اقتباس
وثامنها: أنه لا يختلف فيه قُطران، بل جميع المسلمين في شتى بقاع الأرض يحتفلون به في وقت واحد، ويكون الاعتماد فيه على رؤية المملكة العربية السعودية، فإذا ثبت فيها فقد ثبت في جمع بلدان المسلمين، وإلا فلا، وهذا مظهر من مظاهر وحدة المسلمين...
ما هو العيد؟؟ العيد بهجة وفرحة وسعادة وحبور، وسرور على القلوب يدور، العيد تلاقٍ على شعيرة صلاة العيد، وتفرق إلى شعيرة ذبح الأضحية، العيد تواصل بين الأرحام وتَهانٍ بين الجيران وترافق بين الأصحاب، العيد تصالح متخاصمين وتصافي متشاحنين، العيد أيام ينتظرها المسلمون بلهفة ويستقبلونها ببهجة ويعيشونها في نشوة، العيد نور في القلب وبسمة في الوجه ووُدٌ على الألسنة...
وإن كان عيد الفطر يزيد على عيد الأضحى أنه يجيء في ختام وتمام فريضة صيام رمضان، فإن عيد الأضحى يأتي -أيضًا- بعد صيام التسع من ذي الحجة، لكن صومها مستحب لا مفروض... وإن كان عيد الفطر يزيد -أيضًا- على عيد الأضحى بتلك الفرحة التي يفرحها الصائم والتي ذكرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه"(متفق عليه)، فإن عيد الأضحى يزيد ويتميز على عيد الفطر بأمور منها ما يلي:
فأولها: أنه من أعظم أيام العام عند الله -تعالى-: فعن عبد الله بن قرط أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أعظم الأيام عند الله -تبارك وتعالى- يوم النحر، ثم يوم القر"(رواه أبو داود، وصححه الألباني)؛ فيوم النحر هو أول أيام عيد الأضحى، ويوم القر هو اليوم الثاني منه، وقوله ""أعظم الأيام"؛ أي: من أعظمها، "عند الله يوم النحر"؛ لأنه يوم الحج الأكبر، وفيه معظم أعمال النسك، "ثم يوم القر".. ثاني يوم النحر؛ لأنهم يقرون فيه ويستجمعون مما تعبوا في الأيام الثلاثة، وفضلهما لذاتهما أو لما وظف فيهما"(التيسير، للمناوي).
وثانيها: أن بعده أيام التشريق: بل هي من تمام عيدنا أهل الإسلام؛ فعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب"(رواه الترمذي، وصححه الألباني)، ولهذه الأيام فضل الاختصاص بذكر الله -تعالى- فيها؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "(واذكروا الله في أيام معلومات): أيام العشر، والأيام المعدودات: أيام التشريق"(رواه البخاري)، ويقصد ابن عباس الأيام المعدودات في قول الله -تعالى-: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ)[البقرة: 203].
وهي أيام يحرم فيها الصيام كما سمعت في حديث الترمذي الماضي، بل لقد روى الإمام مسلم عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيام التشريق أيام أكل وشرب".
وثالثها: أنه يقع في شهر حرام: فكلنا يحفظ قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان"(متفق عليه)، أما شوال الذي فيه عيد الفطر ليس من الأشهر الحرم.
ورابعها: أنه يقع بعد ركن الحج الأكبر وهو الوقوف بعرفة، وكذلك تتخلله بعض أفعال الحج، وببعضها سميت أيامه؛ يقول ابن حجر العسقلاني: "فالأضحى هو اليوم العاشر، والذي يليه يوم القر، والذي يليه يوم النفر الأول، والرابع يوم النفر الثاني"(فتح الباري)، وكذلك ترمى فيه الجمرات، وسل عن أيام عيد الأضحى أرض منى والمزدلفة..
وخامسها: أنه محل شعيرة الأضحية، وبها سمي: بل هي أولى أعمال يوم العيد بعد الصلاة مباشرة؛ فعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال: "إن أول ما نبدأ من يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع، فننحر فمن فعل فقد أصاب سنتنا"(متفق عليه)، ولقد قيل في تفسير قوله -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الكوثر: 2]: "فصل لربك صلاة العيد يوم النحر، وانحر نسكك"(تفسير الخازن).
وهي سنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن أنس، قال: "ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما"(متفق عليه)، ومن قبله فهي سنة أبينا إبراهيم -عليه السلام-.
لذلك فإن سادس مميزات عيد الأضحى: أنه يوم ذكرى قصة أبي الأنبياء الخليل إبراهيم يوم هَمَّ وعزم وأقدم على ذبح ولده إسماعيل -عليهما السلام- طاعة لربه -عز وجل-: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى)؟ يوم أن قبِل الابن الذبح امتثالًا وبرًا: (قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)، يوم أن تدخل اللطف الإلهي والرحمة الربانية في اللحظة الفارقة: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ)، وسُنت من ساعتها الأضحية للقادرين من المسلمين: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)[الصافات: 102-107]..
وسابع مميزات عيد الأضحى: أنه يُعرف موعده بالرؤيا قبله بتسعة أيام كاملة، فلا يفاجئ الناس به كما قد يحدث في عيد الفطر، فإن عيد الأضحى يأتي في العاشر من ذي الحجة وليس في غرة الشهر كعيد الفطر.
وثامنها: أنه لا يختلف فيه قُطران، بل جميع المسلمين في شتى بقاع الأرض يحتفلون به في وقت واحد، ويكون الاعتماد فيه على رؤية المملكة العربية السعودية، فإذا ثبت فيها فقد ثبت في جمع بلدان المسلمين، وإلا فلا، وهذا مظهر من مظاهر وحدة المسلمين: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[الأنياء: 92]، بخلاف عيد الفطر، فكم اختلفت فيه بلاد المسلمين.
***
ولعيد الأضحى آداب وسنن كثيرة، فمنها -غير الأضحية التي إليها أشرنا-: عدم الأكل يوم العيد إلا بعد صلاة العيد وذبح الأضحية؛ ليأكل منها؛ فعن بريدة قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل، ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته"(رواه الترمذي وأحمد واللفظ له، وصححه الألباني)، فإن لم تكن له أضحية فلا يسن هذا في حقه... ومنها: مخالفة الطريق؛ فيذهب للصلاة من طريق ويرجع من آخر... ومنها: الغسل والتطيب وارتداء أفضل الثياب... ومنها: خروج النساء والصبيان والجميع لصلاة العيد ...
ثم الأداب بعد ذلك كثيرة، ولقد قام خطباؤنا بتفصيلها وتجليتها وتوضيحها هي وغيرها من الأمور والمسائل والمهمات التي تخص عيد الأضحى المبارك، ولقد أتينا ها هنا بباقة من خطبهم... والله -تعالى- نسأل أن يجعله عيدًا ميمونًا على المسلمين أجمعين، وأن يحقن فيه دماءهم التي تسال في السودان وفلسطين، إنه -سبحانه- على كل شيء قدير.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم