اقتباس
ولأن الله أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين، فإنه لم يترك أرباب الصنف الأول هملاً، بل جعل لهم في هذه الأيام -أيام الحج- فضلاً عظيمًا يدركونه، يشابهون به أهل الموقف العظيم ليشاركوهم الأجر، ويضاهوهم...
وتستمر أفواج الحجيج في التوافد على البلد الحرام، معلنة اشتياقها وعاطفتها الجياشة لأداء فريضة الله –تعالى-، تسبقهم أفئدتهم وأرواحهم، ويحدوهم الحب ويسوقهم الهيام ببيت هو أعظم بيوت الله في الأرض وأشرفها وأكرمها، فيا ليت شعري هنيئًا للحجيج حجهم، وهنيئًا للزائرين زيارتهم، وهنيئًا للوافدين وفادتهم.. وعلى الرغم من ذلك فإن أقوامًا كُثُرًا في أرجاء هذا العالم قد حبسهم العذر عن تحقيق أمنيتهم، وعن إدراك رجائهم، فما بين المرضى والزمنى، مرورًا بمن قصرت بهم نفقاتهم عن الوصول للبلد الحرام، وانتهاءً بأهل الأعذار من المسلمين الذين ضُرب عليهم الحصار أو منعوا بفعل القوة الجبرية، فكأني بهم وقد تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا أن لا يجدوا ما ينفقون، يشكون إلى الله جمرة في قلوبهم، تزداد اتِّقادًا كلما عاينوا مشهد الكعبة، أو زمزم البئر، أو جبلي الصفا والمروة، أو الحجيج بلباسهم الأبيض المنير، تعلو وجوههم البسمة، وتسود على محياهم إشراقة الطاعة، لسان حالهم ينطق بما في قلوبهم: فزت ورب الكعبة، فزت ورب الكعبة. ولأن الله أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين، فإنه لم يترك أرباب الصنف الأول هملاً، بل جعل لهم في هذه الأيام -أيام الحج- فضلاً عظيمًا يدركونه، يشابهون به أهل الموقف العظيم ليشاركوهم الأجر، ويضاهوهم في العمل، ويساووهم في الثواب؛ ليعوضهم الله تعالى عما يجدونه في قلوبهم من ألمِ وحسرةِ عدم إدراكهم الحج، وهذا باجتهادهم في الأعمال الصالحة عامةً في عشر ذي الحجة، فضلاً عن أعمال صالحة أخرى يعدل ثوابها ثواب شعيرة الحج. وفي مختارات هذا الأسبوع رأينا مواساة أهل الأعذار، ولفت انتباههم إلى ما يمكنهم أداؤه من أعمال يعوضون بها فوات رجائهم -وأنى لهم ذلك-، فنسأل الله –تعالى- وتقبل من الحجاج حجهم وسائر أعمالهم، ونسأله لمن لم يدركه الحج أن ييسر له أداءه، ويحسن الله عزاءه في مصابه، ويعوضه ويجزيه خير الجزاء؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم