اقتباس
واليوم، وقد عقدوا يومًا عالميًا للتطوع، نقول لهم: لقد سبق الإسلام إلى هذا منذ قرون طويلة، وأصَّله وفصَّله، وجعله لأتباعه دينًا وسنة وقربة إلى الله وطريقًا إلى الجنة ونجاة من النار... فهلموا فتعلموا العمل الخيري التطوعي من الإسلام...
ما من مجتمع من المجتمعات إلا وهو يحتاج إلى تطوعات أفراده، تلك الأعمال الخيرية التي تهدف إلى تقديم العون والمساندة والمساعدة للآخرين الذين هم في حاجة إليه، بدون انتظار أجرة منهم أو مكافأة، بل يكون كل هدفهم نيل الأجر من الله -تعالى-، وإدخال الفرح والسرور في قلوب الناس، لسان حالهم: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[الإنسان: 9].
وكان السائد قديمًا أن يقوم بتلك الأعمال أشخاص منفردين أو متعاونين يجمعهم هدف واحد مشترك من أعمال الخير كإغاثة ملهوف أو نصرة مظلوم أو إغناء محتاج... بدافع الإحسان والجود والندى والكرم... ثم تتطور العمل التطوعي في عصرنا الحاضر حتى اتخذ أشكالًا كثيرة وصورًا متعددة؛ كالجمعيات الخيرية والمنظمات الإغاثية والمؤسسات الاجتماعية التكافلية... لكن لا يزال العمل التطوعي الفردي موجودًا وفعالًا، وأيضًا تلك المجموعات التي نذرت أنفسها لفعل الخير في حي أو قرية أو مدينة...
***
وديننا يحثنا على العمل التطوعي، فعن البراء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر بناس من الأنصار وهم جلوس في الطريق فقال: "إن كنتم لا بد فاعلين فردوا السلام، وأعينوا المظلوم، واهدوا السبيل"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
ويخبرنا رسول الإسلام أن الله -تعالى- يحب من يتطوع بالخير إلى عباده؛ فقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فأجاب -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الناس إلى الله -تعالى- أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله -تعالى- سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني: مسجد المدينة- شهرًا... ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام"(رواه الطبراني في الكبير، وحسنه الألباني).
وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة، فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبية صغارًا، والله ما ينضجون كراعًا، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي -صلى الله عليه وسلم-. فوقف معها عمر ولم يمض، ثم قال: "مرحبًا بنسب قريب"، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطًا في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعامًا، وحمل بينهما نفقة وثيابًا، ثم ناولها بخطامه، ثم قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها؟ قال عمر: "ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها، قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه، ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه"(رواه البخاري).
***
لذا فقد كان الأنبياء والفضلاء والصالحون أكثر الناس بذلًا وتطوعًا بالأعمال الصالحة: فهذا موسى -عليه السلام- يتطوع بالسقي للفتاتين: (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ)[القصص: 24]... وأما الخضر فيتبرع ببناء الجدار لليتيمين: (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ)[الكهف: 77]... وهذا ذو القرنين يرفض أن يأخذ الأجرة على بناء السد ويقوم به متطوعًا، فقد قالوا له: (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ)[الكهف: 94-95].
أما نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فتكفينا شهادة أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- له حين قالت: "والله ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"(متفق عليه).
***
ويشجع ديننا على فعل المعروف والتطوع بالخير وتقديم العون للبشر، ولغير البشر، فيوجب ربنا -عز وجل- الجنة لرجل لأنه تطوع بمعروف لكلب -أعزكم الله-، ففي الصحيحين: "أن رجلًا رأى كلبًا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه، فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له، فأدخله الجنة".
وأعمال المعروف إن كثرت تجتمع من أجل صاحبها فلا تدعه حتى تدخله الجنة؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سأل أصحابه: "من أصبح منكم اليوم صائمًا؟"، قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن تبع منكم اليوم جنازة؟"، قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟"، قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟" قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما اجتمعن في امرئ، إلا دخل الجنة"(رواه مسلم).
والتطوع بالخير في الإسلام سبب لتفريج الكروب؛ فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المعروف إلى الناس يقي صاحبها مصارع السوء والآفات والهلكات"(رواه الحاكم، وصححه الألباني).
وتطوعك بالخير لغيرك تيسير لمصالحك وقضاء لحوائجك، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"(رواه مسلم).
***
واليوم، وقد عقدوا يومًا عالميًا للتطوع، نقول لهم: لقد سبق الإسلام إلى هذا منذ قرون طويلة، وأصَّله وفصَّله، وجعله لأتباعه دينًا وسنة وقربة إلى الله وطريقًا إلى الجنة ونجاة من النار... فهلموا فتعلموا العمل الخيري التطوعي من الإسلام، وهاكم بعض خطباء المنابر قد تطوعوا بخطبهم يُعلِّمون العالم كله كيف يكون التطوع بالمعونة للبشرية:
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم