اقتباس
والصبر من أعظم الأخلاق، وأجلّ العبادات, وأعظم الصبر وأحمده عاقبةً: الصبر على امتثال أمر الله, والانتهاء عمّا نهى الله عنه، ومن أعظم الشرائع التي يتحقق بها ذلك المقصود: شريعة الصيام في شهر رمضان..
الصبر هو سلاح المؤمن الذي يحتمي به عند الشدائد، ولذا تكررت مادة الصبر أكثر من مائة مرة في القرآن الكريم، وفي ذلك دلالة على بالغ عناية القرآن بهذا الخُلق الكريم، والصبر مفتاح كل باب مغلق، ووسيلة لكل مطلب بعيد، وسبيل للظفر في الشدة والرخاء. والصبر من أعظم الأخلاق، وأجلّ العبادات, وأعظم الصبر وأحمده عاقبةً: الصبر على امتثال أمر الله, والانتهاء عمّا نهى الله عنه، ومن أعظم الشرائع التي يتحقق بها ذلك المقصود: شريعة الصيام في شهر رمضان. ولذلك كان رمضان شهر الصبر؛ إذ الصوم تعويد على الصبر، وتمرين عليه, وصوم رمضان مدرسة تربوية مناسبة لتأصيل فضيلة الصبر في المؤمن الصائم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصَّوْمُ نصْفُ الصَّبْر" (رواه أحمد وغيره).
ومن أفضل أنواع الصبر: الصيام؛ فإنه يجمع الصبر على أنواع الصبر الثلاثة: فالصائم يصبر على طاعة الله -عز وجل-، ويصبر على ترك شهواته، لله، ونفسه قد تنازعه إليها، ولهذا جاء في الحديث القدسي: "يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي". وفيه يصبر على الجوع والعطش، والأرقى من ذلك صبره على أذى الناس وكظم غيظه وعدم رد فعله، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصيام جنة فلا يرفث، ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". رواه البخاري.
والله -عز وجل- يتولى جزاء الصائمين, فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله -عز وجل-: إلا الصيام فإنه لي وأما أجزي به, إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي» رواه البخاري.
وهكذا يتبين لنا عظم الارتباط بين الصوم والصبر، وأن الصوم سبيل إلى اكتساب خلق الصبر ذلك الخلق العظيم الذي أمر الله به وأكثر من ذكره في كتابه, وأثنى على أهله المتصفين به.
إن الصائم الصابر يفيد دروساً جمة في الصبر من جراء صيامه, فهو يدع الطعام والشراب والشهوة حال صيامه, فيفيد درساً عظيماً في الصبر، حيث يتعود فطم نفسه عن شهواتها وغيها.
والصائم الصابر إذا أُوذي أو شُتم لا يغضب, ولا يقابل الإساءة بمثلها, ولا تضطرب نفسه, فكأنه بذلك يقول لمن أساء إليه: افعل ما شئت فقد عاهدت ربي بصومي على أن أحفظ لساني وجوارحي.
الصائم الصابر لا يثور لأتفه الأسباب كحال من لم يتسلحوا بالصبر, ممن يظنون أن الصوم عقوبة وحرمان, فيخرجون عن طورهم, وتثور نفوسهم, وتضطرب أعصابهم. وهكذا يتبين لنا أثر الصيام قي اكتساب خُلق الصبر، فإذا تحلى الإنسان به كان جديراً بأن يفلح في حياته, وأن يقدم الخير العميم لأمته, ويترك فيها الأثر الكبير. وإن عطل من الصبر فما أسرع خوره, وما أقل أثره.
من أجل ذلك كله، وضعنا بين يديك -أيها الخطيب الكريم والواعظ الفاضل- مجموعة خطب منتقاة في الصبر وعلاقته برمضان، نسأل الله أن ينفع بها المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم