اقتباس
ويا ويلهم يعذبون بما غلُّوه وبما سرقوه يوم القيامة، فيعيده الله لهم ويأتيهم به فيكلَّفون بحمله على ظهورهم في عرصات القيامة حتى يفصل بين الخلائق! ففي القرآن يقول الله -عز وجل-: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران: 161]، أي يأتي به حاملًا له على ظهره ورقبته، معذبًا بحمله وثقله، ومرعوبًا بصوته، وموبخًا بإظهار خيانته على رءوس الأشهاد، وقيل يمثل ذلك الشيء في النار، ثم...
إن كل موظف أو مسئول أو صاحب منصب مؤتمن على مصالح العباد، والمؤتمن لا يخون، فكل من ولاه الله شيئًا من أمور عباده فهو -عز وجل- مراقب له وناظر إليه؛ فإن قام فيهم بالحق والقسطاس أيده ونصره وهداه، وإن جار ومال وخان وظلم أخزاه الله وخذله... وإن من أبشع الخيانات التي يرتكبها العمال والموظفون والمسئولون وأكثرها انتشارًا هي جريمة الغلول أو قل الرشوة أو قل الاختلاس، ومثله كل مال يحصلون عليه من وظيفتهم ومنصبهم بغير وجه حق، فهو كله من الحرام ومن السحت ومن الغلول... فالهدية يقبلها الموظف من أحد أتاه له عنده مصلحة فإن قبلها فهي غلول، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هدايا العمال غلول" (أحمد)... وهذه الهدية هي في حقيقتها رشوة مهما غيَّروا في أسمائها وتفننوا في إخفائها، فعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لعنة الله على الراشي والمرتشي" (ابن ماجه). وقد أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- في غير ما موضع أن تلك التي يسمونها "هدايا" إنما هي من الغلول، وأنه لا يحل لموظف أو لصاحب منصب أن يتكسب من وظيفته أو من منصبه بغير ما أعطي له ممن ولاه، فعن عدي بن عميرة الكندي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطًا فما فوقه كان غلولًا يأتي به يوم القيامة"، قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك، قال: "وما لك؟" قال: سمعتك تقول: كذا وكذا، قال: "وأنا أقوله الآن، من استعملناه منكم على عمل، فليجيء بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى" (رواه مسلم). *** ويا ويلهم يعذبون بما غلُّوه وبما سرقوه يوم القيامة، فيعيده الله لهم ويأتيهم به فيكلَّفون بحمله على ظهورهم في عرصات القيامة حتى يفصل بين الخلائق! ففي القرآن يقول الله -عز وجل-: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران: 161]، "أي يأتي به حاملًا له على ظهره ورقبته، معذبًا بحمله وثقله، ومرعوبًا بصوته، وموبخًا بإظهار خيانته على رءوس الأشهاد" (تفسير القرطبي)، "وقيل يمثل ذلك الشيء في النار، ثم يقال له: انزل فخذه، فينزل فيحمله على ظهره فإذا بلغ موضعه وقع ذلك الشيء في النار، فيكلف أن ينزل إليه ليخرجنه، يُفعل به ذلك ما شاء الله" (تفسير الخازن). وقد جاءت السنة مفصلة لشيء من هذا العذاب في جهنم لكل عامل غل شيئًا وقبِل هدية لم تهد له إلا ليحابي أو ليظلم، فعن أبي حميد الساعدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعمل عاملًا فجاءه العامل حين فرغ من عمله، فقال: يا رسول الله، هذا لكم وهذا أهدي لي. فقال له: "أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك، فنظرت أيهدى لك أم لا؟" ثم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشية بعد الصلاة، فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد، فما بال العامل نستعمله، فيأتينا فيقول: هذا من عملكم، وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر: هل يهدى له أم لا، فوالذي نفس محمد بيده، لا يغل أحدكم منها شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، إن كان بعيرًا جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاة جاء بها تيعر، فقد بلغت" (متفق عليه). ونجيبه -صلى الله عليه وسلم-: نعم لقد بلغت يا رسول، ومن حقك إذ بلغت أن تتبرأ ممن اقترف الغلول وأكَلَه، فتخذله يوم القيامة ولا تشفع له، وهو ما جاء في حديث أبي هريرة قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فذكر الغلول، فعظمه وعظم أمره، ثم قال: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك" (متفق عليه)، فكلهم يقول له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك"، وهذا بعض ما يستحقون. ومن العجيب أن تجد من العمال وأصحاب المناصب الذين يغلون ويرتشون ويسرقون مَن يقيم المشروعات "الخيرية" ويتصدق ويبذل للمحتاجين! وقل لهم: كل ما تقدمون من مالكم الحرام فهو مردود عليكم غير مقبول؛ والسبب: أنه مال سحت وغلول، فعن ابن عمر أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول" (رواه مسلم). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون: 51]، وقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟" (رواه مسلم)، فلا صدقته مقبولة، ولا دعاؤه مستجاب، بل إن جسده مستحَق لنار جهنم -والعياذ بالله-، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لكعب بن عجرة: "يا كعب بن عجرة، إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به" (رواه الترمذي). *** إن الأمر خطير وليس بضئيل، وإنه لداء وبيل قد ظهر وانتشر وكثر وطغى واستشرى، لذا فقد قاومه خطباؤنا وحاربوه، محاولين وقف مده وقطع شره واجتثاث أصله... وهذه بعض محاولاتهم:
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم