اقتباس
وقد أمرنا الإسلام بالحفاظ على بيئتنا بجميع مكوناتها، وحرَّم الإسلام الإضرار بها وكفرانها، فالماء -مثلًا- قد حرَّم الإسلام تنجيسه بالبول فيه، فعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه"...
بيئتنا هي أرضنا التي نمشي عليها، وهواؤنا الذي نستنشقه، ومياهنا التي نشربها ونستخدمها ونتمتع بها، وطرقاتنا التي نسلكها ونمضي عليها، وأشجارنا التي نستظل بها ونطعم ثمارها، ونبتاتنا وزروعنا التي نزرعها، وحيواناتنا التي نربيها، وطعامنا الذي نأكله... وكل ما يحيط بنا في البر والبحر والجو...
وهذه البيئة بكل مكوناتها قد خلقها الله -تعالى- من أجلنا وسخرها لنا ولخدمتنا، فقال -عز من قائل- ممتنًا علينا بهذه النعمة: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)[البقرة: 29]، وقال -سبحانه- مرة أخرى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)[لقمان: 20].
فهي نعمة من ربنا -عز وجل- علينا، وكل نعمة يقابلها واجب الشكر لله -تعالى-، فإن لم نشكرها نُزعت وزالت: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم: 7]، "أي: لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) أي: كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها، (إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ): وذلك بسلبها عنهم، وعقابه إياهم على كفرها"(تفسير ابن كثير).
وهكذا يكون شكر الأنهار بصيانتها وحسن استخدامها وعدم تلويثها، فإن لوثناها نزعها الله منا؛ فلم نجد ماءً نشربه أو نروي بها زروعنا... ومن كفران نعمة الماء أيضًا أن نسرف في استخدامه ونبذره، فعن عبد الله بن عمرو بين العاصي أن النبي -صلي الله عليه وسلم- مر بسعد وهو يتوضأ، فقال: "ما هذا السرف يا سعد؟"، قال: أفي الوضوء سرف؟، قال: "نعم، وإن كنت على نهر جار"(أحمد، وحسنه الألباني، وصححه أحمد شاكر).
ويكون شكر الهواء بأن نستنشقه نقيًا نظيفًا ونستشعر فضل الله علينا فيه، فإن كفرنا بنعمته فلوثناه بالأبخرة والأدخنة، نزعه الله منا؛ فنستنشقه فيؤذينا وقد يردينا...
ويكون شكر الطرقات التي مهدها الله -تعالى- بأن نحافظ عليها نظيفة منظمة مرتبة، فإن كفرنا بنعمة الله علينا فيها فلوثناها وأثرنا بها الفوضى والأوساخ، نزعها الله منها فلم نجد طريقًا ممهدًا نسلكه، فتتعطل مصالحنا وتتعسر حياتنا وتنقلاتنا... وقل مثل ذلك في كل نعمة تحيط بنا من نعم الله -عز وجل- في بيئتنا.
***
وقد أمرنا الإسلام بالحفاظ على بيئتنا بجميع مكوناتها، وحرَّم الإسلام الإضرار بها وكفرانها؛ فالماء -مثلًا- حرَّم الإسلام تنجيسه بالبول فيه؛ فعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه"(متفق عليه)، وفي لفظ ابن ماجه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم، وهو جنب"، فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ فقال: "يتناوله تناولًا"(ابن ماجه)... فمن لم يفعل، فسد ماؤه فلم يصلح لشرب ولا لطهارة.
وكذا الطرقات ومجاري المياه وظلال الأشجار وغيرها، صيانتها واجبة وتلويثها حرام؛ فعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، والظل، وقارعة الطريق"(ابن ماجه)، "فـ(البراز): اسم للفضاء الواسع، فكنوا به عن قضاء الغائط كما كنوا عنه بالخلاء؛ لأنهم كانوا يتبرزون في الأمكنة الخالية من الناس، و(الموارد): المجاري والطرق إلى الماء، و(قارعة الطريق): وسطه وقيل أعلاه، والمراد هنا: نفس الطريق ووجهه"(ينظر: عمدة القاري، لبدر الدين العيني)، وكل ذلك من مكونات البيئة.
***
وقد كافأ دين الإسلام كل من شكر نعم الله -عز وجل- التي أغرقتنا فيما نرى حولنا من محتويات بيئتنا، وهذه المكافأة قد تكون أخروية فقط، وقد تكون دنيوية وأخروية؛ فمن ذلك أن من نمى عناصر بيئته وعمَّرها وأحسن استغلالها كوفئ على ذلك في الدنيا قبل الآخرة، وهذا نموذج تنقله إلينا أم المؤمنين عائشة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أحيا أرضًا ميتة ليست لأحد فهو أحق بها"(رواه البخاري والنسائي في الكبرى واللفظ له).
ومن الجزاء الأخروي ما رواه أبو هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفر له"(متفق عليه)، وفي الصحيحين أيضًا: "وتميط الأذى عن الطريق صدقة".
***
ومن هنا كان من واجب خطبائنا الحديث عن هذا الموضوع وإعطاءه حقه؛ خصوصا مع موعد اليوم العالمي للبيئة والذي يوصي بضرورة حمايتها والمحافظة عليها وتنميتها وحرمة المساس بمكوناتها والإضرار بها... وهاك بعض خطبهم، فإليك.
إضافة رد