاء قائلًا: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[آل عمران: 19]، ولا عجب إذًا أن يقولها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "...
والأنبياء إخوة لعَلَّات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد"(البخاري)؛ "ومعنى الحديث: أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد، وإن اختلفت فروع الشرائع"(فتح الباري، لابن حجر).
ولأن الدين عند الله -عز وجل- واحد؛ هو الإسلام لا سواه، فأنه لن يقبل من مخلوق يوم القيامة أي دين آخر سوى دين الإسلام: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85]؛ "يعني أن الدين المقبول عند الله هو دين الإسلام، وأن كل دين سواه غير مقبول عنده؛ لأن الدين الصحيح ما يأمر الله به ويرضى عن فاعله ويثيبه عليه، (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ): يعني الذين وقعوا في الخسارة وهو حرمان الثواب وحصول العقاب"(تفسير الخازن). وسنة النبوية في هذا الصدد واضحة ظاهرة تقول في جلاء: "إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة"(متفق عليه)، وعن أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم القيامة، دفع الله -عز وجل- إلى كل مسلم، يهوديًا أو نصرانيًا، فيقول: هذا فكاكك من النار"(مسلم)، وفي لفظ: "لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديًا أو نصرانيًا"، ويروي أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار"(مسلم).
وقد ضل قوم -بعد علم وهدى- حين قالوا: أن غير المسلم يدخل الجنة! ومن ثم دعوا إلى توحيد الأديان! والمقاربة بين الأديان! وحرية الاعتقاد والتدين؛ لا بمعنى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[البقرة: 256]، أي: لا يُكْرَه أحد على الدخول في الإسلام، بل بمعنى مشبوه وهو: لا يُكره أحد على البقاء على الإسلام، فهم يقصدون: حرية الردة عن الإسلام! والعياذ بالله، فهذا عكرمة يروي فيقول: أتي علي -رضي الله عنه- بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم، لنهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تعذبوا بعذاب الله"، ولقتلتهم؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من بدل دينه فاقتلوه"(البخاري). فكل هذه الدعوات -بهذا المعنى الخبيث- هي دعوات باطلة، تسوي الحق بالباطل، فكيف يجتمع النور والظلام؟! وكيف يجتمع الهدى والضلال؟! وكيف يجتمع الإيمان والكفر؟! إنهما أبدًا لا يجتمعان وهل يجتمع الضدان في شيء واحد؟!
وما هذه الكلمات السابقة إلا مقدمة وتمهيد لموضوعنا، فقد تركنا بيان ذلك لخطبائنا الأفذاذ المتقنون، ليجلوا الأمر ويؤصلوه ويفصلوه ويوضحوه... والله من وراء القصد وهو أحكم الحاكمين.
التعليقات