اقتباس
إن ضعاف النفوس من محبي المال يعينون الفاسدين على إفسادهم، ويساهمون من حيث لا يشعرون في تقويض قدرات مجتمعهم وفشله، فحبهم للمال يدفعهم ويسوقهم إلى ارتكاب خطيئة الرشوة ودفع المجتمع إلى الهاوية، فإن لم يتحملوا المسؤولية التي أنيطت بهم فإنهم يعرضون أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم إلى الهلاك غير المباشر والذي قد لا يظهر أثره في وقت سريع، وإنما يسقط المجتمع على المدى الطويل عندما يتحول المجرم إلى بريء والبريء إلى مجرم بفعل الرشوة...
الرشوة نوع من أنواع الفساد المالي والإداري، وهي خطر كبير على المجتمعات الإنسانية؛ ذلك أنها تعطي الفرصة لتسلق من ليس أهلاً للمهن والوظائف على أكتاف أصحاب المؤهلات والكفاءات العلمية والعملية، وهي وسيلة لأكل حقوق الغير بلا مبرر، فإذا توسد الأمرَ غيرُ أهله أثر ذلك سلبيًا على كفاءة المجتمع وإنتاجه وحسن أدائه، وتسبب ذلك في إهدار كثير من الأموال والطاقات والأوقات في محاولة إنجاز الأعمال بلا فائدة، فاليد العاملة أو المنتجة أو المفكرة بلا إمكانات، في حين يقبع أصحاب الكفاءة في غير أماكنهم، تسند إليهم أعمال لا تناسبهم، لا تحتاج إلى ما لديهم من خبرات وقدرات، بل يقوم بها من هو دونهم في التعليم والخبرة والكفاءة، في حين تحتاج وظائف أخرى في المعامل ومراكز التطوير والبحث العلمي وكثير من الأماكن إلى أهل خبرة وكفاءة ليديروها على وجه أكمل وأفضل مما تدار به، ولكن الرشوة وحدها كفيلة بالقضاء على كل ما من شأنه وضع الأمور في نصابها الحقيقي، وتحقيق معادلات النجاح والتقدم والازدهار.
لذلك كان النهي الصريح عن الرشوة وكل ما يحيط بها من تعاملات تفضي إليها أو تسهلها أو تمهد لها، حتى لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش، فلعن ركني الرشوة: الراشي والمرتشي، ولعن كذلك الماشي بها بينهما والساعي في تقريبهما، ولم يتوقف الأمر على مجرد النهي عنها وذمها، بل تعدى ذلك ليصل إلى حد اللعن الصريح الذي يعني الطرد من رحمة الله تعالى، وما هذا إلا لأن الرشوة قتل لكفاءات المجتمع، ودعوة صريحة لهدم أساساته التي يقوم عليها ازدهاره وتقدمه، وهي تقديم أهل الكفاءة والخبرة، فإذا تقهقر هؤلاء، وتصدر المشهدَ أرباب الأموال الذين لا علم لهم ولا كفاءة ولا مقدرة على قيادة دفة الأمور، فإن المجتمع يصير على شفا جرف هار، معرض للانهيار في أية لحظة، فهو وإن بدا قويًا في ظاهره، إلا أنه خاوٍ من أي مضمون، ما هو إلا مجرد قشرة خارجية لا يتعدى سُمكُها قيمةَ الأموال الزائلة التي شكَّلتها وحددت معالمها.
إن ضعاف النفوس من محبي المال يعينون الفاسدين على إفسادهم، ويساهمون من حيث لا يشعرون في تقويض قدرات مجتمعهم وفشله، فحبهم للمال يدفعهم ويسوقهم إلى ارتكاب خطيئة الرشوة ودفع المجتمع إلى الهاوية، فإن لم يتحملوا المسؤولية التي أنيطت بهم فإنهم يعرضون أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم إلى الهلاك غير المباشر والذي قد لا يظهر أثره في وقت سريع، وإنما يسقط المجتمع على المدى الطويل عندما يتحول المجرم إلى بريء والبريء إلى مجرم بفعل الرشوة، وعندما يتحول صاحب الكفاءة إلى كمٍّ مهمل، وعندما يتحول الشخص التافه إلى قائد أو مسؤول أو حتى موظف في غير مكانه.
وكشأن أي ذنب أو كبيرة أو جرم فإن فاعله يحاول إضفاء شيء من الشرعية عليه، فيسمي الرشوة بغير اسمها، ويضفي عليها أوصافًا محببة إلى النفس لإزالة الحاجز النفسي بينه وبينها، فإنه إذا سماها رشوة صريحة فقد ينقبض قلبه عند أخذها، أو تلومه نفسه، ولكن آخذها يسميها هدية أو إكرامية، أو يشكِّلها معطيها بأشكال أخرى غير المال لتكتسب وصفًا آخر لا يغير من حقيقتها، كأن تكون في صورة تذاكر سياحية، أو هدايا عينية، أو أقلام ذهبية، أو حفلات صاخبة ماجنة، أو حتى تسهيلات متبادلة في قضاء حوائج أخرى، كأن يمرر مظلمة في مصلحته مقابل أن يمرر موظفٌ آخر مظلمةً في مصلحته... وهكذا، فكل ذلك تحايل على الشرع، فإن كانت الرشوة على صورتها البسيطة المعهودة كبيرة فإنها في صورتها الأخرى كبيرتين، وربما فاق عذاب الآخرة عذاب الأولى بكثير.
إن الرشوة قضية خطيرة، ينبغي التصدي لها بقوة، والأخذ على متعاطيها بيد من حديد، وعلى علمائنا ودعاتنا ومصلحينا وخطبائنا أن يقاوموها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وأن يخصصوا لها جانبًا من مجالسهم ودروسهم وخطبهم، وأن يجعلوها صوب أعينهم شأنها شأن بقية المشكلات المجتمعية التي تعاني منها بلادنا؛ لذا فإن مختاراتنا لهذا الأسبوع عن الرشوة وأخطارها على الفرد وعلى المجتمع، نشير من خلالها إلى خطورة هذه القضية وضرورة معالجتها كخطوة واسعة نحو تقدم المجتمع وازدهاره، سائلين الله تعالى أن يهدي موظفينا ومسؤولينا إلى ما فيه الخير للبلاد والعباد.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم